كانت الساعات الفاصلة عن الموعد المنتظر بين رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، وترتيبه الثامن عشر في روزنامة لقاءات التشاور بين الرجلين، كافيةً لكي يجزم المعنيّون بملفّ التأليف أنّ الحكومة لا تزال طبخة بحص. والمزيد من اللقاءات بين عون والحريري لن يقدّم أو يؤخّر طالما بقيت حسابات القوى الأساسيّة غير متطابقة أو متجانسة، وطالما حضرت الانتخابات الرئاسيّة في حسابات هذه القوى.
يخوض الفريق العونيّ الاستحقاق من منظار موقع رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” جبران باسيل المستقبليّ فيما لو قدّر لهذه الحكومة أن تملأ الشغور الرئاسيّ، إذ تجتاح أذهانَ الرجل شكوكٌ في عدم قدرته على الإمساك بالوزراء المفترض أنّهم يمثّلون الحصّة العونيّة، أسوةً بما حصل معه في حكومة حسان دياب التي يقول إنّ الوزراء المحسوبين عليه خرجوا من تحت عباءته. لذا يعمل على توفير ثلث معطّل مضمون في الجيبة، خصوصاً أنّه مقتنع أنّ دوافعه قد لا تتماشى مع دوافع حلفائه، فيما لو أراد استخدام هذا الثلث لنسف الحكومة وفرض استقالتها بعد الشغور الرئاسيّ، وتحديداً قد لا يجاريه “حزب الله”. لذا تراه يصرّ على الاحتفاظ بالثلث في جيبه مهما كلّف الأمر، ليجلس إلى طاولة الاستحقاق الرئاسيّ وفي يده ورقة قويّة تجعله قادراً على استعمال حق الفيتو على المرشّح الرئاسيّ على الأقل.
يخوض الفريق العونيّ الاستحقاق من منظار موقع رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” جبران باسيل المستقبليّ فيما لو قدّر لهذه الحكومة أن تملأ الشغور الرئاسيّ، إذ تجتاح أذهانَ الرجل شكوكٌ في عدم قدرته على الإمساك بالوزراء المفترض أنّهم يمثّلون الحصّة العونيّة
ويواجه باسيل، لهذا السبب نفسه، جبهةً من المعارضين الذين يسعون لانتزاع أي أوراق قويّة منه، وأولاها “الثلث المعطّل”، بالتوازي مع تحميل العهد مسؤوليّة الانهيار الماليّ والاقتصاديّ والنقديّ، ما يجعل باسيل آخر الموارنة المؤهّلين للجلوس على كرسي بعبدا، وأضعف صانع رئيس.
وبالتوازي لا تزال قدرة الحريري التأليفيّة موضعَ تشكيك. بل تكاد تجزم مصادر بارزة في قوى الثامن من آذار أنّ الرجل يستفيد من ممانعة الفريق العونيّ لكي يختبىء خلفها، وهو المتيقّن أنّ المملكة السعودية لن تعطيه موافقتها لأسباب تتّصل بالدرجة الأولى بمواجهتها إيرانَ و”حزب الله”… فيما الأخير لا يبدو مستعجلاً للدفع باتجاه التأليف ولو بلغ الوضع مراحلَ خطيرةً جداً.
وعلى هذا الأساس، يدرك المعنيّون أنّ تمريرة “حزب الله” سيستفيد منها طرفا النزاع:
– سيتعامل الحريري معها على أنّها حجر عثرة فيما لو كان يبحث عن سبب يعلّق عليه رفضه التأليف لمجاراة السعوديّة في مواجهتها. والعكس جائزٌ أيضاً لأنّ في إمكان الحريري التذرّع بهذا التصعيد من جانب “الحزب” للإسراع في تأليف حكومة اختصاصيّين لأنّها الأقلّ كلفةً بعد التفاهم مع رئيس الجمهورية عليها.
– أمّا باسيل فاستفاد من طرح “حزب الله” لتعزيز موقعه التفاوضيّ والتمسّك بالثلث المعطّل، والدليل هو ما أدلى به رئيس الحكومة المكلّف فور خروجه من اللقاء مع رئيس الجمهوريّة.
لا تزال قدرة الحريري التأليفيّة موضعَ تشكيك. بل تكاد تجزم مصادر بارزة في قوى الثامن من آذار أنّ الرجل يستفيد من ممانعة الفريق العونيّ لكي يختبىء خلفها، وهو المتيقّن أنّ المملكة السعودية لن تعطيه موافقتها
ولهذا كانت نتيجة اللقاء معروفةً سلفاً: سينتهي إلى “صفر”. لكنّ السؤال الذي شغل الأوساط خلال الساعات الأخيرة تمحور حول سيناريو “الخلاف” المفترض والجهة التي ستتحمّل مسؤوليّة إفشال “الخرطوشة الفارغة الأخيرة”.
إقرأ أيضاً: حين قال عون للحريري: “رئيس الوزراء السابق”
وفق المعلومات أرسلت رئاسة الجمهوريّة كتاباً بالسيناريوهات الثلاثة التي كشفها الحريري، بالطريقة الرسمية، وليس عبر صديق مشترك، لا بل أكثر من ذلك، وُجِّه الكتاب إلى “حضرة رئيس الحكومة السابق”، وليس “رئيس الحكومة المكلّف”، بشكل دفع البعض إلى الاعتقاد أنّه كان المقصود استفزاز الحريري وحمله على إلغاء الموعد المنتظر لإظهاره بمظهر المعرقل.
لكنّ رئيس الحكومة المكلّف حضر إلى بعبدا في الموعد المنتظر، وكاد يهمّ بالمغادرة بعد دقائق من وصوله، ليخرج ويطلع الرأي العام على ما وصله من رئاسة الجمهوريّة من “تشكيلة تتضمن ثلثاً معطّلاً لفريقه وطلب مني أن أعبّئها، وتتضمن الورقة ثلثاً معطّلاً لفريقه السياسيّ، بـ 18 وزيراً أو 20 أو 22. طلب مني فخامته اقتراح أسماء للحقائب حسب التوزيعة الطائفيّة والحزبيّة التي حضّرها هو”.
في المحصّلة، مشهد الحريري من على منبر بعبدا يتلو بيان “كسر الجرّة” مع الرئاسة الأولى، يزيد من القناعة بأنّ زمن التأليف لا يزال بعيداً جداً.