لا يزال الوجه المُكفهّرّ المستطيرُ غضبًا لرئيس مجلس النّواب نبيه برّي مطبوعًا في ذاكرتي: العينان المُلوّنتان اللّتان ملأهما التّشاؤم من مجيء ميشال عون لسدّة الرّئاسة الأولى. يومها قُلتُ في سرّي: ما بال الرّئيس برّي لا يريد أن يسيرَ مع الجميع؟ حتّى اكتشفتُ اليوم أنّ البصيرة الحقيقيّة هي تلك التي يملكُها أبو مصطفى في سِرّه.
“الأستاذ” يعرفُ ميشال عون جيّدًا. منذ ما قبل الطّائف يرى في داخله شيئًا واحدًا فقط: “كُرسيّ بعبدا ولا شيء غيرها”. بصيرة برّّي عبّر عمّا في داخلها أمام عون لمّا قال له قبل انتخابه: أنا لا أنتخب رئيسين”. فسأل عون: “مين رئيسين؟”. فأجابه برّي :” أنت وجبران”.
يومها قُلتُ في سرّي: ما بال الرّئيس برّي لا يريد أن يسيرَ مع الجميع؟ حتّى اكتشفتُ اليوم أنّ البصيرة الحقيقيّة هي تلك التي يملكُها أبو مصطفى في سِرّه
عرِفَ برّي حقّ المعرفة أنّ عون الذي عاد من باريس في السّابع من أيّار 2005 كان قد أدخَل Update على شخصيته عنوانها: “أنا وجبران ومن بعدنا الطّوفان”. وتأكّد من تنزيل هذا التّحديث بعد الجلسات الطّويلة التي كانوا يعقدونها أثناء وجودهم في خندقٍ واحد أيّام مُعارضة حكومة فؤاد السّنيورة وفي مؤتمر الدّوحة وما تبعه من حكومات عطّل عون تشكيلها كرمى لعيون “صهر الجنرال”.
الصّهر هذا الذي وصفه برّي بأنّه “يُبرغث” في الجنوب أثناء الانتخابات النيابية، رُبّما لَمَح “أبو مصطفى” في داخله شرّا وحقداً دفيناً فكاد أن يقولها: “ويلٌ للنّاس منه”. أثبتت الأيّام منذ دخول عون وصهره وثلّة المُستشارين قصر بعبدا أنّ الشّيب الذي غزا رأس برّي لم يُخطئ في تقدير للأمور. وكذلك خبرته في “خبز وعجن” جميع من هم في السّلطة ليسَ منذ عام 1992، بل منذ كان رئيسًا لحركة أمل في عزّ الحروب الأهلية.
إقرأ أيضاً: خطاب “السيّد”: 3 رسائل إلى برّي
أدرك الجميع خطأهم بل “خطيئتهم” التي ارتكبوها يوم 31 تشرين الأوّل 2016، إن تحت عنوان “أوعا خيّك” أو “التسوية الرّئاسيّة”. فالوحيد الذي له أن يقول لنا اليوم وهو يضحك ملء فيه: “شفتو؟ قلتلكم”، هو نبيه برّي، ويُمناه التي أسقطت في صندوق الانتخاب الرّئاسي ورقةً بيضاء رفعت المسؤوليّة عن كاهل “سيّد المجلس”…
والسّلام على يمينه يوم اقترعت الورقة البيضاء وعلى لسانه الذي قال لعون مصحّحًا استفتاحيّة أخطائه أثناء أدائه القسم الدّستوري: “أحلف بالله العظيم”…