“لا يقف البطريرك الماروني بشارة الراعي ضد خيار إجراء انتخابات نيابية مُبكِرة، لكنّه يرى أنّ حصولها تعترضه صعوبةٌ كبيرة، ولذلك لا يرفعها شعاراً ليدغدغ الشارع فحسب”. هذا ما تؤكّده مصادر بكركي في وقت يشي تراكم الأحداث، بكل سلبيّاته ومخاطره، بأنّ العلاجات التقليدية للأزمة القائمة، حتّى مع ولادة حكومة جديدة، لم تعد تنفع.
لكن ماذا لو قاد مسار الأحداث إلى الفوضى الكاملة مقدّماً خيار الانتخابات المبكرة على غيره من الخيارات بضغط من المجتمع الدولي؟ وواقع الفوضى هذه بات من السهل تلمّسه، إن في الصياغات الضعيفة والهزيلة للحلول، أو في مشاهد الذلّ والفوضى أمام محطات البنزين والأفران والمصارف والسوبرماركت، وفي انكسار هيبة الدولة، وعبر تحوّل مرافق عامة إلى ما يشبه سوق خضر، كذلك في بروز الأمن الذاتي، والتوجّه نحو فلتان مجتمعي، وفي فقدان الثقة التامّ بمؤسسات الدولة، وتحوّل المصارف إلى “وحش” ابتلع أموال اللبنانيين، وليس أخيراً ارتفاع منسوب الجرائم في كلّ المناطق…
تجزم مرجعية بارزة معنيّة بتطوّرات الأزمة لـ”أساس” أنّ “الفوضى لا تؤدّي إلى الديموقراطية، بل إلى العسكريتاريا، وتجعل الانتخابات المبكرة أصعب بكثير. حتّى الانتخابات العامّة في أيار العام المقبل قد تصبح غير مضمونة”.
لا يقف البطريرك الماروني بشارة الراعي ضد خيار إجراء انتخابات نيابية مُبكِرة، لكنّه يرى أنّ حصولها تعترضه صعوبةٌ كبيرة، ولذلك لا يرفعها شعاراً ليدغدغ الشارع فحسب
يتقدّم رئيس حزب القوات سمير جعجع سَرب المطالبين بالانتخابات النيابية المبكرة التي تبدو غير واردة لدى فريق العهد والتيار الوطني الحرّ. إذ يعتبر جعجع أنّ الانتخابات المبكرة ستفرز أكثرية جديدة تكسر موازين القوى الحالية “الطابشة” لمصلحة حزب الله وحلفائه، وعلى رأسهم جبران باسيل، وتوسّع من حجم كتلته النيابية و”تزمّ” كتلة العهد في أشهره الأخيرة. وبالتأكيد سيكون هذا المجلس هو الذي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل.
وبعيداً من التبريرات الشعبوية التي تعطيها القوات للانتخابات المبكرة، تبقى هذه الانتخابات أحد الأسلحة الأكثر إزعاجاً وإحراجاً للتيار الوطني الحرّ. والدليل “هَرَبُ” التيار من الانتخابات الفرعية التي تشمل سبع دوائر لعشرة مقاعد شاغرة، من ضمنها مقاعد تعود لثمانية نواب مسيحيين، تمثّل 12.5% من نسبة المقاعد المسيحية الـ64، ويؤدّي شغورها إلى تناقص نصاب الأكثرية الموصوفة في مجلس النواب. وهي ورقة ضغط يستخدمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بتأكيد كثيرين، في المواجهة مع العونيين من ضمن الكباش العلني بين الطرفين. ويضاهي “لغم” تعديل قانون الانتخاب، الذي أُقرّ سنة 2017، لغم الانتخابات نفسها، مع مطالبة قوى سياسية مؤثّرة بتعديله بعد “شيطنته” في الانتخابات السابقة. والحقّ أنّ القانون يتطلّب تعديلات تقنية حكماً كتضمّنه نصّاً يرتبط بتحديد ستة مقاعد نيابية للّبنانيين في الاغتراب يُنتخبون في الدورة اللاحقة، الأمر الذي لم تصدر إجراءاته التنفيذية حتى الآن.
