يخوض رئيس الجمهورية ميشال عون معركة التدقيق الجنائي على قاعدة أنّها ورقة إنقاذ العهد. ويذهب بعض معارضيه إلى حدّ وصف هذه المعركة بأنّها ورقة ابتزاز لتحسين موقع الفريق العوني للمرحلة المقبلة، التي ستكون حكومة سعد الحريري بوّابتها الإجرائية.
الأكيد أنّ بين القوى السياسية إجماعاً، على شكل “تواطؤ”، على أنّ هذا التدقيق سينتهي إلى صفر نتيجة، لأنّ العكس يعني كشف تورّط كلّ الطبقة السياسية مالياً، وانهيار الهيكل فوق الرؤوس، وهي نتيجة لا تبدو، حتى الآن، مطلوبةً دولياً. أقلّه ليس في هذه اللحظة.
ولهذا، يأخذ السجال في التدقيق الجنائي منحى سوريالياً يهدف إلى تقطيع الوقت لا أكثر، بدليل مماطلة مصرف لبنان في إرسال المستندات المطلوبة من شركة “ألفاريز ومارسال”. فحتّى اللحظة، يبدو سلوك المصرف المركزي “ضحك على الذقون”.
الأكيد أنّ بين القوى السياسية إجماعاً، على شكل “تواطؤ”، على أنّ هذا التدقيق سينتهي إلى صفر نتيجة، لأنّ العكس يعني كشف تورّط كلّ الطبقة السياسية مالياً، وانهيار الهيكل فوق الرؤوس، وهي نتيجة لا تبدو، حتى الآن، مطلوبةً دولياً. أقلّه ليس في هذه اللحظة
نظرياً، كانت إيجابيةً الإشارة التي سجّلها المصرف المركزي، أو بالأحرى المجلس المركزي، كما ورد في الخبر الرسمي الصادر منذ أكثر من عشرة أيام، على طريق التدقيق الجنائي المالي. هذا بعدما أقرّ المجلس قائمة المستندات المطلوبة من شركة “ألفاريز ومارسال” كي تستكمل مهمّتها في التدقيق في حسابات مصرف لبنان.
حينئذ سارع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني إلى القول إنّ “وزارة المال تسلّمت بتاريخ 9 نيسان 2021 بواسطة مفوّض الحكومة لدى المصرف المركزي القائمة المحدثة للمعلومات المطلوبة منه من قبل شركة التدقيق الجنائي Alvarez & Marsal، وقد أرسلت الوزارة بدورها المعلومات إلى الشركة”.
فعلياً، قد يكون الأمر مزيداً من المماطلة، وخطوة محدّثة في مسار كسب الوقت، علّ وعسى! فهذه القائمة لا تعني شيئاً إلّا كونها اعترافاً من مصرف لبنان بأنّه “قصّر” في إجاباته على الأسئلة، التي كانت شركة التدقيق توجّهت بها إليه في معرض عملها التدقيقي، ولم تلاقِ منه إلّا الصمت والتذرّع بقانون السريّة المصرفيّة وقانون النقد والتسليف.
حتّى الآن، تؤكّد المعلومات أنّ شركة التدقيق لم تتسلّم أيّ مستند من مصرف لبنان، فيما بقي من المهلة، التي منحها المصرف المركزي لنفسه، حوالى أسبوع فقط، إذ كان وعد الشركة برفدها بكل ما تريده (43% من الأسئلة) في مهلة أقصاها نهاية الشهر الجاري، من دون أن تظهر أيّ إشارات إلى تزويد الشركة بما طلبته من إجابات واستيضاحات ومستندات تمحورت حول الهندسات المالية، والتزاماته المالية أو أصوله، والأكلاف التي تكبّدها في سياق حصول هذه الالتزامات أو الأصول، والعمليات المالية التي نفّذها مصرف لبنان خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2020، وعمليات المحاسبة المالية والدفع، وعمليات النقد وإعادة الشراء، ومحافظ التوظيفات، وشراء العقارات وبيعها وإيراداتها، واستثمارات مصرف لبنان في الشركات التابعة أو الشقيقة، وودائع المصارف لدى مصرف لبنان…
فعلياً، قد يكون الأمر مزيداً من المماطلة، وخطوة محدّثة في مسار كسب الوقت، علّ وعسى! فهذه القائمة لا تعني شيئاً إلّا كونها اعترافاً من مصرف لبنان بأنّه “قصّر” في إجاباته على الأسئلة
ويشير المطّلعون إلى أنّ جرعة الدعم المعنوي، التي قدّمها وكيل الخارجية الأميركي ديفيد هايل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من خلال تلبية دعوته إلى الغداء، ستزيد من حدّة الانقسام الداخلي حول هذا الملفّ، ليواجه أفقاً مسدوداً في ظلّ رفض القوى السياسية “كشف” المستور في مصرف لبنان.
إقرأ أيضاً: التدقيق الجنائي: هل يطال الحسابات الشخصية لسلامة؟
يضيف هؤلاء أنّ تركيز العهد على الملف القضائي دليل إضافي على اقتناع العهد بأنّ ملف التدقيق الجنائي لن يصل إلى برّ الأمان، أو إلى ما يطمح إليه رئيس الجمهورية، ولهذا تحوّل الاهتمام إلى الشقّ القضائي، وسيلة الضغط البديلة عن مهمة شركة “ألفاريز ومارسال” التي تبدو مستحيلة. خصوصاً أنّ الشركة أعربت صراحة عن عدم رغبتها في خوض غمار التدقيق في إدارات الدولة وصناديقها، إنفاذاً للقانون 200، الذي أُقرّ في 21 كانون الأول الماضي، والقاضي بتعليق العمل بالسرية المصرفية لمدة سنة. وقد أوصى البرلمان بإخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي، للتدقيق الجنائي.
كما أبلغت شركة التدقيق وزارة المال بأنّ مهمّتها لا تتعدّى حسابات مصرف لبنان، وهي غير متحمّسة أصلاً للبحث في عقد جديد أو التفاوض على التدقيق في حسابات بقية الإدارات والصناديق.