سليماني: مرشح الرئاسة الإيرانية؟ (6)

مدة القراءة 6 د

أراش عزيزي

 

مقدمة: صدر للباحث الإيراني أراش عزيزي في تشرين الثاني الماضي كتابٌ يتناول سيرة قائد قوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته طائرة مسيّرة أميركية قرب مطار بغداد في 2 كانون الثاني عام 2020. عنوان الكتاب: “قائد الظلّ: سليماني، الولايات المتحدة والطموحات العالميّة لإيران (The Shadow Commander: Soleimani, The US and Iran’s Global Ambitions). أمّا الكاتب فهو صحافي إيراني كتب في النيويورك تايمز والواشنطن بوست وفي غيرهما، وفي مواقع إلكترونية عدة. وهو يعدّ دكتوراه في جامعة نيويورك عن الجماعات الاشتراكية والإسلامية في إيران وعلاقاتها مع العالم العربي خلال الحرب الباردة. وفي ما يلي مقتطفات من الكتاب.

 

أوّل مشروع كبير لقوّة القدس في التسعينيّات بعد حزب الله في لبنان، كان في البوسنة والهرسك، وعنوانه مساعدة المسلمين هناك في الحرب الأهلية بين عاميْ 1992 و1995. لكنّ الإيرانيّين فشلوا في تأسيس موطئ قدم هناك. أمّا التدخّل في أفغانستان بقيادة سليماني ابتداء من عام 1998، فكان ذا نموذج مختلف تماماً. إذ عمل سليماني على توحيد الفصائل التي تمثّل الأقلية الشيعية هناك في جسم واحد. وبالطريقة نفسها، جمع في العراق، بعد سقوط صدام حسين عام 2003، بين الخطاب الطائفي الشيعي، الذي وجده أكثر منفعةً عمليّاً، وبين معاداة الصهيونية. وإذا كان هو مهندس التدخّل الإيراني في العراق، والتنسيق مع الأميركيّين، لكنّه، من جهة أخرى، بنى علاقات متناقضة مع الفصائل الشيعية والسنّيّة المتحاربة، وفق استراتيجية مثلّثة الأضلاع: العمل مع كلّ القوى العراقية حتى لو كانت معارضة لطهران، وتأسيس ميليشيات شيعية مستقلّة عن الأحزاب السياسية الشيعية، وفسح المجال أمام مقاتلي القاعدة والبعثيّين السابقين لمهاجمة القوات الأميركية. وأفاد سليماني في الوقت نفسه، من هجمات مقاتلي أبي مصعب الزرقاوي على الشيعة، في تجييش البيئة الشيعية وتجنيدها. وعندما ظهر تنظيم داعش بقوّة في العراق وسوريا عام 2014، كان لسليماني الدور الحاسم في إدارة العمليات ورفع المعنويات المنهارة.

وفي فلسطين المحتلّة، تسلّم سليماني ملف دعم الانتفاضة الثانية عام 2000، عاملاً على جعل الدعم الإيراني أكثر احترافاً. وفي عام 2008، حين أطلقت حكومة إيهود أولمرت عملية الرصاص المصبوب ضدّ قطاع غزّة، لوقف إطلاق الصواريخ، لم تكن إيران تخفي دعمها لحركة حماس التي تدرّب كثير من قادتها على يد سليماني في طهران. وكانت الأسلحة الإيرانية تتدفّق إلى القطاع عبر السودان وأنفاق صحراء سيناء.

أوّل مشروع كبير لقوّة القدس في التسعينيّات بعد حزب الله في لبنان، كان في البوسنة والهرسك، وعنوانه مساعدة المسلمين هناك في الحرب الأهلية بين عاميْ 1992 و1995

وعندما بدأت الثورة الشعبية في اليمن، عام 2011، ضدّ حكم الرئيس علي عبد الله صالح، رأى سليماني أنّها فرصة ذهبية لا يمكن أن تعوّض. ففي اليمن يمكن إرساء موطئ قدم لإيران بمحاذاة عدوها الإقليمي المملكة العربية السعودية. ويتذكّر أحد أفراد قوّة القدس: “الحاج قاسم كان يعرف الكثير عن اليمن حتّى قبل عام 2011”. ورأى أنّ من الممكن التعاون مع الحوثيّين، واحترام تقاليدهم القبليّة، فيما كان الإيرانيون من قبل لا ينظرون بجدّيّة إلى هذا التعاون.

