لماذا يهرب الحزب إلى الأمام؟

مدة القراءة 6 د

كانت مشاهد قطع الطرق والفوضى الاحتجاجية ليل الثلثاء – الأربعاء، عيّنة عمّا ينتظر لبنان في الأيام والأسابيع، وربّما الأشهر المقبلة في حال استمرّ التزامن بين التدهور الاقتصادي والاستعصاء السياسي.

وإذ تلفّ الضبابية المشهد الإقليمي والدولي بعد نحو خمسة أسابيع على تسلّم الرئيس الأميركي الجديد سلطاته، لا يبدو أنّ أولوية الرئيس الديموقراطي معقودة للملفات الخارجية، إنّما للسياسات الداخلية سواء ما يتّصل منها بالأزمة الصحيّة وحملات التلقيح، أو بالأزمة الاقتصادية المتأتّية منها.      

ولعلّ البطء في العملية الانتقالية للسياسة الخارجية الأميركية بين الإدارتين الجمهورية والديموقراطية، تجعل المنطقة مفتوحةً على احتمالات عدّة، من ضمنها خيار “الاقتتال لأيام” بين حزب الله وإسرائيل. وهو اقتتال لا أحد يضمن عدم تحوّله إلى حرب على وقت التصعيد العسكري الذي تقوم به طهران في العراق واليمن، للضغط على واشنطن التي أعلنت نيّتها سلوك المسار الديبلوماسي مع إيران. وهو إعلان يُظهر جليًّا أنّ طهران تلّقفته بـ”استحسان”، فزادت من وتيرة تصعيدها النووي والعسكري بغية تحسين شروط مفاوضاتها مع “الشيطان الأكبر”.

بالتزامن يزيد تعثّر المبادرة الفرنسية في لبنان على وقع فشل باريس حتّى الآن، في تحقيق اختراق قوّي في جدار المفاوضات الأميركية الإيرانية. وذلك على الرغم من وعد إيمانويل ماكرون لحسن روحاني، الثلاثاء، ببذل مزيد من الجهد في هذا السبيل، إلا أنّ التصعيد الإيراني كفيل بإحباط المخططات الفرنسية والأوروبية حتّى الآن.

هذه الخلفية الإقليمية والدولية للمشهد اللبناني لا تدعو إلى التفاؤل، بل إلى القلق. القلق على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى حدود لا يعود ممكنًا معها تصوّر ردّات الفعل الشعبية. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو عن سرّ عدم تحسّب القوى السياسية الرئيسية وخصوصًا حزب الله لمثل هذا السيناريو الدراماتيكي في الشارع. فإمّا أنّ الحزب، صاحب النفوذ الأقوى على الساحة اللبنانية، مقتنع بأنّه قادرٌ على ضبط انفعالات الشارع، وإن كان غير قادر على التحكّم بوتيرة التدهور. وإمّا أنّه غير قلق من أيّ تصعيد في الشارع، لاعتقاده بقدرته على إعادة تثميره سياسيًّا عند لحظة البحث الداخلي والخارجي عن حلّ للأزمة السياسية.

بالتزامن يزيد تعثّر المبادرة الفرنسية في لبنان على وقع فشل باريس حتّى الآن، في تحقيق اختراق قوّي في جدار المفاوضات الأميركية الإيرانية

وسط كلّ هذه التطورّات لا يمكن إغفال المعطى السياسي الجديد الذي طرأ على المشهد السياسي المحلّي، وهو دعوة البطريرك بشارة الراعي إلى طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي، والإقبال الشعبي والسياسي الذي لقيه هذا الطرح خصوصًا نهار السبت في 27 شباط الماضي، حيث رسم الاحتشاد في ساحة بكركي أفقًا جديدًا للمشهد السياسي المسيحي والوطني.

حتّى الآن ما يزال تصرّف حزب الله تجاه الطرح البطريركي غامضًا. فصحيح أنّ الحزب عبّر باكرًا عن رفضه طرح التدويل، لكنه يحاذر مخاصمة البطريركية المارونية لما يمكن أن يترتب عن هذه الخصومة من ارتدادات على علاقاته المسيحية، لاسيّما وأنّ الاعتراض الشعبي في الأوساط المسيحية عليه، آخذ في الاتساع. وهذا أمر لن يبقى بلا آثار على المديَيْن المتوسّط  والبعيد على جمهور التيار الوطني الحر حليف الحزب منذ شباط 2006.

