بينما شاركت في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 11 قائمة انتخابية في 2006، تجاوزت 6 منها فقط نسبة الحسم، أقرّت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية في الخامس من نيسان الجاري مشاركة 36 قائمة في انتخابات المجلس التشريعي التي ستجري في 22 أيارالمقبل، من ضمنها 8 قوائم حزبية و28 قائمة غير حزبية.
وقد تناولت تعليقات المحلّلين على الانتخابات الفلسطينية في الأيام الأخيرة أربع قضايا رئيسة تتعلق بالتنافس الذي سيحصل بين قائمة “فتح” والقائمتين المنشقّتين عنها، وبمدى نجاح حركة “حماس” في تكرار الفوز الذي حقّقته في 2006، وباحتمالات إجراء الانتخابات في مدينة القدس الشرقية المحتلة، وأخيراً بفرص إجراء الانتخابات في الموعد الذي حُدّد لها.
الفرص الممكنة
لكن قبل تناول هذه القضايا بالتحليل، يمكن التوقّف عند مقال معبّر نشرته في 7 نيسان الجاري ناتالي جان دوتي، المسؤولة عن برامج الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية في “المركز الوطني للتعاون في مجال التنمية” في بروكسل، الذي يمثل ائتلافاً بين عشرات المنظمات غير الحكومية. فقد أكّدت أن الانتخابات الفلسطينية “لا تنطوي على ممارسة ديموقراطية حقيقية لأنّها تجري في سياق الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتمتع الفلسطينيون بأي سيادة على أرضهم”، بينما لا تمثل السلطة الفلسطينية “أكثر من هيئة إدارية تتمتع بوسائل وقدرات محدودة”، إذ هي “تشكلت بفضل اتفاق أوسلو الذي صار يُعتبر ميتاً”، مقدّرةً أنه “من أجل بلوغ ديموقراطية حقيقية في فلسطين، يجب قبل كل شيء وضع حد للاحتلال الإسرائيلي”.
تناولت تعليقات المحللين على الانتخابات الفلسطينية في الأيام الأخيرة أربع قضايا رئيسية تتعلق بالتنافس الذي سيحصل بين قائمة “فتح” والقائمتين المنشقتين عنها، وبمدى نجاح حركة “حماس” في تكرار الفوز الذي حقّقته في 2006
وترى دوتي أنّه “كان من الأمثل إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، بصفته الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية”، لأنّ مثل هذه الانتخابات “كانت قد تجاوبت مع دعوات عديدة لنفخ دينامية جديدة وإضفاء طابع ديموقراطي على منظمة التحرير التي تتمتع بأكبر قدر من الشرعية في صفوف الفلسطينيين، لكونها تشمل اللاجئين الفلسطينيين”، مضيفة أنه “منذ اتفاق أوسلو، هُمِّشت هذه الهيئة لصالح السلطة الفلسطينية، جراء السياسة التي انتهجها المانحون”.
وتتوقّف الباحثة نفسها عند قانون الانتخابات الجديد، فترى أنه نقل تمثيل النساء إلى 26%، وهو أقلّ من قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي قضى بزيادة نسبة النساء إلى 30%. وسيكون تمثيل الشباب محدوداً أيضاً لأنّ السن المطلوبة للترشّح هي 28 عاماً، وهي العليا في العالم. وتعتبر، أخيراً، أنّ الديموقراطية لا تقتصر على الانتخابات فحسب، بل تشمل أيضاً احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وبينما يمثل الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية للفلسطينيين، فإنّ تجاوزات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة تنتهك أيضاً حقوق الفلسطينيين وحرياتهم.
لكن الانتخابات التي ستجري في أيار المقبل للمجلس التشريعي تنطوي على فرص، في نظر ناتالي جان دوتي، لأسباب عدة هي:
أولاً: خلافاً لكلّ التوقّعات، سجّلت اللجنة المركزية للانتخابات نسبة تسجيل في اللوائح الانتخابية بلغت 93%، فيكون عدد المسجّلين مليونين و600 ألف ناخب، من أصل مليونين و800 ألف شخص يحق لهم الانتخاب. وهو ما يظهر أنّ المجتمع الفلسطيني توّاق إلى ممارسة الديموقراطية، ويرى في هذه الانتخابات فرصةً للتغيير.
