شكّل قانون استعادة الأموال المنهوبة واحداً من رزمة القوانين التي اشترط رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إقرارها في معرض المقايضة ضمن ملفّ الحكومة، ومن الخيارات التي وضعها أمام الرئيس المكلّف سعد الحريري. أمّا باقي الخطوات فتشمل إقرار قانون “الكابيتول كونترول” وقانون كشف حسابات وأملاك القائمين بخدمة عامة، وإعطاء “أمر المباشرة” لشركة Alvarez and Marsal للبدء بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان بالتوازي مع عملية التدقيق في كل الوزارات والإدارات والمجالس.
واشترط باسيل إقرار هذه الرزمة لمنح الثقة للحكومة المقبلة “من دون أي مطلب يتعلق بتشكيلها”، كما قال، باستثناء حلّ مشكلة “الشق الدستوري والميثاقي” في تأليف الحكومة الآيل أصلاً إلى مزيدٍ من التأزّم بلغ حدّ إعلان رئيس الجمهورية “عرضاً” للحريري بـ”الاعتذار”.
هو مسارٌ طويل من شدّ الحبال بين الفريق العونيّ والرئيس المكلّف انتهى بمبارزة كلامية في الأيام الماضية عقّدت الأمور ورسّخت واقع صعوبة التعايش بين فريقين لم يعد يجمعهما سوى التكليف العالق في خرم التسوية المفقودة والعلاقة المستحيلة بين سعد وجبران في وقت يبدو البلد برمّته رهينة هذا الصراع الذي يتداخل فيه الشخصيّ بالسياسيّ.
ينقل العارفون نيّةَ النائب باسيل “التخلّص” من بعض النواب الذي باتوا يغرّدون خارج سربه، تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة. لكنّ هؤلاء النواب باتوا يشكّلون حيثيات وحالات مؤثرة في مناطقهم بمعزل عن الثوب الحزبي للتيار الوطني الحرّ
لم يعد هذا المسار يحظى بتغطية شاملة من الفريق الداعم للعهد ويتقدّمه بعض نواب التيار الوطني الحر، الذين باتوا يشكّلون، لأسبابٍ سياسية مرتبطة بتأليف الحكومة وأداء باسيل والوضع الكارثي الذي آل اليه العهد وأخرى تنظيمية داخل التيار نفسه، “حالةً خاصةً” ضمن الفريق الواحد لم تعد تتآلف مع المسار الذي يفرضه باسيل في إدارة أزمات العهد والملفات السياسية والاقتصادية.
وقد أظهر هذا الخلافَ غيابُ بعض نواب التيار عن الاجتماع الأخير الذي عقده المجلس السياسي للتيار إلكترونياً. مع العلم أنّ البيان الصادر عن الاجتماع تضمّن مواقف تصعيدية بوجه الرئيس المكلّف و”حركته الاستعراضية” في قصر بعبدا مع اتهامه بالسعي للحصول على النصف زائداً واحداً “لمنع الإصلاحات داخل الحكومة”، وذلك ضمن سياق الردّ على اتهام الرئيس المكلّف عونَ وباسيلَ بأنّهما طالبا بالثلث المعطّل.
عملياً باتت اجتماعات “المجلس” الإلكترونية تعبّر عن عصف الأفكار الباسيليّة من دون نقاش مع أهل البيت داخل التيار، وأحياناً يُفاجأ عدد من التياريّين من أعضاء المجلس السياسي بصدور بيانٍ عن المجلس من دون أن تكون قد وُجّهت دعوة إليهم، فيصدر البيان من دون اجتماع!
وفي الآونة الأخيرة قاطع عددٌ من نواب التيار هذه الاجتماعات التي كانت تحصل عبر تقنية “زوم”، اعتراضاً على مضمون النقاشات والقرارات المتّخذة والهيمنة الكاملة لرأي باسيل على المجموعة.
لم يعد سرّاً أنّ بعض النواب المعارضين من داخل التيار تحاشى أخيراً الظهور الإعلامي على الشاشات بسبب عدم القدرة على الدفاع عن وجهة نظر رئيس التيار الوطني الحرّ أو وجهة نظر رئيس الجمهورية، خصوصاً في ملف تأليف الحكومة.
