(فورين بوليسي)
تُعتبر حملة القمع التي تشنّها الصين ضد الأويغور والأقليات العرقية الأخرى في شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة، وحشية حتى بمعايير أسوأ الأنظمة الاستبدادية. مارست سياسات بكين منذ عام 2017 الاعتقال الجماعي لما يُقدّر بمليون فرد من الأقليات العرقيّة، وفرضت المراقبة، والعمل القسري، وأجبرت النساء على الإجهاض والتعقيم (منع الحمل) القسريّيْن، والتزويج القسري، ما وضع المرأة الأويغورية في صلب مواجهة أبشع أنواع الاضطهاد في التاريخ الحديث.
لكنّ النساء أيضًا قاتلن من أجل حرية الأويغور. تتحدث المزيد من الأويغوريات الناجيات والمحاميات والصحافيات عن هذه التجارب، برغم تهديدات أمن الدولة الصينيّة ضدّهن وضد عائلاتهنّ في شينجيانغ.
ووصف وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو، معاملة الصين للأويغور بأنها “إبادة جَماعية”. فيما تقول الصين إنّ حملتها هي “دفاع شرعي ضدّ الإرهاب والنزعة الانفصالية، بعد نوبات عنف متفرقة هزت البلاد.”
تكثر التقارير عن حالات الزواج القسري بين نساء الأقليات ورجال من سلالة الـ”هان” الحاكمة، من خلال صفقات زواج مقابل إطلاق سراح أخ أو أب، وبرنامج “الاقتران وتكوين عائلة”، والذي شهد انتقال أكثر من مليون مسؤول من الـ”هان” إلى أسر الأقليات
في العام الماضي، وجد الباحث أدريان زانز أنّ الصين ضخّت 37 مليون دولار في برامج “التعقيم القسري وزرع اللولب”، فانخفضت الولادات بنسبة 24? في عام 2019 في شينجيانغ مقارنة بـ4.2? على الصعيد الوطني.
وفي العام الماضي، سنّت الولايات المتحدة قانونًا يعاقب المسؤولين الصينيين المسؤولين عن سياسات شينجيانغ، وتحركت لحظر واردات القطن والطماطم، التي يُعتقد بأنها تنطوي على تعقيم قسري. وأدانت مجموعة من 39 دولة، بقيادة ألمانيا، في تشرين الأوّل 2020، بكين، بسبب سياساتها في شينجيانغ، من دون اتخاذ تدابير ملموسة بعد. وتدعو الجماعات الحقوقية إلى مقاطعة أولمبياد بكين 2022 لاعتبارات عدة، من بينها معاملة الصين للأويغور.
كانت غولروي أصقر تعمل كمعلمة في ممفيس بولاية تينيسي في خريف عام 2016، عندما تلقّت أخبارًا عن احتجاز أفراد من عائلتها في شينجيانغ. في تشرين الثاني من ذلك العام، أرسلت ما يعادل 10 آلاف دولار أميركي كانت قد اقترضتها من ابن أخيها إكرام يار محمد، الذي يعيش في أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، للمساعدة في سداد الرهن العقاري لعائلتها في الولايات المتحدة. بعد فترة وجيزة من تأكيد محمد حصوله على المال، يقال إنه اعتُقل لإجراء تحقيق ثم اعتُقل شقيقه بهرام أيضًا، وشقيق زوجها في الوقت نفسه تقريبًا. والدتها، التي ظلت على اتصال بها عبر سكايب وتطبيق ، أصرت على التزام الصمت حتى لا تزيد الأمور سوءًا.
لكنّ أصقر فقدت الاتصال بوالدتها في نيسان 2018. وتم اعتقال شقيقها الأكبر، وهو لغوي مشهور، في كانون الثاني 2019. وبعد شهور من عدم تمكّنها الاتصال بأسرتها، أضافها أحد الأقرباء على WeChat لنقل رسالة واحدة موجزة: “لقد رحل كل رجل في العائلة”.
في كانون الثاني 2018، نشرت غولشهرا هوجا، الصحافية في “راديو آسيا الحرّة”، أوّل مقابلة مع أموربك إلي، أحد الناجين من المخيم. لقد كانت تلك لحظة فاصلة في رواية شينجيانغ، حين أثبتت ما كان حتى ذلك الحين في الأساس، شكوكًا حول سياسات بكين. لكنها كانت باهظة الكلفة.
ففي اليوم الذي نُشرت فيه المقابلة، فقدت هوجا الاتصال بجميع أفراد عائلتها في شينجيانغ.
في وقت لاحق، اكتشفت الصحافية أنّ بعض زملائها في “راديو آسيا الحرّة” لديهم أيضًا أقرباء محتجزون في المعسكرات، لكنهم التزموا الصمت، فأصبح واضحًا لهوجا أنّ الصمت لم يعد خيارًا بعد الآن.
في تموز 2018، أدلت بشهادتها أمام الكونغرس، وضربت مثالًا لغيرها من الأويغور، الذين بدأت قصصهم تتدفق في الأشهر التالية. حاليًّا، يُسمح لها بالتحدث إلى والدتها من حين لآخر، لكن يجب على الأم إخطار شرطة شينجيانغ في كل مرة تتلقى مكالمة من ابنتها.
