يتسرّب خبر عن توجّه وليد جنبلاط إلى بعبدا يوم السبت 20 آذار. إنّها المفاجأة. لا بدّ أنّ أمراً استدعى تغييراً في السلوك. كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي قد تلقّى دعوتين لزيارة القصر، فاختار التوقيت الذي رآه مناسباً، مبلغاً دوائر القصر بأنّه جاهز لتلبية الدعوة بعد ظهر ذلك اليوم، وسيكون وحده من دون أي مرافق.
تشبه هذه الزيارة يوم قرّر التوجّه إلى بيت الوسط سرّاً ذات يوم ثلاثاء عند السادسة مساءً. يومئذٍ اتّصل بالرئيس سعد الحريري وقال له: “جايي لعندك”. وركب سيارته وتوجّه ليسأله عن آخر تطوّرات الملف الحكومي، وماذا يفكر أن يفعل.
غالباً ما يلجأ جنبلاط إلى هذا السلوك وشعاره جملة أساسية قالها كمال جنبلاط: “علّمتني الحقيقة أن أرى جمال التسوية”. هكذا يعود في مثل تلك المحطات السياسية العصيبة إلى كتاب كمال جنبلاط: “ربع قرن من النضال”، وتحديداً في مقدمته حيث تحدّث عن تجارب متعدّدة خبِرَها في المعارك السياسية والعسكرية، وعن عِبَر استخلصها منها.
استخدام جنبلاط كلمة “التسوية” التي استخدمتها أيضاً السفيرة الأميركية، بعد ظهور مؤشّرات إلى تعاطٍ أميركي واقعي مع تشكيل الحكومة بحيث يكون حزب الله ممثَّلاً فيها تمثيلاً غير مباشر
لا يفارق “البيك” انتماؤه إلى “آل جنبلاط” الذي يحتّم عليه نبذ الجمود والتحرّك والمبادرة دوماً. وقد جاءت خطوة جنبلاط بعد جملة تطوّرات:
أوّلاً: موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي كان تصعيدياً إلى حدّ بعيد.
ثانياً: الالتفاف على أيّ محاولة لتفعيل حكومة تصريف الأعمال.
ثالثاً: الخوف من توتّرات أمنية نتيجة الخلاف السياسي.
رابعاً: حماسة جنبلاط للمبادرة الفرنسية ومواكبته للتحرك الفرنسي من أجل تحقيق خرق في جدار الأزمة.
خامساً: حركة ديبلوماسية من سفراء سعوا وراء حلّ أو بحثاً عن فرض عقوبات وضغوط جديدة.
سادساً: استخدام جنبلاط كلمة “التسوية” التي استخدمتها أيضاً السفيرة الأميركية، بعد ظهور مؤشّرات إلى تعاطٍ أميركي واقعي مع تشكيل الحكومة بحيث يكون حزب الله ممثَّلاً فيها تمثيلاً غير مباشر.
وكان جنبلاط اقترح، في لقائه مع عون، حكومة من 24 وزيراً، مرضياً بذلك عون لجهة توسيع الحكومة، لكن بدون ثلث معطل، مع الإبقاء على الاتفاق الدرزي الدرزي وتمثيل طلال أرسلان. وقال لعون في ذلك اللقاء إنّه لا يمكن استبدال سعد الحريري، ولا بدّ من التعاطي معه بواقعية. واستغرب عون إصرار الحريري على عدم لقاء رئيس الكتلة النيابية الكبرى جبران باسيل. واستناداً إلى ما دعا إليه المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، بنى جنبلاط موقفه من القصر الجمهوري. وكما طلب جنبلاط من عون التعاطي بواقعية مع الحريري، طلب الأمر نفسه أيضاً، لعدم تكرار ما حصل مع إميل لحود الذي خيضت معركة شرسة ضدّه، ثم اضطرّ الجميع إلى الذهاب إليه في بعبدا من أجل الاستشارات النيابية. وهذا الكلام قاله الوزير السابق غازي العريضي على شاشة mtv قبل يومين، في ظهور بعد طول غياب.
بعد لقاء بعبدا، كان يفترض برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أن يتوجه إلى بيت الوسط عند السادسة مساءً، لكن الحريري كان قد انفعل غاضباً، ظنّاً منه أنّ جنبلاط قد انقلب عليه، فرفض جنبلاط زيارة الحريري شخصياً، وأرسل إليه الوزيرين غازي العرضي ووائل أبو فاعور.
أبدى الرئيس المكلّف عتباً على جنبلاط، لكن قيل له إنّه “لا يمكن لجنبلاط رفض دعوة رئيس الجمهورية في حين أنّك لبّيتها وذكرت أنّك توجهت إلى بعبدا بعد كلمة عون لتخفيف الاصطدام، فلماذا تريد لجنبلاط أن يبقى في حالة صدام معه؟”. وطرح الوزيران عرض جنبلاط، فقال الحريري إنه سيفكر فيه طالباً أن يبقى طيّ الكتمان. لكنّ الوزيرين أبلغا الحريري أنّه لا يمكن إخفاء الأمر عن الرئيس نبيه برّي. وقد توجّها من بيت الوسط إلى عين التينة حيث أبلغا برّي العرض، فرحّب بالخطوة، مبدياً استعداده للمساعدة في سبيل إنجاحها.
بعد لقاء بعبدا، كان يفترض برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أن يتوجه إلى بيت الوسط عند السادسة مساءً، لكن الحريري كان قد انفعل غاضباً، ظنّاً منه أنّ جنبلاط قد انقلب عليه، فرفض جنبلاط زيارة الحريري شخصياً، وأرسل إليه الوزيرين غازي العرضي ووائل أبو فاعور
الحركة الديبلوماسية بدأت بلقاءات بين عون وسفراء الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، حاول رئيس الجمهورية من خلالها تبرير عدم موافقته على تكليف الحريري، والسعي للاتفاق على تكليف رئيس حكومة آخر. في موازاة هذه الحركة، كان برّي وجنبلاط يعملان على دعم تكليف الحريري. وقد تكثّفت الضغوط الديبلوماسية ووصلت إلى حدّ التلويح بفرض عقوبات أوروبية خليجية مشتركة، وبحثت في سيناريوهات متعدّدة للتعامل مع لبنان في حال حصول فراغ شامل أو اعتذار الحريري أو تشكيل الحكومة.
مبادرة السعودية في اليمن، مشروع حرب داِئم واستمرارالاحتلال وجرائم حرب وليست انهاء للحرب
المبادرة الحقيقيه يعني:
وقف الحرب بشكل كامل
رفع الحصاربشكل كامل
انهاء الاحتلال السعودي وسحب قواته العسكرية وعدم دعم المرتزقة والتكفيريين بالمال والاسلحة
وحوارسياسي بين اليمنيين دون أي تدخلات خارجية— Hasan Irlu (@HasanIrlu1) March 23, 2021
على وقع هذه الحركة الديبلوماسية، التقى الحريري وبرّي ظهر يوم الخميس الفائت. وافق الرئيس المكلف في عين التينة ما تريّث عنه أمام الوزيرين الجنبلاطيين: حكومة من 24 وزيراً، يكون رئيس الحكومة ونائبه بلا حقائب، فيما تتوزّع 22 حقيبة على وزراء اختصاصيين. وهذا ما كان أبلغه الحريري إلى السفيرة الأميركية خلال لقائها قبل زيارته عين التينة، معلناً أنّه منفتح على أيّ خيار حكومي باستثناء الثلث المعطل.
عقب ذلك اللقاء مساء اليوم نفسه، اتصل المعاون السياسي للرئيس نبيه بري علي حسن خليل بغازي العريضي وأبلغه بما طُرح في أثناء اللقاء، واتّفقا على ترتيب اجتماع بين خليل وجنبلاط في المختارة يوم السبت لاستكمال البحث والتفاهم.
لم يكن برّي في وارد تحريك المبادرة قبل تحقّق أمرين اثنين:
الأول: أن يتحرك حزب الله باتجاهه بعد الاختلاف الذي حصل على خلفية تشكيل الحكومة وتفعيل حكومة تصريف الأعمال والدعوة إلى حكومة تكنوسياسية.
الثاني: أن يتحرك الحزب باتجاه عون لإقناعه بالموافقة على هذه الصيغة. عندئذ يطلق بري مبادرته. لكنّ عون اختار التصعيد من خلال الكلام الذي أطلقه في جريدة “الجمهورية”، حيث استغرب عدم موافقة الحريري على التفاوض مع باسيل والاجتماع معه. فقال الحريري تعليقاً على هذا الكلام: “وصلت الرسالة”. وقد عنى الحريري بقوله هذا إنّ المطلوب منه عقد لقاء مع جبران باسيل لفتح بازار التفاوض من جديد على الحكومة وما بعدها، فيما هو لا يزال يرفض رفضاً قاطعاً أيّ تفاوض من هذا النوع.
وتتحدث المعلومات عن أن الضغوط الأوروبية مستمرة إلى ما بعد الاجتماع الأوروبي الأميركي، الذي أثار خلاله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ملف لبنان، وأجرى بعده سلسلة اتصالات بهدف الضغط على اللبنانيين لتشكيل حكومة، محذّراً من اللجوء إلى خيار فرض العقوبات الأوروبية.
إقرأ أيضاً: 10 أسباب: لماذا ترك جنبلاط ضفّة النهر؟
وسطاء جدد دخلوا على خط عقد لقاء بين الحريري وباسيل، لكن لا مؤشرات توحي باحتمال حصول توافق، وتبقى الأسباب الداخلية تفاصيل في مسألة تشكيل الحكومة، ولا سيما في هذا التوقيت. فالضغط يهدف إلى تحضير الأرضية إلى أن يحين موعد التسوية، خصوصاً أنّ إيران لا تريد التفريط بأيّ ورقة حالياً، وتصعّد في كل المنطقة، خصوصاً في اليمن، رفضاً للمبادرة السعودية. وما لم يكن باسيل هو المعرقل، فسيكون معرقلون آخرون إلى أن يتبلور اتفاق إقليمي أو تنتهي انتخابات إيران وتبدأ المفاوضات.
تنتهج ال US وفرنسا و السعودية سياسة عدم وجود حكومة قوية والإنقسام وإضعاف المقاومة،وهي الوجه الثاني من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني و إضعاف لبنان.لاشك في أن مثلث المقاومة والجيش والحكومة اللبنانية هو الرابح الرئيسي.تدعم إيران بقوة أمن لبنان واستقراره واقتصاده الديناميكي. pic.twitter.com/ife0qB7s2E
— H.amirabdollahian اميرعبداللهيان (@Amirabdolahian) March 25, 2021