ثانياً: انتخابات المجلس التشريعي ستبعث الحياة في العملية الديموقراطية ضمن النظام السياسي الفلسطيني، وتضمن تجديد هيئات فلسطينية شرعية، وتساهم في الفصل بين السلطات، خصوصاً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتحدّ من تجاوز السلطة التنفيذية للسلطتين القضائية والتشريعية، وتعيد الاعتبار للمجلس التشريعي الذي يمكنه أن يحسّن عملية مساءلة الزعماء الفلسطينيين ويضمن شفافية عملية اتخاذ القرار.
ثالثاً: تنطوي هذه الانتخابات على أمل بحدوث مصالحة بين حركتَي فتح وحماس، بعدما فشلت منذ سنة 2007 جميع محاولات الوصول إلى مصالحة بين الحركتين.
التنافس داخل حركة فتح
توقّف عدد من المحللين عند مآلات التنافس الذي سيحصل داخل حركة فتح، بعدما شكّلت اللجنة المركزية للحركة قائمة انتخابية باسم “العاصفة” رأسَها محمود العالول نائب رئيس الحركة، وشكّل ناصر القدوة، الذي فُصل أخيراً من الحركة، قائمة انتخابية باسم “الحرية” حظيت بدعم الأسير وعضو اللجنة المركزية للحركة مروان البرغوثي واحتلت زوجته فدوى البرغوثي الموقع الثاني فيها، وشكّل محمد دحلان، المفصول منذ سنوات من الحركة واللاجئ في دولة الإمارات، قائمة انتخابية باسم “المستقبل” تضمّ كوادر سابقة في الحركة، إلى جانب زوجته جليلة دحلان.
ويرى بعض المحلّلين أنّ القاعدة الانتخابية لناصر القدوة تظل محدودة على أرض الواقع على الرغم من تمتّعه بدعم ما في حلقات النخب الفلسطينية، لكنّ دعم مروان البرغوثي لقائمته قد يزيد من حظوظها الانتخابية، خصوصاً أن هذا الأخير، وعلى الرغم من وجوده في السجون الإسرائيلية منذ سنة 2002، يظل من بين أكثر الزعماء الفلسطينيين شعبية، وقد يكون المنافس الأقوى للرئيس محمود عباس في حال قرر خوض انتخابات الرئاسة المقبلة. ومع ذلك، ووفقاً لبعض التقديرات، فإن قائمة “الحرية” قد لا تحصل على أكثر من 7% من أصوات الناخبين، في مقابل نحو 30% لقائمة “العاصفة”. بيد أنّ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، الذي يحتل الموقع الثالث في قائمة “العاصفة”، سعى إلى تبديد القلق بشأن انقسامات حركة فتح الداخلية، إذ قال أمام الصحافيين في رام الله: “حتى مع نبينا محمد كان هناك مخالفون”، وأضاف: “إن فتح تبقى قوية”. وبينما لم يصدر موقف رسمي من اللجنة المركزية لحركة فتح بشأن قيام محمد دحلان بتشكيل قائمة انتخابية، يبدو أنه جرت محاولات من جانب اللجنة المركزية للحركة لثني مروان البرغوثي عن دعم قائمة منشقة عن الحركة، وهو ما أكده عضو هذه اللجنة عزام الأحمد الذي صرّح: “توصلنا إلى اتفاق مع مروان [البرغوثي]، وأبلغنا هو رسمياً بذلك من خلال اجتماعات مع حسين الشيخ وبيانات صاغها بنفسه، وأنا شخصياً تواصلت معه من خلال زوجته فدوى، وقال لي إنّه لا يفكر في تشكيل قائمة”. وقبل 15 ساعة فقط من انتهاء مهلة تقديم القوائم، جرت، كما يبدو، محاولة أخيرة معه، لكن إسرائيل لم تمنح التصريح بزيارته ولا حتى التواصل معه عبر الهاتف.