حصلت هوجا على جائزة الشجاعة في الصحافة من المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة في أيار 2020.
إحدى الناجيات وتدعى صوفيا (اسم مستعار)، واجهت صعوبة في التحدث والنظر في أعين الناس، بعد أسبوع من إطلاق صراخها، فلجأت إلى الرسم. تُظهر رسوماتها المروّعة بالقلم الرصاص، مشاهد من داخل المعسكرات: طوابير طويلة من المحتجزين المقيّدين يُخرجون في ساحة المخيم لرؤية الشمس، والنساء يستحمِمن في الحمّامات تحت كاميرات مراقبة، أو يخضعن لفحص جسدي أسبوعي، أو يتلقّين حقنًا مجهولة الهوية، على حد قول صوفيا، توقِف الدورة الشهرية.
وصف وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو، معاملة الصين للأويغور بأنها “إبادة جَماعية”. فيما تقول الصين إنّ حملتها هي دفاع شرعي ضدّ الإرهاب والنزعة الانفصالية، بعد نوبات عنف متفرقة هزت البلاد
في الصباح، يبدأ فحص الزنزانة حيث كان على النساء في العشرينيات من العمر، أن يهتفن للحراس “تحيا شينجيانغ”. بعد ذلك، تجلس النساء على حشايا متّسخة وظهورهنّ مستقيمة وأيديهنّ على الركب، لمدة ساعتين حتى بدء الدراسة. تدَرَّس المعتقلات لغة الماندرين الصينيّة بينما تخضع آخريات لتلقين في السياسة. تتكوّن الوجبات من كعك مطهوّ على البخار، وحساء خضروات يقدّم في أوعية بلاستيكية متّسخة. أظهرت صوفيا إيصالًا بقيمة 1800 يوان (حوالي 276 دولارًا)، وهو المبلغ المطلوب منها دفعه عند إطلاق سراحها مقابل التطعيم الذي كانت تناولته.
وقالت زمرة داوت، سيدة الأعمال الأويغورية التي أمضت شهرين داخل معسكر في أورومتشي في عام 2018، إنّ الضرب كان منتظمًا. وقد حدث الضرب إذا كان يُعتقد أن المعتقلات متديّنات، أو حتى إذا قامت إحداهنّ بعمل لطيف. ففي إحدى الأمسيات، شاركت داوت خبزها مع امرأة أكبر سنًّا قالت إنّها مريضة بالسكري ولا تحصل على ما يكفي من التطعم. فجأة، جاء حارسان وضربا داوت بشدة. دعت داوت إلى الله، فقال أحد الحراس: “إن كان الله الذي تدعينه عظيمًا فليخلّصك”. وروت داوت أنّ الحراس أعطوها دواءً له تأثير مهدّئ. قيل لها إنّها مصابة “بمرض من المستوى الأول”، أسموه بـ”الفيروس الديني“.
قبل الافراج عنها، أُجبرت داوت على الخضوع للتعقيم. وبحسب ما ورد قالت سلطات شينجيانغ إنّه لم يُسمح لها بإنجاب المزيد، لأنها أنجبت ثلاثة أطفال. لم تُجب الشرطة المحلية وأمن الدولة في أورومتشي على أسئلة “فورين بوليسي” المرسلة بالفاكس حول ادّعاءاتها.
لا يمكن التحقق من شهادات داوت وغيرها من الناجيات، لأنّ الصين تمنع الصحافيين والدبلوماسيين الأجانب من الوصول إلى المعسكرات. ومع ذلك، تتماشى قصص النساء مع شهادات أخرى ومع سياسات شينجيانغ التي تهدف إلى خفض معدلات المواليد، وتخليص الأقليات ممّا تسمّيه الصين “الفيروسات الأيديولوجية”.
كما تكثر التقارير عن حالات الزواج القسري بين نساء الأقليات ورجال من سلالة الـ”هان” الحاكمة، من خلال صفقات زواج مقابل إطلاق سراح أخ أو أب، وبرنامج “الاقتران وتكوين عائلة”، والذي شهد انتقال أكثر من مليون مسؤول من الـ”هان” إلى أسر الأقليات.
إذن وسط كل هذا القمع، من أين تستمد نساء شينجيانغ القوة؟
إقرأ أيضاً: أيزيديات اغتصبهنّ داعش: معضلة الأطفال… بين القتل والهجرة
ترى المحامية المقيمة في الولايات المتحدّة إكبار أسات الأمر، أنه مقارنة بالثقافات الأخرى ذات الغالبية المسلمة، لا يحتلّ الدين مكانةً بارزة في عائلات الأويغور الحضرية، ما يساعد على وضع النساء على قدم المساواة مع الرجال.
وتستنتج: “لقد كان للمرأة الأويغورية تاريخ مكانة مساوية للرجل. تولت أدوارًا قيادية في أماكن العمل. حتى في المنزل، كان للمرأة صوت دائمًا، إن لم يكن أقوى من صوت الرجل. وحرصت أمهات الأويغور على نقل هذه الثقافة إلى الجيل اللاحق “.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا