بحثاً عن “فدائي” يوقّع مرسوم “شبعا البحرية”

مدة القراءة 7 د

حتّى الآن، لا تزال سياسة التمييع وتقاذف المسؤوليات بين رئاسة الحكومة والوزارات المعنية، وتحديداً وزراتيْ الدفاع والأشغال العامة، هي التي تتحكّم بملفّ تعديل مرسوم الحدود البحرية 6433 بغية إعادة تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية. وها نحن نبحث عن “مجنون” يوقّع مرسوم الـ2290 كيلومتر مربّع، كي يبدأ دورته “البيروقراطية، لنصل إلى “ربط نزاع” مع العدوّ الإسرائيلي.

درست قيادة الجيش لسنوات المعطيات والوقائع الجغرافية والبحثية قبل التوصل إلى حقيقة علمية تفيد بأنّ للبنان 2290 كلم مربّعاً، من ضمنها الـ860 كلم مربّعاً التي كان يطالب بها (الخّط 23). ولكي يتمكّن من الجلوس إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي من موقع قويّ، فلا بدّ له من تعديل مرسوم الحدود البحرية وإيداعه الأمم المتحدة لكي يفرض واقعاً جديداً على العدو يسمح له باستعادة حقوقه البحرية، التي لا تقدّر فقط بمنطق السيادة الوطنية، بل بعشرات مليارات الدولارات لأنّها غنيّةً بالغاز.

وفق المعنيّين بهذا الملفّ، يسمح توقيعُ المرسوم التعديليّ وإيداعُه الأمم المتحدة، للبنان بتحقيق أكثر من هدف غير قابلة للتعويض:

أولاً: التطوّر سيجبر العدوّ الإسرائيلي على العودة سريعاً إلى طاولة المفاوضات لأنّ هذا المرسوم يتيح للبنان منع الشركة اليونانية (إنيرجين) من بدء الحفر تحت طائلة مقاضاتها، الأمر الذي يجبر إسرائيل على العودة سريعاً إلى المفاوضات لتسريعها وإنهائها بما يتيح للشركة العمل من جديد في حقل كاريش الذي يقع جزء منه ضمن الخط 29. خطّ تقول الخرائط التي عمل عليها الجيش إنّه ضمن الحدود البحرية اللبنانية. وكذلك لكي تستطيع إسرائيل الاستفادة من إنتاج الغاز من هذا الحقل لتوليد الطاقة الكهربائية التي تنتظرها بفارغ الصبر، ولكسر احتكار شركة “شفرون” التي تنتج الغاز من حقلي تمار ولفيثيان الإسرائيليين وتبيعه لشركة الكهرباء الإسرائيلية بأسعار مرتفعة.

ثانياً: يفتح هذا التطوّر الباب على حلّ النزاع الحدوديّ بين لبنان وإسرائيل. فبدونه لا يمكننا دفع إسرائيل للعودة أبداً إلى طاولة المفاوضات والبحث عن حلّ نهائي. خصوصاً إذا بدأت الحفر في حقل كاريش الحدودي، تمهيداً لاستخراج الغاز، فحينئذٍ لن تكون مهتمة بالتفاهم مع لبنان على الحدود طالما بدأت تحقّق مصالحها النفطية.

ثالثاً: تخلّي لبنان عن هذا الحقّ الموثّق يعرِّض ثروته النفطية الموجودة في البلوك 9، للضياع. المفارقة أنّ التقديرات الأوّليّة تشير إلى أنّ ثروة لبنان البحرية الكبيرة موجودة في هذا المربّع وفي الآبار الحدودية. مربّع يمتدّ إلى ما بعد الخطّ 23، أي خارج المنطقة التي كان يُدّعى سابقاً أنّها محطّ نزاع، أي منطقة الـ860 كلم مربع “والتي كاد البعض أن يقبل بها”. وبالتالي سيتحوّل المربّع إلى بئر متنازع عليه، ما قد يدفع شركة “توتال” إلى الامتناع عن بدء الحفر فيه. وهي تعرف جيداً أنّه غني بالغاز، وتقدر ثروته بمليارات الدولارات التي يحتاجها الشعب اللبناني لتكون جزءًا يُساعد على حلّ أزمته الاقتصادية، كما يقول معنيون.

وفق المعنيّين بهذا الملفّ، يسمح توقيعُ المرسوم التعديليّ وإيداعُه الأمم المتحدة، للبنان بتحقيق أكثر من هدف غير قابلة للتعويض

في المقابل، فإنّ مسارعة لبنان إلى “حجز” حقوقه من خلال تعديل المرسوم الحدودي وإيداعه الأمم المتحدة، يعني انطلاق المفاوضات بدءاً بالخطّ 29، ويمكن حينئذ التوصّل إلى تفاهم مع إسرائيل يحمي البئر الحدودية الموجودة في البلوك 9. أمّا انطلاق المفاوضات من الخطّ 23 فسيؤدي حتما الى الحصول على أقل من 860 كلم مربع وفقاً لمبدأ التفاوض.

