بالتزامن مع وصول وفد حزب الله إلى روسيا، كان قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال ماكينزي يحطّ في لبنان، ويزور البقاع لتدشين بئر مياه باستعراض عسكريّ قلّ نظيره.
زيارة الجنرال الأميركي في هذا التوقيت لها أبعاد كثيرة، وحتى العراضة العسكرية، لا سيما بعد اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني”. إذ تؤشّر الزيارة الأميركية إلى لبنان، والبقاع تحديدًا، إلى الاستمرار في الاهتمام الأميركي البعيد المدى بالواقع اللبناني، بمعزل عن التفاصيل السياسية اليومية وتشكيل الحكومة، كما هو الحال أيضًا بالنسبة إلى زيارة حزب الله إلى روسيا، التي شهدت البحث في ملفات إقليمية متعددة، كان الملف اللبناني في آخر أولوياتها، بحسب المعلومات الواردة من موسكو.
زيارة ماكينزي ولقائه مع قائد الجيش واستثناء رئيس الجمهورية من لقاءاته، هي رسالة واضحة إلى الجميع تعبّر عن دعم الجيش والمؤسسة العسكرية، وتحذير أيّ طرف من مواجهة الجيش أو إضعافه أو إحراجه. والدعم الأميركي يهدف إلى إحراج موقف روسيا في لبنان، التي لا يمكنها إلّا أن تكون إلى جانب الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة. ولذلك تحدّث بيان الخارجية الروسية عن “الحفاظ على استقرار لبنان والسيادة اللبنانية، والشروع في حوار وطني من دون تدخّل خارجي”.
صحيح أنّ بيان الخارجية الروسية يتضمن ردًّا غير مباشر على طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي دعا إلى التدويل، لكن لدى مختلف الأطراف يقين بأنّ الأزمة اللبنانية أصبحت مدوّلة، من السياسة إلى الاقتصاد وصولًا إلى ترسيم الحدود. تدويل ستكون روسيا عنصرًا جديدًا يدخل عليه، بالإضافة إلى زيارة ماكينزي البقاع. ولا يمكن لمثل البيان الصادر عن الخارجية الروسية، في حال تمت قراءته بشكل حرفي، أن يتماشى مع حزب مموّل من إيران التي لا تعترف بالسيادة اللبنانية.
زيارة ماكينزي ولقائه مع قائد الجيش واستثناء رئيس الجمهورية من لقاءاته، هي رسالة واضحة إلى الجميع تعبّر عن دعم الجيش والمؤسسة العسكرية، وتحذير أيّ طرف من مواجهة الجيش أو إضعافه أو إحراجه
المعلومات المستقاة من مصادر على صلة بالزيارة، تشير إلى أنّ النقاط العملانية التي تم بحثها هي:
أولًا: البحث بوضع الطلاب اللبنانيين في روسيا.
ثانيًا: البحث في ملف الحصول على اللقاح الروسي.
ثالثًا: تعزيز العلاقات الإعلامية والثقافية.
رابعًا: البحث في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
خامسًا: الملف الحكومي الذي يظهر فيه توافق بين الطرفين حول تشكيل سعد الحريري للحكومة.
سادسًا: ملف الوضع الحدودي بين لبنان وإسرائيل والسعي لمنع حصول أيّ استفزازات قد تتطوّر إلى حرب. وهذا يرتبط أيضًا بالنشاط العسكري لحزب الله في سوريا. لكن ما جرى هو استعراض فقط.
تشير مصادر متابعة لمجريات الزيارة، إلى أنّ الملف الحكومي كان حاضرًا فيها. وتؤكد مصادر قريبة من حزب الله أنّ التوافق كان قائمًا حول تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، وضرورة تشكيلها سريعًا، من دون ثلث معطّل، وترضي كل القوى السياسية ولا تُخرج أحدًا من التشكيلة. ولا يهتم الروس بحجم الحكومة. الأهم هو الملفات الإقليمية.
ويضع الحزب الزيارة في خانة تعزيز روسيا أوراقها في المنطقة، وتعزيز التحالف مع الحزب، في سوريا، انطلاقًا من السياسة الروسية هناك، في محاولة للوصول إلى توافق سياسي. كما أنّ روسيا تريد أن تكون حاضرة بدور ونفوذ في العراق واليمن، وهذا يفترض أن يكون من بوابة إيران.
تؤكد مصادر قريبة من حزب الله أنّ التوافق كان قائمًا حول تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، وضرورة تشكيلها سريعًا، من دون ثلث معطّل
ينظر حزب الله في أفق زيارته إلى موسكو، على أنّها ارتفاع منسوب المنافسة الأميركية – الروسية في المنطقة، بينما الملفّ السوري كان الحاضر الأبرز في هذا المجال، خصوصًا بعد التشدد الأوروبي والأميركي ضد نظام بشار الأسد، وبعد زيارة لافروف إلى دول الخليج، التي خرجت بنتائج إيجابية سياسياً تجاه نظام الأسد دون قدرة على التطبيق العملي في ظلّ وجود قانون قيصر.
تبحث موسكو مع حزب الله في إمكان الوصول إلى تفاهمات جغرافية وعسكرية في سوريا، تتعلق بتجميد النشاط العسكري، وتخفيف الوجود في مناطق أساسية وحساسة، لا سيما في جنوب سوريا وعلى الحدود العراقية، لعلّ ذلك يؤدي إلى تخفيف الضغوط الأميركية عن إيران والحزب. بينما تتمكن روسيا من وقف الانهيار السوري الذي يستنزفها.
إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب: التدويل اقترب جدًّا
لا يمكن فصل هذه التحركات الروسية، عن مساعٍ قد تتبلور لاحقًا، انطلاقًا من الدور الروسي بين إسرائيل والنظام السوري، من أن يؤدي إلى تطور الدور الروسي في لبنان، من خلال البحث في ضبط الحدود والمعابر بين سوريا ولبنان، أو الاضطلاع بدور يتعلق بترسيم الحدود الجنوبية.
تعرف روسيا أنّ لبنان ساحةً للنفوذ الأميركي، لا يمكن لأحد اختراقه، لكنّها تحاول تعزيز أكبر كمّ من الأوراق في إطار التنافس مع الإدارة الأميركية الجديدة.
لن تكون هناك أيّ نتيجة سريعة لزيارة وفد الحزب إلى روسيا، كما سيكون الاستعصاء مديدًا في سوريا على وقع تسارع الانهيار. ولبنان سيكون على الطريق ذاتها، في حال عدم تقديم تنازلات كبيرة قابلة لأن تحقّق تسوية شاملة، وهي غير متوافرة لأشهر طويلة.