يكفي أن يكون وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هايل، في آخر أيامه في منصبه الدبلوماسي، لكي يكون لجولته اللبنانية طابع مختلف. هذا لا يعني أنّ المواقف التي أطلقها الدبلوماسي المحنّك لا تعبّر عن موقف بلاده وإدارتها الجديدة، لكنّ الرجل بدا أكثر تحرّراً في التوسع في آرائه في الجلسات المغلقة التي جمعته مع القوى اللبنانية.
هكذا جال هايل وصال في قراءاته الدبلوماسية أمام مضيفيه، شارحاً رؤية بلاده ومقاربتها للملفّات الدولية الأساسية، قبل أن يحطّ برحال الحديث عن الصحراء السياسية اللبنانية.
ويتردّد أنّ هايل قال على نحو واضح إنّ “اهتمامات الإدارة الجديدة تتركّز على ملف جائحة كورونا من باب مواجهتها صحّياً واجتماعياً، والأهم اقتصادياً، وهو الملف الذي يستحوذ على اهتمام الإدارة، ليكون من بعده ملف العلاقة مع الصين. وتأتي البقية في المراتب الأخرى، بما في ذلك ملفّ المفاوضات الإيرانية”. وهذا يثبت أنّ الملفّ اللبناني غير موجود أصلاً على طاولة الإدارة الأميركية، ولو من باب “حزب الله”، وربطاً بملف التفاوض مع إيران.
هكذا جال هايل وصال في قراءاته الدبلوماسية أمام مضيفيه، شارحاً رؤية بلاده ومقاربتها للملفّات الدولية الأساسية، قبل أن يحطّ برحال الحديث عن الصحراء السياسية اللبنانية
ولعلّ هذا الترتيب هو الذي يفسّر ما أشار إليه هايل في حديثه مع مضيفيه من اللبنانيين، الذين أكّد لهم أنّ إدارته غير مستعجلة لتحقيق تفاهم مع إيران، سواء في ما خصّ الاتفاق النووي، أو ملفات المنطقة ربطاً بالنفوذ الإيراني، ولفت إلى أنّ إيران بدورها غير مستعجلة لتسريع وتيرة المفاوضات، الأمر الذي يجعل روزنامة المفاوضات الأميركية – الإيرانية معقّدةً جدّاً، وقد لا تحقّق نتائج في الوقت القريب. وهذا كلامٌ استشفّ منه اللبنانيون أنّ الرهان على هذه المفاوضات لن يؤدّي إلّا إلى مزيد من الخراب والانهيار إذا لم تسارع القوى المعنيّة إلى تأليف حكومة إنقاذية.
ولأنّ هذه المفاوضات تحتاج إلى الكثير من الأخذ والردّ، وبالتالي الوقت، أشار الدبلوماسي الأميركي إلى أنّ الملف السوري، بشقّه السياسي، لم يقترب بعد من التفاهمات النهائية. وتتعدّد الروايات المنقولة عن هايل. فالبعض يقول إنّ وكيل وزارة الخارجية الأميركية قال إن بلاده لا تمانع الجلوس إلى طاولة التفاوض مع المسؤولين الروس للاتّفاق على مستقبل سوريا السياسي، فيما البعض الآخر يقول إنّه سمع منه أنّ واشنطن متفاهمة بالخطوط العريضة مع موسكو على مستقبل سوريا.
لعلّ هذا الترتيب هو الذي يفسّر ما أشار إليه هايل في حديثه مع مضيفيه من اللبنانيين، الذين أكّد لهم أنّ إدارته غير مستعجلة لتحقيق تفاهم مع إيران
ووفق من التقوا الدبلوماسي الأميركي، احتلّ ملف ترسيم الحدود اللبنانية من الجهة الجنوبية سلّم أولويات جولته في بيروت، خصوصاً بعد إعداد المرسوم التعديلي للمرسوم 6433، الذي يتردّد أنّ هايل سمع من رئيس الجمهورية ميشال عون تفسيراته القانونية للحاجة إلى انعقاد مجلس الوزراء لإقراره.
في الموضوع الحكومي، بدا هايل واضحاً في تحديد موقف بلاده من هذه المسألة: هو لن يمارس أيّ ضغط، بل سيدفع في اتجاه تأليف حكومة تحاكي متطلّبات المجتمع الدولي، ولا سيّما في الشقّ الإصلاحي، لكي تتمكّن من فكّ عزلة البلاد المالية. وهذا ما يفسّر النبرة الاستيعابية في مواقفه العلنية التي قال فيها: “لطالما طالبنا قادة لبنان بإبداء مرونة كافية لتشكيل حكومة مستعدّة وقادرة على العمل على عكس مسار الانهيار الجاري. لقد حان الوقت الآن لتشكيل حكومة لا عرقلة تأليفها. الآن هو وقت الإصلاح الشامل. فأميركا والمجتمع الدولي على استعداد للمساعدة. لكن لا يمكن المساعدة من دون الشريك اللبناني”.
إقرأ أيضاً: هايل “يفرمل” التسرّع اللبناني: لا تنتظروا مفاوضاتنا مع إيران
ولفت، في لقاءاته، إلى أنّ الحاجة ضرورية إلى تأليف حكومة في وقت سريع لوقف الانهيار، لكنّه، في المقابل، قال إنّ نتيجة اجتماعاته مع بعض المعنيين لا تدعوه إلى التفاؤل بإمكان ولادة الحكومة في وقت قريب. ومع ذلك، أكّد أمام من التقاهم أنّ الفريق العونيّ أشار إلى أنّ الأبواب ليست مقفلة إقفالاً تامّاً أمام التفاهم مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لتأليف حكومة.
أكثر من ذلك، يذهب بعض المتابعين إلى حدّ الجزم أنّ الفريق العوني أبلغ عواصم القرار موافقته على تأليف حكومة من 24 وزيراً، لا ثلث معطِّلاً فيها. وكلّ ما سنشهده في المرحلة المقبلة هو شدّ حبال لتحسين الوضع في ما خصّ طبيعة الحقائب والأسماء.