وفيما تجزم مصادر مسيحية معارِضة للعهد أنّ “إجراء الانتخابات النيابية اليوم “سينفّس” الحالة الباسيلية والعونية بسبب التراجع الملحوظ في شعبية التيار”، تعكس الأرقام واقعاً يشير إلى أنّ الأحزاب جميعها ستتهيّب لحظة فتح صناديق الاقتراع، إن في انتخابات مبكرة أم فرعية أم في موعدها في أيار 2022.
شمس الدين: مقاطعة شعبية؟
يقول الباحث والخبير الانتخابي محمد شمس الدين لـ”أساس”: “حصل التيار الوطني الحر في انتخابات 2018 على 180 ألف صوت، بينما نالت القوات 150 ألف صوت، والكتائب حازت 32 ألف صوت، وتيار المردة 27 ألف صوت. والكلام الآن عن تراجع قوة التيّار صحيحٌ، لكن لا يقتصر الأمر على التيار فقط، بل ينطبق على كل الأحزاب، ولا سيّما المسيحية منها. لكنّ التيار سيواجه تحدّياً كبيراً في كسروان وجبيل تحديداً”.
ويضيف شمس الدين: “تمكّن حزب الله وحده من الحفاظ على شعبيته، إذ نال 330 ألف صوت، ولا مؤشرات ملموسة إلى تراجع في رصيد أصوات قاعدته أو قاعدة الثنائي الشيعي. أمّا تيار المستقبل فقد سجّل تراجعاً في انتخابات 2018، ولا يزال يحتفظ بقدرته الانتخابية مع عدم تبلور شخصية أو حزب سياسي يحلّ محله”، مشيراً إلى أنّ “الناس الذين تخلّوا عن الأحزاب لم ينتقلوا إلى أحزاب أخرى، بل هم في حالة رفض ومقاطعة سيؤدّيان إلى تراجع في نسبة الاقتراع من 49.7% في الانتخابات الماضية إلى أقلّ من 40%. ويبقى أن صناديق الاقتراع هي التي ستحسم الأحجام”.
الكلام الآن عن تراجع قوة التيّار صحيحٌ، لكن لا يقتصر الأمر على التيار فقط، بل ينطبق على كل الأحزاب، ولا سيّما المسيحية منها
وللمرّة الأولى منذ التسعينيّات، قد تقود الانتخابات العامّة إلى مشهد مختلف عمّا كانت تفرزه كلّ الانتخابات السابقة، قبل الوصاية السورية وبعدها. فلا يقف الأمر عند “الحالة الانتقالية” التي قد تشهدها بعض الأحزاب بفعل تحوّلات ستطول رأس هرمها لاعتبارات متفاوتة، ولا حراك الشارع الذي قد يجد كتلةً ممثّلةً له في مجلس النواب الجديد يقول خبراء إنّها قد تزداد بمعدل خمسة نواب من خارج الإطار التابع أو الحزبي، بل قد تحدث تطوّرات حاسمة سياسية وأمنية قبل موعد الانتخابات في أيار 2022، تجعل البلد مفتوحاً على كلّ الاحتمالات.
إقرأ أيضاً: لا فرعية ولا مبكّرة.. الانتخابات في موعدها “مخوطرة”
وفيما تقرّ معظم الأحزاب أنّ الانتخابات المقبلة لن يتوافر فيها المال الانتخابي بالقدر الذي وَسَم كلّ الاستحقاقات السابقة، بدا واضحاً “استثمار” هذه الأحزاب، حتّى بعض الشخصيات المستقلة، في “المتوافر” من عدّة الشغل لاستمالة الناخبين الناقمين بسبب الأزمة المالية وشحّ الدولار الطازج، وعلى رأس اللائحة الاستثمار السياسي والطائفي والحزبي والمناطقي في لقاحات كورونا، وفي تقديم كراتين المساعدات الغذائية، وصولاً إلى العمل على إيجاد الأسرّة في المستشفيات لضحايا كورونا أو توفير خطّ عسكري لخدمات “إكسترا” في المصارف في ظل الـ”هيركات” على الودائع…