على مرأى من العالم دخل لبنان المرحلة الأولى من الفوضى العارمة. وليس هناك من قوّة الآن تقف في وجه المراحل التالية من الفوضى التي تعيد إلى الأذهان ما مرّ به العراق إثر الغزو الاميركي لأراضيه عام 2003. وفي حال لبنان اليوم، فإنّ ما يماثل الغزو الأميركي هو إمساك “حزب الله” بزمام الأمور مانعاً حلّ عقدة رئيس الجمهورية ميشال عون المتمثّلة بتوريث جبران باسيل الرئاسة الأولى.
هذه هي خلاصة تقرير غربي وصل إلى جهات سياسية في بيروت عقب اندلاع موجة الحرائق التي اجتاحت لبنان. وتعرض “أساس” أبرز ما ورد في هذا التقرير: “كان الكلام سابقاً على الفوضى التي قد يغرق فيها لبنان، لكنّ هذه الفوضى قد بدأت. إنّها المرحلة الأولى من الاضطراب ولا شيء يحول دون الذهاب إلى مراحل أخرى أشدّ وأدهى. المشكلة الفعلية في هذا البلد أنّ رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون يتصرّف وكأنّه يحتّل لبنان بدلاً من أن يكون مسؤولاً يمارس دوره الدستوري لإنقاذه. فهل يعقل أن يقول هذا المسؤول منذ سنة إنّه لن يرحل ولن تكون هناك حكومة؟ وهل يعقل أن يبقى هذا البلد منذ 20 شهراً من دون حكومة؟ حتى إنّ قائد الجيش الجنرال جوزف عون لم يعد قادراً على أن يضع لحماً في طعام العسكريين. وفي المرة المقبلة قد لا يتسنّى وضع الدجاج في طعام العسكريين، وقد تتطوّر الأمور فلا يكون في طعامهم حبوب فيصبح الطعام في النهاية مقتصراً على الخبز فقط!”.
ويتابع التقرير: “أخطر ما قد يقع في لبنان هو أن ينهار الجيش ومعه قوى الأمن، إذ إنّ الرواتب تتدهور سريعاً. وربما يضطر عسكريون للعودة إلى قراهم إذا لم يعودوا قادرين على الحصول على الطعام برواتبهم، فيمضون إلى الريف كي يحصلوا على القوت من الأرض وبواسطة الأهل”.
ليس هناك من قوّة الآن تقف في وجه المراحل التالية من الفوضى التي تعيد إلى الأذهان ما مرّ به العراق إثر الغزو الاميركي لأراضيه عام 2003
يضيف التقرير: “هناك حالة لم تلقَ مرّة اهتماماً وهي ما حلّ بالجيش العراقي بعد سقوط الرئيس صدام حسين. ففي الفترة التي فرض الغرب العقوبات على الرئيس العراقي الأسبق بعد غزوه دولة الكويت عام 1990، صار العراق بلداً معزولاً تقريباً. ولكي يستوعب النقمة الشعبية، خصّص صدام لكل أسرة عراقية بطريقة منظمة جداً صندوق إعاشة يتضمن مونة شهر بكامله، وفيه الصابون والرز والسكر والسمن وغيرها، موفّراً كل ما تحتاج إليه الأسرة من موادّ أساسيّة. وهكذا صار يصل صندوق الإعاشة إلى بيت كل عراقي في أول كل شهر. وقتذاك لم تكن للعراق مداخيل أو أموال، وكان الدينار قد انهار. غير أن الخوف من الجوع لم يساور العراقيين بفضل صناديق الإعاشة التي كانت تصل إلى منازلهم، سواء منازل أصحاب المراكز العليا أو من كانوا في المراكز الدنيا، فكان الجميع سواسية”.
لكن أحوال العراقيين تغيّرت عندما احتل الأميركيون بلدهم عام 2003، إذ لم يعد صندوق الإعاشة موجوداً. عندئذ بدأ العسكريون يفرّون من الخدمة، فتفكّك الجيش، الأمر الذي يعني أن الأميركيين لم يحلّوه، لكنّهم لم يدفعوا رواتب الجيش ولم ينتبهوا إلى ضرورة توزيع الإعاشات فكان مآله التفكّك”.