أما القول إنّه لا يجوز للبنان التخلي عن أي مساحة يتم توثيقها في الأمم المتحدة أي بعد تعديل المرسوم وإيداع الخط 29، فهو كلامٌ منافٍ لتجارب الدول. فعندما تفاوض على حدودكَ البحرية تُطالب بالحدّ الأقصى ومن ثم يتم التوصل إلى حلّ عادل ومنصف وفقاً للمادة 74 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وهذا أيضاً عُرفٌ متّبعٌ في كافة النزاعات الحدودية البحرية التي حُلّت بالتفاوض أو عبر التحكيم القضائي. وعكس ذلك يعني حكماً التراجع عن الخطّ 23. ولهذه الأسباب كيف يُعقل أن لا نعدل المرسوم 6433 وأن نقبل بالتفاوض على أساس الخطّ 23 بدلا من الخط 29؟

المفارقة تنبع من كون القوى السياسية المعنيّة تتقاذف مسؤولية رفع المرسوم وتوقيعه، متناسية أنّها قضية وطنية سيادية تسمح بتجاوز الشكليّات والتفاصيل القانونية الممكن معالجتها فيما لو صفت النيّات والإرادات، الأمر الذي يدفع إلى الشكّ في خلفيّات المعنيّين، الذين يتبارزون في لعبة “هات ورقة وخود ورقة”، فيما تضيع ثروة لبنان النفطية أمام عيونهم من دون أن يرفّ لهم جفن.

في آخر معطيات هذا الملفّ، تبيّن أنّ وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر أعادت من جديد الكتاب، الذي أعدّته قيادة الجيش، إلى رئاسة الحكومة متسلّحة باستشارة هيئة القضايا والاستشارات، مشيرة إلى أنّ المرسوم 6433 صدر بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح رئيس الحكومة ووزير الأشغال العامّة والنقل، ولتعديل المرسوم لا بدّ من أخذ توجيهات رئيس الحكومة في هذا الصدد قبل السير بهذا المشروع، لافتة إلى أنّ توقيع وزيرة الدفاع على مشروع المرسوم التعديليّ يرتبط بلوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمنطقة البحرية اللبنانية، التي أعدّتها قيادة الجيش، وبالمادّة 15 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983 المعدّل. علماً أنّ استشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، التي أوصت بهذا التوقيع، هي غير ملزمة لوزارة الدفاع الوطني. ووفقاً للمعطيات فإنّ وزيرة الدفاع ستقوم بالتوقيع على تعديل المرسوم بعد إطلاق وزير الأشغال العامة والنقل لاقتراح التعديل كما نصّت عليه الاستشارة المذكورة أعلاه.

القول إنّه لا يجوز للبنان التخلي عن أي مساحة يتم توثيقها في الأمم المتحدة أي بعد تعديل المرسوم وإيداع الخط 29، هو كلامٌ منافٍ لتجارب الدول

بناءً عليه، تقول معلومات خاصّة بـ”أساس” إنّ رئاسة الحكومة، عبر الأمانة العامة، سارعت إلى الردّ على وزيرة الدفاع، مشيرة إلى أنّه “لا يمكن لوزارة الدفاع الوطني أن تطرح الموضوع وترسل ملفّه غير المستكمل وترفق به مرسوماً غير موقّع، ثم تطلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء أن يستكمله الوزراء المختصّون، بل يجب عليها البدء باستكمال الملفّ والانتهاء بتوقيع مرسومه، ثمّ ترسل الملفّ المكتمل إلى مقام مجلس الوزراء لإجراء المقتضى بشأنه وفقاً للأصول”.

وختمت الأمانة العامة كتابها بوجوب “إعادة ملفّ المعاملة للاستكمال (استطلاع رأي الوزارات والإدارات المعنيّة) ليصار في النتيجة إلى تزويد الأمانة العامة لمجلس الوزراء بملفّ مكتمل مرفق به مشروع المرسوم موقّعاً من قبل السيدة وزيرة الدفاع الوطني والسيد وزير الأشغال العامة والنقل”.

وعليه، لا يزال المرسوم يدور في حلقة مفرغة بحثاً عن “متطوّع” يوقّعه بداية قبل أن يسلك مساره القانونيّ.

إقرأ أيضاً: ترسيم الحدود على “نار حامية”.. واتصالات “توسّل” من سياسيين لبنانيين إلى واشنطن!

لكن لماذا التهرّب من هذا “الإنجاز الوطني”؟ ربما خوفاً من عقوبات أميركية على من سيعطّل المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. ولأنّ من “كاد يوافق” بحسب المصادر أعلاه، في الحقيقة يستعجل توقيع الاتفاق ليبدأ لبنان في الاستفادة من نفطه لعلّه يخرج من بعض أزماته المالية. لكنّ “العقوبات” حتّى الآن  يبدو أنّها هي التي تردع المطلوبة تواقيعهم.

ولأنّ مساحة 2290، التي ولدت من رحم مساحة الـ860، مرشّحة لتكون “شبعا بحرية”، تعطّل استخراج نفط لبنان، وتحاول تعطيل استخراج نفط إسرائيل. وربما تكون حجّة جديدة يستخدمها حزب الله للإبقاء على سلاحه، بهدف “حماية” الحدود البحرية، ومقام النفط اللبناني. في حين تقول المصادر المعنية إنّ هذا الاحتمال لا يفترض أن يمنعنا من المطالبة بحقوقنا النفطية ولا أن نسلّمها إلى العدوّ.

وقد علم “أساس” أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب دعا إلى اجتماع سيعقد اليوم الخميس في السراي بمشاركة وزيريْ الدفاع والأشغال لبحث هذا الموضوع.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…