وفق مطّلعين، صار الكباش بين هؤلاء النواب وباسيل أكبر من إمكان ضبطه أو إخفائه. وآخر مظاهره الخلاف بين الطرفين على حضور جلسة مجلس النواب التي شهدت إقرار قانون قرض البنك الدولي للأسر الأكثر فقراً، حيث جعل باسيل إدراج بند سلفة الكهرباء وقانون استعادة الأموال المنهوبة على جدول الأعمال شرطاً لحضور نواب تكتل لبنان القوي الجلسة. وقد حصل تجاذب كبير حيال هذا الموضوع قاد باسيل إلى “ترك الحرية لنوّابه” في حضور الجلسة، ليتبيّن لاحقاً حضور العدد الأكبر من نواب التكتل في مقابل مقاطعة النواب الذين يدورون في فلك الولاء الأعمى لباسيل.
وغالباً ما تصدر بيانات تخفّف من وهج مواقف باسيل الشخصية، التي يطلقها خلال مؤتمراته الصحافية، عن اجتماعات تكتل لبنان القوي التي يحرص نواب “المعارضة” على حضورها “تصويباً للنقاش وللأداء”، كما تقول أوساط هؤلاء، ، في حين أنّ بيانات المجلس السياسي، الذي يتألف من نواب ووزراء التيار الحاليين والسابقين وكوادر قيادية تتّصف بسقفها العالي، تعكس بالكامل “نَفَس” رئيس التيار.
في الآونة الأخيرة قاطع عددٌ من نواب التيار هذه الاجتماعات التي كانت تحصل عبر تقنية “زوم”، اعتراضاً على مضمون النقاشات والقرارات المتّخذة والهيمنة الكاملة لرأي باسيل على المجموعة
وينقل العارفون نيّةَ النائب باسيل “التخلّص” من بعض النواب الذي باتوا يغرّدون خارج سربه، تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة. لكنّ هؤلاء النواب باتوا يشكّلون حيثيات وحالات مؤثرة في مناطقهم بمعزل عن الثوب الحزبي للتيار الوطني الحرّ.
ويعترف متابعون بأنّ “تنظيم باسيل عدّة الشغل الخاصة به للمرحلة المقبلة سيواجه عقبة إزاحة بعض هؤلاء النواب، وهو قرار يعود إلى ميشال عون وحده الذي ليس في وارد اتخاذه حالياً”.
وفق المعلومات أيضاً، سيحاذر هؤلاء النواب المعارضون بقّ البحصة طالما لا يزال عون رئيساً للجمهورية، على الرغم من مآخذهم الكبيرة على باسيل وعدم قدرتهم على التماهي مع خطابه وسلوكياته، ويعتبرون أن المرحلة مصيرية إلى حدّ عدم تحمّل ترف النقاشات البيزنطية في الحقوق والميثاق.
وقد أصبح الجفاء واضحاً بين الطرفين إلى حدّ تسليم كثيرين بأنّ مروحة التحالفات التي نسجها باسيل في الانتخابات الماضية لن تتكرّر لا مع الحلفاء ولا مع بعض نواب تياره. وكان النائب شامل روكز أوّل الخارجين من التكتل العوني، وبالطبع لن يكون الأخير.
في سياق التمايز الواضح داخل الفريق العوني، تبرز السياسة المستجدة لمحطة “otv” المحسوبة على العهد والتي فتحت أبوابها لأشرس الأصوات المعارضة لباسيل وعون تحت عنوان “التنوّع وجذب عدد أكبر من المشاهدين من كلّ الاتجاهات السياسية”. لكنّ العارفين ببواطن الأمور يجزمون أنّ رئيس مجلس إدارة المحطة روي الهاشم، المنطلق من كون المحطة لا تتلقّى أيّ تمويل حزبي من التيار الوطني الحر، خرج كلّياً من العباءة الحزبية والعائلية اعتراضاً على نهج باسيل، وغالباً ما أصبحت الشكاوى من تصريحات “ضيوفه” في المحطة من دون “أي رقابة” محطّ نقاش ساخن جدّاً في ميرنا الشالوحي والقصر الجمهوري.
إقرأ أيضاً: نحن الضفادع… الهانئين في ماء يغلي؟
لكن ماذا عن ميراي عون، عقيلة روي الهاشم وابنة رئيس الجمهورية التي لم تصمد طويلاً في موقعها إلى جانبه مستشارةً أولى؟
يجيب العارفون: “ليس من نشاط معارض أو غير معارض لميراي عون، فأخلاقها أكبر بكثير من خيبتها، مع علمها أن الخصم الأول للعهد هو من أهل البيت”.