وسأل التقرير: “هل يدخل لبنان اليوم في حالة مماثلة لما جرى في العراق عام 2003؟”.
هناك حالة لم تلقَ مرّة اهتماماً وهي ما حلّ بالجيش العراقي بعد سقوط الرئيس صدام حسين. ففي الفترة التي فرض الغرب العقوبات على الرئيس العراقي الأسبق بعد غزوه دولة الكويت عام 1990، صار العراق بلداً معزولاً تقريباً
يرى التقرير أنّ “الرئيس عون يتصرّف وكأنّه الرجل نفسه الذي كان قائداً للجيش عام 1988، عندما شكّل حكومة عسكرية وقامت مقابلها حكومة مدنية ثانية، ودخل يومها لبنان فوضى التكسير والنهب. ويبدو أنّ الحلّ المطلوب هو ممارسة الضغط كي يرحل الرئيس عون عن القصر الجمهوري، لأنه لا حلّ ولا حكومة، والبلد لا يمكنه أن يقف على قدميه. في المقابل إذا أُسقط الرئيس عون، يجب معرفة من هو الرئيس المقبل. والمشكلة حالياً هي في السعي إلى أن يكون النائب جبران باسيل الرئيس المقبل على الرغم من كونه متّهماً بالفساد والرشوة. فكيف يمكن تسليم البلد له؟ إن مصدر هذه الاتهامات هو وزارة الخزانة الأميركية. ومعلومات الوزارة، التي أدت إلى توجيه هذه الاتهامات، أتت من لبنان. وقد تكون أتت من أناس عملوا مع باسيل، أي من المحيطين به. وعندما وصلت المستندات إلى واشنطن أصدرت وزارة الخزانة العقوبات بحقّ باسيل. ووزارة الخزانة ما كانت أصدرت تلك العقوبات ما لم تكن واثقة من أن هذه المستندات صحيحة، لأن أيّ دعوى من المتهم تُرفع ضدها في المحاكم الأميركية تؤدي إلى تغريمها ملايين الدولارات إذا كانت مخطئة. لذلك لن يجرؤ باسيل على رفع دعوى في أميركا ضد وزارة الخزانة لأن التهم الموجّهة إليه ثابتة في عشرات الملفات.
إذاً عندما تقول وزارة الخزانة الأميركية إن بحوزتها ملفات فساد تعود لباسيل، وهذه الملفات كبيرة جداً وتتصل بالعقود والرشى، فكيف يمكن للبنان عندئذ أن يتحمّل أن يكون المتّهم بهذه الملفّات هو من يدير حالياً قصر بعبدا وليس الرئيس عون؟”.
إقرأ أيضاً: تحقيق كندي: الأسد وموسكو أصحاب أمونيوم مرفأ بيروت
وخلص التقرير إلى القول: “إنّ مأساة لبنان اليوم تتمثل في كون رئيس الجمهورية لم يعد لديه سوى باسيل لكي يتّكل عليه في إدارة شؤون هذا البلد!”.
على صعيد متصل، أوعز “حزب الله” إلى أوساط إعلامية مقرّبة منه البدء بحملة دفاع عن رئيس الجمهورية في ظلّ الاتهامات الواسعة للأخير داخلياً وخارجياً بأنه المسؤول الأول عمّا آلت إليه أحوال لبنان. وفي هذه الحملة يؤكد الحزب أنّه “يرفض إسقاط الرئيس عون، وهو مستعدّ للقيام بما قام به لمنع إسقاط رئيس النظام السوري بشار الاسد”.
وفي معلومات “أساس” أن موقف “حزب الله” الداعم لرئيس الجمهورية أتى بعد وصول الدراجات النارية إلى قصر بعبدا احتجاجاً على الانهيار النقدي. وقد جاء هذا النوع من الاحتجاج تعبيراً عن جوع طال القاعدة الشعبية للثنائي الشيعي، وهذا ما بدأ يظهر في مدينتيْ صور والنبطية حيث اتسعت الانتفاضة فيهما، وقد بدأت تجتذب مزيداً من المنتفضين أكثر من المرات السابقة بعد 17 تشرين الأوّل 2019.