الانتخابات الفرعيّة: الكرة صارت “رسميّاً” في قصر بعبدا

مدة القراءة 5 د

الأكيد أنّ رئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب ليس في أحسن أحواله. ظنّ لوهلةٍ من الزمن أنّ حكومته حاجة ماسّة للقوى المفترض أنّها داعمةٌ لها ومنحتها ثقتها، أي قوى 8 آذار، وستوفّر لها كلّ السند الذي ستحتاج إليه لوقف الانهيار الذي كان في بداياته مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019. راهن على خطّة إنقاذية، استعان بخبرات عالمية لوضعها على الورق. لكنّه كان يحتاج إلى عناية إلهيّة لنقلها إلى مرحلة التطبيق. وإذا بداعميه ينقلبون عليه ويدفّعونه ثمن إصراره على تنفيذ تلك الخطة. فانفرط عقد الحكومة وأحيلت إلى التقاعد المبكر بعد تخلّي “أولياء أمرها” القانونيّين والسياسيّين عنها.

وهو واحد من رزمة أسباب تحول دون قبول دياب بتوسيع حدود تصريف الأعمال، بحجّة الضرورة التي قد تبيح المحظور، ويكتفي بما ينصّ عليه الدستور، ويعدّ الساعات التي تقرّبه من لحظة خروجه نهائياً من السراي الحكومي. لكن الحظّ لا يحالفه. كثرة التعقيدات والخلافات ترفع رصيد ساعات التأليف وأيّامه، واستطراداً من زمن تصريف الأعمال، ومعه التحدّيات والملفّات العالقة في الوسط.

وكانت الانتخابات الفرعية آخر تلك التحدّيات. فقد شغرت عشرة مقاعد بفعل الاستقالة أو الوفاة، تسعة منها لنوّاب مسيحيّين، فيما يبدي رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي حماسة استثنائية لخوض الاستحقاق من دون أيّ تأخير، دافعاً باتجاه تسطير مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لوضع رئاسة الجمهورية أمام واقعين أحلاهما مرّ: إمّا مخالفة الدستور وضرب شعار حماية حقوق المسيحيّين من خلال الامتناع عن توقيع الموافقة الاستثنائية على الإجراءات العملانية التي تفرضها الانتخابات، وإمّا السير بالاستحقاق وإخضاع التيار الوطني الحرّ لاختبار صناديق الاقتراع في ثلاث دوائر تُعدّ عقر داره: المتن، دائرة بيروت الأولى وكسروان.

يبدي رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي حماسة استثنائية لخوض الاستحقاق من دون أيّ تأخير، دافعاً باتجاه تسطير مرسوم دعوة الهيئات الناخبة

حتّى الآن، لا يزال مبهماً جوابُ الرئاسة الأولى الرسميُّ على هذا التحدّي، ولو أنّ بعض الخبراء الانتخابيّين ممن استطلعوا رأي التيار الوطني الحرّ في هذا الاستحقاق، يعتبرون أنّ الرئاسة الأولى غير متحمّسة كثيراً لهذا الاستحقاق وتفضّل تأجيله.

تضمّ الخطوات الرسمية، التي وُثِّقت في هذا السياق، الكتابَ الذي أعدّه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي لدعوة الهيئات الناخبة وأودعه الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 12 آذار. ثمّ راسلت الأمانة العامة لمجلس الوزراء كلّاً من الوزارات المعنيّة بالاستحقاق لاستطلاع رأيها، وهي: الصحّة، الدفاع، المالية، والتربية.

وزارة المال كانت أول من ردّ على كتاب الأمين العام القاضي محمود مكيّة، إذ أرسل “وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني إلى رئاسة مجلس الوزراء، مشروع مرسوم يتعلّق بنقل اعتماد من احتياطي الموازنة لعام 2021، إلى وزارة الداخلية والبلديات – الدوائر الإداريّة، لإجراء الانتخابات النيابية الفرعية عن المقاعد النيابيّة العشرة الّتي شغرت بسبب الاستقالة والوفاة”.

وتلتها وزارة الصحّة، التي طلبت التزام الضوابط اللوجستية والسلوك الوقائي من الوباء وتطبيق إجراءات السلامة كاستعمال المناطق المفتوحة وتوفير حبر فردي، مشيرة إلى أنّ للجهة المنفذّة. تقدّر إمكان التقيّد بهذه الإجراءات التي من دونها يوجد خطر حقيقي بتفشّي الوباء. وأبلغت وزارة الدفاع المعنيّين جهوزيّة الجيش العملانيّة لتوفير أمن العملية وسلامتها. أمّا وزارة التربية فغائبة عن السمع.. وعن الوعي!

رئاسة الجمهورية أمام واقعين أحلاهما مرّ: إمّا مخالفة الدستور وضرب شعار حماية حقوق المسيحيّين من خلال الامتناع عن توقيع الموافقة الاستثنائية على الإجراءات العملانية التي تفرضها الانتخابات، وإمّا السير بالاستحقاق وإخضاع التيار الوطني الحرّ لاختبار صناديق الاقتراع

ولأنّ العملية الانتخابية تستدعي، إلى جانب مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، موافقةً استثنائيةً من جانب رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على الخطوات العملانية، وجّهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ أيام قليلة، كتاباً خطّيّاً إلى قصر بعبدا أشارت فيه إلى آراء الوزارات المعنية (جرى إهمال رأي وزارة التربية)، وأكّدت موافقة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على طلب وزارة الداخلية إجراء الانتخابات الفرعية، مقترحةً ثلاثة مواعيد لإجرائها: 23 أيّار المقبل، 30 أيار، و6 حزيران. وتنسحب هذه الموافقة على مشروع مرسوم نقل الاعتماد اللازم من احتياطي الموازنة، والتدابير المتعلقة بإجراء الانتخابات والواردة في كتاب وزارة الداخلية، من تكليف موظفين، وصرف تعويضات وبدلات أتعاب وتوفير المطبوعات والقرطاسية ووضع العناصر الأمنية اللازمة بتصرف وزير الداخلية، إضافة إلى الموافقة الاستثنائية على تحديد تعويضات هيئة الإشراف على الانتخابات.

إقرأ أيضاً: الانتخابات الفرعية: معارك مسيحية – مسيحية على النار!

واستناداً إلى ما سبق، صارت الكرة رسمياً في ملعب رئيس الجمهورية. فهل يضمّ موافقته الاستثنائية إلى موافقة حسان دياب ليُصار إلى إصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل شهر من موعدها أم يوضع الكتاب إلى جانب “زملائه” في الدرج؟!

مواضيع ذات صلة

السّعوديّة: لدولة فلسطينيّة… لا تحتاج موافقة إسرائيلية

الصراعات لا تنتهي، وتحديداً في الشرق الأوسط. هذه معادلة خبرتها كلّ الدول والقوى والأمم على مرّ التاريخ. لذا لا بدّ من العمل على كيفية إدارتها…

جـردة حـسـاب

بين مقعده، وصورة “كاريزمية” للراحل حسن نصرالله وعلَمَي الحزب ولبنان، “يحشر” نفسه الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم في إطار تلفزيوني وأجندة إيرانية وثقل تركة…

هوكستين عائد بعد الانتخابات: التسوية تنتظر الرئيس الجديد

واشنطن   ليست سهلة الانتخابات التي تخوضها الإدارة الديمقراطية. فهي تنافس الحزب الجمهوري على “المنخار” بحسب التعبير اللبناني. كثيرة هي التناقضات التي أصابت جمهور الحزب…

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…