أريان الطباطبائي. ليسَ اسماً لمرجعٍ شيعيّ يقيم في مدينة قُم أو النّجف الأشرف أو لمُشرفٍ على “العتبة الرّضويّة” في مدينة مشهد الإيرانيّة. بل هو اسم المستشارة الأولى لنائب وزير الخارجية الأميركي للحدّ من التسلّح والأمن الدولي، وأحد أعضاء الوفد الأميركي إلى محادثات الملفّ النّوويّ الإيراني في العاصمة النّمساويّة فيينا.
تشتهِر عائلة الطّباطبائيّ بكونها من الأسر الفارسيّة – العربيّة العريقة في إيران وبعض الدّول العربيّة، كالعراق والكويت. خرَجَ من العائلة على مرّ العصور مراجع بارزون في الفقه الشّيعي الاثنيْ عشري، وفلاسفةٌ وباحثون وأكاديميّون، إلّا أنّه في حالة ابنة الأسرة أريان، يكون “آل الطباطبائي” قد صدّروا إلى العالم أوّل مرجعٍ أميركيّ – إيرانيّ في “فقه الاتفاق النّوويّ”، وتشجيع التّمدّد الفارسي في الشّرق الأوسط.
في فيينا، لن يكون مُفاجئاً على الإطلاق إن سمِعنا خبراً يفيدُ بتخفيف بعض القيود الأميركيّة على النّظام الإيراني وإسعافه بمليارات الدّولارات تحت عناوين “الإنسانيّة” و”بوادر حُسن النّيّة”
لن يجِدَ الباحثُ في سيرة “أريان” الكثير عن حياتها الشّخصيّة التي تحرصُ على الحفاظ على سرّيّتها بعيداً عن الإعلام. إلّا أنّها ابنة الأستاذ في جامعة طهران ورئيس فرع الفلسفة في “مركز الموسوعة الإسلامية الكبرى الإيراني” جواد الطّباطبائي المُقرّب من عددٍ من شخصيّات التّيّار الإصلاحي الإيراني، وفي مُقدّمهم الرّئيس حسن روحاني وحفيد مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة السّيّد حسن أحمد الخُميني . هذا عدا عن كونه شخصيّة فارسيّة قوميّة، كما يصفه مركز “إيرام” للبحوث الإيرانيّة.
لا تنحصر القوميّة الفارسيّة في نفس الوالد فقط، بل تُصرّح أيضاً سطور كتابات الباحثة الأكاديميّة عن نزعتها القوميّة. “هناك الكثير من الخاسرين في الحرب الأهليّة السّوريّة. إيران ليسَت واحدة منهم”. هذه العبارة كتبتها أريان في مقالةٍ لها نشرها معهد Lawfare تحت عنوان “ثمرات الانتصار الإيرانيّ في سوريا“. وفي مقالةٍ أخرى كتبتها بُعَيْد اغتيال العالم النّوويّ مُحسن فخري زاده تحت عنوان “إيران في سوريا لتبقى” على موقع Foreign Affairs، دعت إدارة الرّئيس جو بايدن إلى دمج طهران في خططها.
بعد قراءة عيّنةٍ صغيرة من مقالات أريان الطباطبائيّ، صارَ من الممكن تخيُّل الابتسامة العريضة على وجوه أركان القيادة الإيرانيّة بعد سماعهم خبر انضمامها إلى الوفد المُفاوض في فيينا، خصوصاً بعدما بدأَ الرّئيس الأميركيّ جو بايدن خطوات المُغازلة “النّوويّة” لهم بتعيين صديقهم روبرت مالي مبعوثاً خاصّاً إليهم.
ولا يعني خبر مشاركة أريان في تظاهرات الثّورة الخضراء عام 2009 في إيران أنّها مُعارضةٌ للنّظام. فهي كانت تُشارك دعماً للمرشّح الإصلاحيّ مير حسين موسوي وليس لإسقاط نظام الملالي، وربّما لم تكن تعلم أنّ وزيرة خارجيّة بلدها الثّاني هيلاري كلينتون كانت تُرسِل في بريدها الإلكتروني رسالة تؤكّد أنّ إدارة الرئيس الأميركي يومئذٍ باراك أوباما تدعم وصول أحمدي نجاد إلى الرّئاسة باعتباره “الأصلح للنّظام العالمي الجديد”، على الرّغم من علمها بتزوير النّتائج.
