إيران وعقدة الدور الخليجي..

مدة القراءة 5 د

لم يكن الموقف السلبيّ للدول العربية، تحديدًا الخليجية، من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران والسداسيّة الدولية (5+1) بقيادة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في تموز 2015، آتيًا من فراغ، أو لمجرّد الرغبة لدى هذه الدول في إبقاء إيران ونظامها تحت سيف العقوبات والحصار السياسي والاقتصادي. بل نتيجة قراءة للمآلات والنتائج التي ستنتج عن هذا الاتفاق، والتأثيرات والتداعيات السلبية التي سيتركها على الإقليم سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، وهو الأمر الذي ظهر واضحًا ما بعد الاتفاق، وكيف تخلّت إدارة أوباما عن التزاماتها الشرق أوسطية، وتركت العنان للطموحات الإيراني بالسيطرة والتحكم بمقدرات المنطقة وتوسيع نفوذها، مستفيدة من قدراتها العسكرية ببرنامجها الصاروخي تارةً، وعبر حلفائها تارةً أخرى. وبالتالي أسّس لحالة الترحيب التي شهدتها مواقف هذه الدول بإدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، والسياسات التي اعتمدها في التعامل مع النظام الإيراني، وإعادة وضع البرنامج النووي إلى جانب البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي، على طاولة التفاوض والشروط القاسية والمقيّدة.

منذ إدراج الرئيس الأميركي الحالي جوزيف بايدن قضية العودة إلى الاتفاق النووي في حملته الانتخابية، سادت حالة من الحذر لدى الدول العربية الخليجية، من تداعيات هذه التوجهات الأميركية في حال وصل بايدن إلى البيت الابيض. وفي مقابل الارتياح الذي أبداه النظام في طهران، بدأت هذه الدول التفكير في الحدّ من الآثار السلبية لذلك، والسبل التي تكفل لهم عدم عودة المنطقة إلى ما قبل عام 2018 والتي شهدت إطلاق يد إيران على حساب دور وموقع الدول الأخرى.

لم يكن الموقف السلبيّ للدول العربية، تحديدًا الخليجية، من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران والسداسيّة الدولية (5+1) بقيادة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في تموز 2015، آتيًا من فراغ

اشترطت هذه الدول أن تكون جزءًا من الدول المشاركة في الاتفاق، لتكون شريكًا حقيقيًّا في رسم سياسات واستراتيجيات المنطقة، مع السداسية الدولية في مواجهة الطموحات الإيرانية. ورفض طهران بشكل قاطع أيّ تغيير في هيكلية النظام والدول المشاركة فيه، فضلًا عن رفضها إدخال تعديلات على مضمونه، أو إضافة مسائل أخرى إلى بنوده.

الرفض الإيراني يعود لاعتبارات إيرانية عدة لها علاقة بالاستراتيجية الإيرانية، ورؤيتها لموقعها ودورها ونفوذها، بالإضافة إلى موقفها من مساعي هذه الدول (الخليجية) وطموحها بأن تلعب دورًا إلى جانبها، أو الحصول على حصة من النفوذ الإقليمي على حسابها.

فالنظام الإيراني يرى أنّ مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في المفاوضات النووية، سيساهم في تشكيل تحالف إقليمي جديد في مواجهتها، وأنّ أيّ تنازل إيراني في هذا الإطار، سيعني تقديم هدية مجانية لهذه الدول، خصوصًا السعودية. وقد زاد تمسّك إيران بهذا الرفض، مع وصول بايدن إلى الرئاسة، وبعد انتهاء مرحلة الضغط القصوى التي مارستها إدارة ترمب من أجل الحصول على تنازل من النظام في طهران يحقق هذا المشاركة.

الرفض الإيراني يعود لاعتبارات إيرانية عدة لها علاقة بالاستراتيجية الإيرانية، ورؤيتها لموقعها ودورها ونفوذها، بالإضافة إلى موقفها من مساعي هذه الدول (الخليجية) وطموحها بأن تلعب دورًا إلى جانبها، أو الحصول على حصة من النفوذ الإقليمي على حسابها

وترى طهران أنّ أيّ تنازل في هذا السياق، يعني دخول المفاوضات النووية في مسارات جديدة تلبّي المطلب الأميركي، وأهداف هذه الدول في التفاوض على إعادة النظر في الاتفاق الموقّع، ما يشتّت التركيز والاهتمام الإيراني بإعادة تفعيل الاتفاق النووي الذي تتمسك به من دون إدخال تعديلات عليه. وفي حال تنازلها فهي ستكون أمام تحدّي مفاوضات جديدة على اتفاق جديد، قد لا تضمن الحصول منه على ما حققته في الاتفاق السابق، فضلًا عن أنّ موافقتها ستفسّر اعترافًا منها بأنّها مصدر تهديد لهذه الدول ولاستقرار المنطقة. وترى أنّ موافقتها على وضع هذه الملفات على طاولة التفاوض سيعني دخولها في نفق طويل من التجاذبات مع المجتمع الدولي، لإثبات حسن النوايا، في وقت تعتبر توقيعها على الاتفاق النووي والتزامها بالتعهدات التي جاءت فيه سابقًا، واستعدادها للعودة إلى هذه التعهدات بعد رفع العقوبات الأميركية، مرحلة قد تم تجاوزها والانتهاء منها، باعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إقرأ أيضاً: ماكرون عالق بين غضب طهران ومصالح الرياض

من جهة أخرى يرى النظام الإيراني أنّ التباينات والاختلافات القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي هي بمثابة نقطة إيجابية لصالحه سمحت له باللعب على هذه التباينات والاختلافات في التعامل مع هذه الدول. لذلك فإنّ أيّ تساهل في إمكان جلوس هذه الدول مجتمعةً تحت عنوان مجلس التعاون الخليجي، إلى طاولة مع السداسية الدولية، يعني قبوله بتشكيل جبهة موحدة خليجية تعقّد عملية التعامل معها، خصوصًا أنّه يعيد منح العربية السعودية موقعًا متقدمًا و”قياديًّا” لهذه الدول، في وقت وفّرت الخلافات بين هذه الدول لطهران، إمكان اللعب على التباينات بينها، وتوظيفها لصالح تعزيز دورها وموقعها ونفوذها الإقليمي. خصوصًا أنّ مساحات الصراع والمواجهة بينها وبين السعودية، تشمل الكثير من الدول العربية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وحتّى في البحرين.

وبالتالي فإنّ أيّ تنازل في هذه السياقات، سيعطي السعودية فرصةً للحصول على مكاسب حول المسائل الإقليمية، من دون تقديم أيّ تنازلات، وقد تتمكن من وضع إيران في إطار تفاوضي في ظل آليات مراقبة وتفتيش معقّدة، لا تريدها وتتجاوز في شموليتها ما هو قائم، أو سبق أن وافقت عليه في الملف النووي.

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…