أمّا في سوريا فقد سارع قاسم سليماني إلى مساندة نظام بشّار الأسد، وفعل ذلك بكل شراسة حتّى إنّ وزارة الاستخبارات التابعة للرئيس روحاني كانت تشكو من القساوة التي ينفّذ فيها سليماني أعماله الطائفية في سوريا. عام 2012، التقى الرئيس بشار الأسد، وقال له: “إن أردت اللجوء إلى إيران فمكانك محفوظ، أمّا إن أردت الصمود فعليك الاستماع إليّ”. مع ذلك، بدا أنّ الدعم الميليشياوي الشيعي الأمميّ، من إيران وباكستان وأفغانستان والعراق، غير كافٍ لوقف تمدّد المعارضة المسلّحة. وفي 2015، زار الكرملين، وحاول إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعم الأسد.  

كان للرجل خططه، ولا تقتصر على التصدّي للتهديدات الأمنية والعسكرية. زاد من نشاطاته الإعلامية في العام الأخير. كانت تحاول حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي أن تظهر شخصيته الوطنية فوق الممارسات السياسية للطبقة الحاكمة المكروهة. وفي آذار عام 2019، عندما عجز المسؤولون عن التعامل مع الفيضانات في محافظة خوزستان في الجنوب الغربي، ذهب مع قادة آخرين في الحرس الثوري لتقديم المساعدة. وهي المحافظة التي أمضى فيها ثماني سنوات مدافعاً عنها في مواجهة الجيش العراقي. وحين انطلقت الاحتجاجات الشعبية في إيران، في عام 2018، وفي العام الذي تلاه، كانت خوزستان مركزاً لها. وفي الأشهر الأخيرة من حياته، بدأ بالتفكير في اللامفكّر فيه، وهو الترشّح للانتخابات الرئاسية عام 2021. في السابق، رفض مثل هذه الاقتراحات، مكتفياً بهزّ رأسه. لكن في تشرين الثاني عام 2019، طلب من بعض رجاله النظر في إمكان دخوله إلى السباق الرئاسي.  

أمّا في سوريا فقد سارع قاسم سليماني إلى مساندة نظام بشّار الأسد، وفعل ذلك بكل شراسة حتّى إنّ وزارة الاستخبارات التابعة للرئيس روحاني كانت تشكو من القساوة التي ينفّذ فيها سليماني أعماله الطائفية في سوريا

لو كان أيّ شخص من النظام قادراً على تغيير حسابات الشعب الإيراني، لما كان غير هذا الجنرال الشجاع من المناطق النائية. لكنّه لن يحصل على هذه الفرصة. ففي 27 كانون الأول تصاعد التوتّر في العراق بين كتائب حزب الله، التي يرعاها سليماني وصديقه أبو مهدي المهندس، والقوات الأميركية، فقُتل متعاقد أميركي من أصل عراقي هو نورس حامد (33 عاماً)، في قصف بالصواريخ على قاعدة قرب كركوك. بعد يومين، ردّت الولايات المتحدة بقصف خمسة مواقع في العراق وسوريا لميليشيات مدعومة إيرانياً، فقُتل 25 مسلّحاً. لم يتراجع سليماني، بل حاصر أنصار كتائب حزب الله السفارة الأميركية في بغداد، بأمر مباشر منه. خطا آخر خطواته على نحوٍ سيّئ. فما كان من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلّا أن أمر باغتياله. في 3 كانون الثاني 2020، قصفت طائرة أميركية مسيّرة موكب سليماني قرب مطار بغداد، وكان معه أبو مهدي المهندس، وجنود عراقيون وإيرانيون، من بينهم حسين بور جعفري، وهو أيضاً من كرمان، وصديق الأسرة. الدبلوماسي الأميركي القديم رايان كروكر، الذي فاوض رجال سليماني عند اجتياح أفغانستان والعراق، بل نسّق معهم أعمالاً مشتركة، قال: إنّ قائد الظلّ خرج من الظلال، فلم يقدر على العيش طويلاً.

إقرأ أيضاً: حرب تموز: سليماني و”السيد” ومغنية اختبأوا تحت الشجرة.. (5)

مضت إجراءات الدفن بحسب وصية قاسم سليماني. محمود خالقي، كرمانيّ، وصديق قديم، منذ أن حاربا معاً ضدّ العراق، في عملية “الفجر الثامن” عام 1986، وعندما كانا معاً في الحجّ عام 1992، لأربعين يوماً، هو من يتولّى غسله. الدفن يكون قرب حسين يوسف إلهي، وهو كرمانيّ، وكان مسؤول الاستخبارات في فرقة ثأر الله، قبل أن يُقتل عام 1986، في سنّ الرابعة والعشرين، متأثّراً بجروح أصابته في عملية “الفجر الثامن”. قبر حسين عاديّ، وكذلك سيكون قبر قاسم سليماني.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…