الأسابيع المُقبلة، التي ستحملُ عودة الاتفاق، كفيلة بإظهار مدى الرّاحة والاطمئنان اللذين أرساهما بايدن في قلوب الإيرانيين فالوفد الأميركي، مليء بـ”الودائع”، أبرزها “الوديعة الإيرانية”، أريان الطباطبائي
في فيينا، لن يكون مُفاجئاً على الإطلاق إن سمِعنا خبراً يفيدُ بتخفيف بعض القيود الأميركيّة على النّظام الإيراني وإسعافه بمليارات الدّولارات تحت عناوين “الإنسانيّة” و”بوادر حُسن النّيّة”. ولن نُفاجأ في حال رَضَخت واشنطن لمطالب الوفد الإيرانيّ بخطوات تضمن عدم انسحاب أيّ إدارةٍ أميركيّة جديدة من الاتفاق النّوويّ.
هذه الاقتراحات شجّعتها أريان قبل اختيارها للانضمام إلى الوفد الأميركي، بل وقبل بدءِ جلسات المفاوضات، في مُقابلة مع Rethinking Iranـ وهي مؤسّسة تابعة للّوبي الإيراني في الولايات المُتحدة تُعارض العقوبات التي فرضها الرّئيس السابق دونالد ترامب على إيران. اللافتُ في الحوار الافتراضيّ القصير أنّ محاوِرها هو رئيس المؤسّسة ومستشار الرّئيس السّابق باراك أوباما الإيرانيّ الأصل “وليّ نصر”، الذي كما دعا في وقتٍ سابقٍ إدارة بايدن في مقالة إلى “العودة السّريعة إلى الاتفاق النّوويّ أو مواجهة انفجار كارثيّ على امتداد الشّرق الأوسط“.
ولا تقلّ نزعة “وليّ نصر” الفارسيّة عنها لدى أريان، إذ إنّ والده هو الفيلسوف الإيراني سيّد حسين نصر، أبرز وجوه المدرسة الصّوفيّة الشّيعيّة العرفانيّة، الذي حاولَ قبل انطلاق ثورة الخمينيّ التوسّط بين شاه إيران محمّد رضا بهلويّ وبين الخمينيّ، للوصول إلى صيغة مشتركة عنوانها “إيران سلطنةٌ إسلاميّة” تجمع بين حكم الملكيّة ورجال الدّين.
في العاصمة النّمساويّة، يجلس الوفد الإيرانيّ قبالة وفدٍ أميركيٍّ، يرأسه صديقهم روبرت مالي، الذي تتلمَذ على يديْ مُهندِس الاتفاق النّوويّ وزير الخارجيّة السّابق جون كيري. وإلى الطاولة نفسها، تجلس أريان الطباطبائيّ المُتحمّسة للعودة إلى الاتفاق النّوويّ، ربّما أكثر من رئيس الوفد الإيراني عبّاس عراقجي.
إقرأ أيضاً: بوتين – بايدن: هل تمنع “الصدفة النووية”؟
لن يشعرَ الإيرانيّون أنّهم غرباء في قاعات فيينا. ولن يشعروا أنّهم يحاورون “الشّيطان الأكبر”. كيف ذلك وهم يجالسون وفداً يضمّ “خيرة الدّاعين” إلى العودة إلى الاتّفاق وتخفيف العقوبات والقيود عليهم؟
الأسابيع المُقبلة، التي ستحملُ عودة الاتفاق، كفيلة بإظهار مدى الرّاحة والاطمئنان اللذين أرساهما بايدن في قلوب الإيرانيين… فالوفد الأميركي، مليء بـ”الودائع”، أبرزها “الوديعة الإيرانية”، أريان الطباطبائي.