لذلك سارع حزب الله إلى التهدئة مع بكركي، وأعيد الحديث عن استئناف الاتصالات السياسية بين الجانبين عبر اللجنة المؤلفة لهذا الغرض. لكنّ أوساط الصرح البطريركي تقول إن لا جديد على هذا الصعيد، وإنّ الاتصالات لم تنقطع أصلًا ليتمّ استئنافها مجددًا. مع إشارتها إلى أنّه ليس المطلوب من البطريرك الماروني أن يغيّر موقفه، وإنّما المطلوب من حزب الله أن يأخذ في الاعتبار مصالح لبنان وشعبه عوض رهنها لسياساته الإقليمية.

مغزى هذا الكلام أنّ المشكلة ليست بين البطريرك وحزب الله ليتّم حلّها في لقاء بين الجانبين، إنّما المسعى البطريركي هدفه حلّ الأزمة اللبنانية، وبالتالي فإنّ اللقاء بين الحزب والبطريرك يفترض أن يكون له صلة بحلّ الأزمة نفسها، لا أن يكون هدفه احتواء الأزمة مع بكركي، والسير خطوة إلى الأمام نحو الالتفاف على مبادرتها.

حتّى الآن ما يزال تصرّف حزب الله تجاه الطرح البطريركي غامضًا. فصحيح أنّ الحزب عبّر باكرًا عن رفضه طرح التدويل، لكنه يحاذر مخاصمة البطريركية المارونية لما يمكن أن يترتب عن هذه الخصومة من ارتدادات على علاقاته المسيحية

فإذا كانت استراتيجية الحزب في علاقته مع الواقع اللبناني الحالي تقوم على محاولة كسب الوقت ومنع حصول تغيير كبير في قواعد اللعبة، فإنّ الحزب سيكون مضطّرًا عاجلًا أم آجلًا إلى الإجابة عن الأسئلة التي طرحتها عليه بكركي، والتي تلقى صدًى واسعًا لدى شرائح واسعة من الشعب اللبناني، باتت ترى في سياسات الحزب ضررًا مباشرًا على حاضرها ومستقبلها.

بالتالي فإنّه سواء التقى وفد من الحزب البطريرك أو لا، فإنّ تفاقم انسداد الأفق السياسي والاقتصادي سيزيد من إلحاح الأسئلة المطروحة على حزب الله وليس العكس. فما بعد الطرح البطريركي ليس كما قبله لهذه الناحية، إذ إنّ البطريرك بتوصيفه للأزمة أضاء على نقاط العطب الرئيسية في جسم الدولة والكيان، والمتمثلة في تعدّدية السلاح ومحاولة الانقلاب على الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، وسيادة منطق موازين القوى على منطق قوّة التوازن. وهذه كلّها أعطاب، الحزبُ معنيّ بالإجابة عنها في حال إراد صدقًا البحث عن حلول للأزمة الحاصلة، والتي لا توفّر أحدًا من اللبنانيين بما في ذلك جمهور الحزب نفسه.

إقرأ أيضاً: هل نفّذ الحزب مناورة أمنية كبيرة أمس؟

أمّا إذا اختار الحزب التصعيد في الداخل أو على الحدود، فنكون قد انتقلنا إلى مرحلة جديدة من الأزمة أشدّ خطورة، وسيكون أصعب على الحزب ساعتئذٍ إعادة بناء حدّ أدنى من الثقة مع الواقع السياسي والاجتماعي اللبناني، بينما مبادرة البطريركية المارونية، بما لها من شرعية وطنية، كفيلة بإفساح المجال للحزب، ليهدّئ اللعبة وليفتح الطريق أمام الحلّ وفق الشروط الدستورية، فلا يعود في عيون الغالبية من اللبنانيين سبب سقوطهم في “جهنّم”!

السياسة فنّ التقاط الفرص، ومبادرة بكركي هي قبل كلّ شيء فرصة للبنان وللحزب نفسه، فهل يتلقّفها الحزب عوض الهروب إلى الأمام؟      

مواضيع ذات صلة

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…

من يُنسّق مع باسيل بعد وفيق صفا؟

بات من السهولة رصد تراكم نقاط التباعد والفرقة بين التيّار الوطني الحرّ والحزب. حتّى محطة otv المحسوبة على التيّار أصبحت منصّة مفتوحة لأكثر خصوم الحزب شراسة الذين…