دعوتنا إلى الهجرة “إذا مش عاجبنا”.. ثم اعترفت أنّ الـ”مش عاجبنا” هو المسار الأكيد صوب جهنّم.. ثم أصابك الندم، أو هكذا بدا.. فقلتَ: “ليتك ورثت بستان جدّك ولم تصبح رئيساً”.. الإنكار ثمّ الاعتراف ثمّ الندم.. ولكن هل يكفي الندم؟
قبلكَ حين أخذنا حسن نصرالله إلى حرب تموز، طالعنا بنسخته الخاصّة من الندم بعنوان: “لو كنتُ أعلم”! الأرجح أنّه لم يكن يعلم، أو الأدقّ أنّه لم يقدّر حجم ردّ الفعل الإسرائيلي كما تكشف لنا طيّات كتاب جديد “لأراش عزيزي” عن قاسم سليماني. لم تكن حرباً استباقية كما يحلو لحزب الله أن يروّج، بل خطأٌ استراتيجيٌّ مميتٌ فرض القرار 1701 وأدخل الجيش اللبناني إلى الجنوب وأحال حزب الله على التقاعد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية حيث بات الجنوب اللبناني أكثر البقع أمناً وأماناً لإسرائيل..
في الكتاب تفاصيل مثيرة عن حجم الانهيار الذي كان يعانيه نصرالله في الأيام الأولى لحرب تموز، الأمر الذي استدعى قدوم سليماني لقيادة الحرب ميدانيّاً. ويروي الكتاب دقائق الرحلة الخطرة التي قادت سليماني برفقة عماد مغنية من سوريا إلى الضاحية!
لو كنتُ أعلم! مرةً أخرى: هل يكفي الندم؟
قبلكَ حين أخذنا حسن نصرالله إلى حرب تموز، طالعنا بنسخته الخاصّة من الندم بعنوان: “لو كنتُ أعلم”! الأرجح أنّه لم يكن يعلم، أو الأدقّ أنّه لم يقدّر حجم ردّ الفعل الإسرائيلي
الاعتراف بالخطأ فضيلة، بشرط التوبة لا بغرض التهيّؤ لخطيئة أخرى. هذا في الأديان وعلومها، ولله شأن المسامحة والغفران.
أمّا على الأرض فالاعتراف بالخطأ فضيلة بشرط المحاسبة.
اللبنانيّون يا فخامة الرئيس ليسوا فئران مختبرات. التجارب عليهم وبهم لها تبعات مباشرة ومستقبلية تطول أجيالاً بأكملها.
يكفي أن تعلم أعداد الذين يوافقونكَ الرأي وتجتمع كلمتهم على مقولتكَ: “ليتكَ اهتممت ببستان جدّكَ”، لتدرك حجم الانهيار الذي يميّز عهدكَ وسمعتكَ وسيرتكَ.
ويكفي أن يصيخ نصرالله السمع لِما حوله ليسمع أنين الجوع وفحيح الرعب من المستقبل.
لا أيّها السادة. لا يكفي الندم الذي تفوح منه روائح النفاق السياسي، وطلب المغفرة للاستمرار في سدّة ارتكاب المعاصي.
من لم يكن يعلم فليترك المجال أمام من يعلم.. ومن يقرّ أنّ البستنة هي أكثر ما يناسب مؤهّلاته فليترك الرئاسة لمن يمتلكون مواصفات الإدارة الرشيدة والحكم بالعدل بين الناس..
يكفي أن تعلم أعداد الذين يوافقونكَ الرأي وتجتمع كلمتهم على مقولتكَ: “ليتكَ اهتممت ببستان جدّكَ”، لتدرك حجم الانهيار الذي يميّز عهدكَ وسمعتكَ وسيرتكَ
لماذا يحكمنا من لا يعلم ومن لا يجيد؟ لماذا يقرّر مستقبلنا مَنْ أخطاؤه بحجم حرب تمّوز وانهيار الجمهورية؟
تستمرّ الدول بواحد من أمرين أو بالأمرين معاً: إمّا حكم القانون والمحاسبة وإمّا الشرعية المستمدّة من خارج الدساتير، أكانت شرعية ثورية أم دينية أم عرقية! في لبنان سقطت دولة القانون والمحاسبة. القتلة يتجوّلون بيننا. والسارقون على “عينك يا تاجر”. وما كانت أصلاً لهذه السلطة شرعيةٌ سماويةٌ أو ثوريةٌ.. وبعض شرعيّتها المذهبية يتآكل بسرعات قياسية لأنّ الجوع عابر للطوائف!
“بلاها” حيلة الندم للاستمرار في الركوب على ظهور الناس. قبلكما لم تترك “14 آذار” مناسبةً إلا وأقدمت على ما تسمّيه مكاشفات ومصارحات، ما كان لها هدف إلا “تشريج” بطّاريات الزعامات من “شواحن” الناس، والاحتفاظ بالمشروعية الشعبية التي ما صُرفت يوماً إلا تسويات مبتورة أقرب إلى الاستسلام منها إلى أيّ شيء آخر.
“بلاها”… صدقاً “بلاها”..
الندم وحده لا ينفع.. فنحن لسنا آلهة تمتلك صكوك الغفران، بل أصحاب حقوق ومعتدىً علينا وعلى أرزاقنا وأولادنا وعلى تعب عمرنا في المصارف، ولا قدرة لنا على المسامحة قبل أن ترحلوا..
إقرأ أيضاً: سائق الجمهوريّة
لم يتأخّر الوقت يا فخامة الرئيس.. البستان لم يهرب.. وقد مُنَّ عليك بنعمة أن لا تضطر إلى بيع ما ورثتَ لسدّ رمق أو تدريس ولد أو شراء دواء.
لم يتأخّر الوقت لتعود إلى البستان وتتركنا وشأننا نحاول أن نسقي جذع الوطن اليابس علّ الحياة تعود إليه.
إذهب اليوم إلى البستان، رئيساً سابقاً يحتفظ بما بقي من ماء وجه وكرامة شخصية وفتات سمعة لأحفادك..
لقد ذكرتَ جدّكَ بالخير.. دع لأحفادكَ شيئاً يذكرونك به بالخير..
أمّا مَن لم يكن يعلم فلا أمل في مخاطبته أصلاً..