“التيّار الوطنيّ الحرّ”: “طِير وفرقِع” بيانات وتغريدات

مدة القراءة 4 د

يعشق جبران باسيل الإعلام. تلك ثابتة لا نقاش فيها. لكن أن يصير تسطير بيانات التكتل النيابي، على قاعدة “يوم إيه، يوم لاء”، فذلك تطوّر خطير في سلوك هذا الفريق، ينمّ عن خواء سياسي حوّل الفريق المسيحي الأقوى إلى مجرّد مصنع مواقف تعيد نفسها، تكراراً وتكراراَ من دون أيّ قيمة مضافة.

في الواقع، يظهر “التدقيق الجنائيّ” لحضور هذا الفريق، على المستوى الإعلامي، أنّه تخطّى المعقول في أعداد البيانات وأشكالها. إذ إنّ “تكتل لبنان القوي” يعبّر أسبوعياً عن مواقفه، وتحديداً يوم الثلاثاء، في بيانه الدوري. ثمّ تعود “الهيئة السياسية”، وهي عبارة عن اجتماع النواب والوزراء الحاليين، الحزبيين، أي ممّن يحملون البطاقة البرتقالية، لتجتمع يوم الجمعة، وتسطّر بياناً يوم السبت. وقد درجت العادة في الفترة الأخيرة على أن يكون الاجتماع أسبوعياً. ومن حين إلى آخر، وتحديداً كل شهر، يجتمع “المجلس السياسي” في التيار الوطني الحرّ، ويطرّز بدوره بياناً شهرياً. والأرجح أنّ كلّ هذه البيانات من صياغة قلم واحد. هذا عدا عن تغريدات جبران باسيل، التي أحياناً تكون يوميّة.

من يقنع الرأي العام بأنّ جبران باسيل لا يفاوض عن رئيس الجمهورية، وبأنّ “حزب الله” لا يعمل على خطّ التشاور بين باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري؟من يبدّل الانطباع الدولي وفي عواصم القرار بأنّ العرقلة ليست من صنع يدي جبران باسيل؟

المفارقة الغريبة في هذا الرصد، هي أنّ المشاركين في اجتماع التكتل والهيئة السياسية، هم أنفسهم تقريباً، باستثناء النائب فريد البستاني الذي لا يحمل بطاقة، ونواب الأرمن إذا ما قرّروا المشاركة، وهي موضة لم تعد دارجة عند “الطاشناق” في الفترة الأخيرة.

هذا يعني عملياً أنّ بمقدور المتابع أن يضع يده، في شهر واحد، على أكثر من ثمانية أو تسعة بيانات صادرة عن جهة واحدة، هي فعلياً جبران باسيل، ولا أحد سواه. هذا اذا أغفلنا أنّ الرجل ضبط أعصابه، وغاب لشهر عن المنبر ومن أمام الميكروفون. وهذا الغياب هو قاعدة استثنائية في سلوكه.

هذا في الشكل. أمّا في المضمون، فالمصيبة أكبر. فقد مضى على الأزمة الحكومية أكثر من 170 يوماً، فيما خطاب “التيار الوطني الحر”، وهو حزب رئيس الجمهورية، وصاحب الكتلة النيابية الكبرى، والممثل “الأقوى” للمسيحيين، هو خطابٌ سلبيّ المنحى لإحجامه عن تقديم مبادرة بنّاءة من شأنها أن توقف مسلسل الانهيار. إذ يكتفي بتحميل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مسؤولية التعطيل والعرقلة، وكأنّ كل استراتيجية “التيار” تقوم على أساس “اللهم اشهد أنّي قد بلّغت”. فلا أفكار جديدة، ولا محاولات جدّية لخرق الجمود، بل مجرّد بيانات خشبية تحاول تبرئة ذمم أصحابها أمام الرأي العام لا أكثر.

فعلياً، يمكن القول إنّ “تكتل لبنان القوي” عاطل عن العمل. لا شغل يقوم به سوى “صفّ الحكي”، ورفع المسؤولية، والجلوس على رصيف الانتظار… وللموضوعية، لا بدّ من ذكر مجهود بعض نوابه، وذلك في ترجمة الأوامر حين تأتيهم من القيادة العليا، بنشر تغريدات، فترصد “رشقاتها” تُطلق الواحدة تلو الأخرى، وكلها من إنتاج مصنع واحد. كما حصل أمس في تغريدات عدد من النواب دفاعاً عن القاضية غادة عون.

إقرأ أيضاً: الانشقاق يكبر داخل “التيّار”: متى يبقُّ المعارضون البحصة؟

والنتيجة أنّ التكتل العوني تحوّل إلى ظاهرة صوتية، ببوقين: البيانات الأسبوعية من جهة، وتغريدات “الريموت كونترول” من جهة أخرى، يحميها جيش إلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا الأخير تملؤه قناعة بأنّه فيما لو نجح في حمل أي “هاشتاغ” إلى مرتبة “التراند” على تويتر، فهو بذلك احتلّ العالم، وربّما سيطر على عقول اللبنانيين. ولا يصدّق أو لا يريد أن يصدّق بأنّ كل هذا المجهود الإعلامي يذهب سدىً، لأنّه غير مقنع بمضمونه، ومنفصل عن الواقع.

آخر إبداعات معمل البيانات إصرار العونيين على التأكيد أنّهم لن يشاركوا في الحكومة، اعتقاداً منهم أنّهم بهذه “النهفة” سيقنعون الناس بأنّهم يسهّلون قدر الإمكان مهمة رئيس الحكومة المكلّف. لكن من يقنع الرأي العام بأنّ جبران باسيل لا يفاوض عن رئيس الجمهورية، وبأنّ “حزب الله” لا يعمل على خطّ التشاور بين باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري. فيما يتولى الأخير العمل على خطّ سعد الحريري؟ من يقنع الرأي العام بأنّ موسكو لن تحدّد موعداً لرئيس “التيار الوطني الحرّ” لكي تستوضحه عن خطّة معارضته؟ من يبدّل الانطباع الدولي وفي عواصم القرار بأنّ العرقلة ليست من صنع يديْ جبران باسيل؟

مواضيع ذات صلة

هوكستين في بيروت وتل أبيب: قوات أميركية وبريطانية باليونيفيل

واشنطن   أمس وصل جواب لبنان إلى السفارة الأميركية في عوكر قبل إرساله إلى واشنطن حول المقترح الأميركي للتسوية بين لبنان وإسرائيل. لكن ما وصل…

استهداف محمد عفيف: رسالة متعدّدة الأبعاد

توجّه مسؤول وحدة الإعلام في الحزب الحاج محمد عفيف ظهر يوم الأحد الماضي برفقة عدد من مساعديه إلى مقرّ حزب البعث في منطقة رأس النبع…

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…