يرى بعض المحللين أنّه إذا كان ناصر القدوة يتمتع بدعم ما في حلقات النخب الفلسطينية لكن قاعدته الانتخابية تظل محدودة على أرض الواقع، فإن دعم مروان البرغوثي لقائمته قد يزيد من حظوظها الانتخابية
هل يتكرّر فوز حركة حماس؟
قدّر العميد المتقاعد في الجيش الإسرائيلي يوسي كوبرواسر في مقال له عن “رهانات الانتخابات الفلسطينية”، نُشر في 16 شباط 2021، أن الرئيس محمود عباس يعتقد أن “انتخابات جديدة ومصالحة ظاهرية مع حركة حماس قد تعيد إحياء العملية السلمية التي نُحّيت جانباً بعد التوصل إلى اتفاقات أبراهام”، وقد تعزز العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة، خصوصاً بعدما أظهرت إدارة جو بايدن عزمها على “تجديد العملية السياسية الدولية لحل القضية الفلسطينية مع الاتحاد الأوروبي، على قاعدة قرار مجلس الأمن رقم 2334 المُقرّ في 23 كانون الأول 2016، أي قبل ثلاثة أسابيع فقط من نهاية عهد ولاية باراك أوباما الرئاسية”، وهو القرار الذي “طالب إسرائيل بوقف النشاطات الاستيطانية وقفاً فورياً وتامّاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية”. وأضاف أن تعيين أميركيين من أصول فلسطينية في مناصب مختلفة في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية “استقبل بارتياح في رام الله”، وتعزّز الأمل الفلسطيني “عقب قرار محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائم حرب مفترض أنّ جنوداً إسرائيليين ارتكبوها، والموقف الأميركي الخجول إزاء هذا الموضوع”. أمّا حركة حماس فهي، في رأيه، “متلهّفة لإجراء الانتخابات لأنها تريد مواصلة سيطرتها على قطاع غزة وضمان حصولها على شرعية دولية، وهو ما يدعمه بعض أعضاء الإدارة الأميركية مثل هادي عمرو، مساعد وزير الخارجية للشؤون الفلسطينية -الإسرائيلية، وروبرت مالي المسؤول عن الملف الإيراني”، معتبراً أن الاعتراف بشرعية حركة حماس سيعني “التخلّي عن الشروط الثلاثة التي وضعتها اللجنة الرباعية لضمان مثل هذا الاعتراف، وهي: الاعتراف بدولة إسرائيل؛ وضع حدّ نهائي للعمليات الإرهابية؛ الموافقة على جميع الاتفاقات الموقّعة بين منظمة التحرير وإسرائيل”.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الفلسطينية: أسئلة وعقبات (1/2)
أمّا المحلّل السياسي أهارون بوكسرمان، فقد قدّر في مقال له بعنوان: “هل يكون التحدّي الذي يمثّله مروان البرغوثي في صالح حماس؟”، نُشر في 6 نيسان الجاري، أنّ التغيير الذي طرأ على القانون الانتخابي يمكنه أن يقلّص حظوظ حركة حماس. ففي انتخابات 2006، تنافس مرشّحو حركة فتح في ما بينهم في الدوائر الانتخابية، بينما كان الانضباط تاماً بين مرشحي حركة حماس في هذه الدوائر. ومع أن هذه الأخيرة “قد تفوّقت على فتح بـ 3% فقط من مجمل الأصوات الشعبية، فهي تمكّنت من أن تنتزع 74 مقعداً من أصل 132 في المجلس التشريعي في مقابل 45 مقعداً لحركة فتح”. وأشار إلى أنّه “سيصوّت الفلسطينيون في الانتخابات القادمة على أساس نظام التمثيل النسبي الكامل لقوائم على المستوى الوطني”، وليس كما في الماضي على أساس نظام مختلط من الدوائر الانتخابية والتمثيل النسبي، وهو “ما لن يكون في صالح حركة حماس التي لن تحصل وفقاً للتقديرات على أغلبية مطلقة في المجلس التشريعي الجديد”.
في الجزء الثاني غداً: ما هو مصير الانتخابات في القدس المحتلة
*المصدر: مدوّنة فلسطين الميدان وهي مدونة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وتعنى بمقالات ومواضيع عن فلسطين، والصراع العربي الإسرائيلي، والتطورات الإقليمية والدولية التي تؤثر على فلسطين بالاضافة إلى انتاجات المؤسسة البحثية.