“ردّنا كان مدروسًا بعد نقاشات قانونيّة وإداريّة”. هذا ما أعلنه البيت الأبيض بعد غارات شنّها سلاح الجوّ الأميركي على شحنة سلاح وذخائر لكتائب حزب الله العراقي، لدى عبورها إلى الجانب السّوري من منقطة الحدود العراقيّة السّوريّة. والهجوم الذي جاء ردًّا على قصف صاروخي طال مطار أربيل في إقليم كردستان العراقي، ونتج عنه مقتل متعاقد مدني مع الجيش الأميركي، وإصابة جنديّ، لم يقطع “شعرة معاوية” بين إدارة جو بايدن وبين إيران.
اختيار إدارة بايدن سوريا مسرحًا للردّ على الهجوم في العراق، لم يرقَ بحسب بعض المراقبين إلى حدّ ردع الميليشيات الموالية لإيران عن شنّ هجمات جديدة على مواقع ومصالح أميركيّة في العراق. لكنّ اختيار سوريا ساحة الصّراع الإقليمي والدّولي المفتوحة منذ 10 سنوات، وأوراقها المبعثرة، يعني أنّ بايدن أراد تثبيت الوجود الأميركي في سوريا من جهة، وترك نافذة الحوار مع إيران مفتوحة من جهة أخرى، وطمأنة تل أبيب حول التزام واشنطن مراقبة خط بيروت – دمشق – بغداد – طهران عبر القائم والبوكمال.
في العودة إلى أواخر عام 2019 وتحديدًا ليل 27 كانون الأوّل، شنّت فصائل موالية لإيران هجومًا صاروخيًّا على قاعدة K1 قُرب كركوك، أسفرَ عن مقتل متعاقد مدني أميركي تمامًا كما هي نتيجة هجوم أربيل.
اختيار إدارة بايدن سوريا مسرحًا للردّ على الهجوم في العراق، لم يرقَ بحسب بعض المراقبين إلى حدّ ردع الميليشيات الموالية لإيران عن شنّ هجمات جديدة على مواقع ومصالح أميركيّة في العراق
بعد أقلّ من 48 ساعة من الهجوم، شنّت طائرات من طراز F-15 تابعة لسلاح الجوّ الأميركي هجومًا واسعًا على المنطقة الحدوديّة بين العراق وسوريا، استهدف 5 مواقع لكتائب حزب الله العراقي (3 في الجانب العراقي و2 في الجانب السّوري). أسفَرَ القصف الجوّي يومها عن تدمير كامل للمواقع ومستودعات الذّخيرة، ومقتل ما لا يقلّ عن 25 مُقاتلًا وإصابة العشرات.
الرّد الأميركي يومها لم يقف عند هذا الحدّ، إذ أمر الرّئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب باغتيال قائد قوّة القدس في الحَرَس الثّوري الإيراني قاسم سُليماني، باعتباره المسؤول المُباشر عن قيادة الميليشيات العراقيّة.
أما الرّد الأميركي الأخير فقد سبقه بيان من الخارجيّة الأميركيّة جاء فيه: “سنردّ في الزّمان والمكان المناسبَيْن”. حينها اعتبر مراقبون أنّ الرّئيس الدّيمقراطي المُتحمِّس للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، كان في موقفٍ لا يُحسَد عليه. إذ يُحاصَر بايدن بين مِطرقة ليونته الظاهرة مع إيران، وسِندان رسم الخطوط الحمراء لإدارته في المنطقة. ويبدو حتّى السّاعة أنّ الإدارة الجديدة اختارت ردًّا “مُتَنَاسبًا” يحفظ ماء وجهها من جهة، ويُبقي اليد الممدودة لطهران التي تعرفُ جيّدًا كيف تُفاوض بالصّواريخ قبل الجلوس إلى الطاولة.
على الرّغم من أنّ الرّد الأميركي الأخير نتج عنه مقتل أكثر من 17 مُقاتلًا من الميليشيات التّابعة للحرس الثّوري، إلّا أنّه وُصِفَ بـ”المحدود”، على عكس غارات 2019 الواسعة. ويبعث رسالة واضحة بأنّ الإدارة الجديدة ستردّ، لكنّها لا ترغب في التّصعيد.
بعد أقلّ من 48 ساعة من الهجوم، شنّت طائرات من طراز F-15 تابعة لسلاح الجوّ الأميركي هجومًا واسعًا على المنطقة الحدوديّة بين العراق وسوريا، استهدف 5 مواقع لكتائب حزب الله العراقي
تجنّب إدارة بايدن الردّ في الأراضي العراقيّة يأتي أيضًا بهدف عدم إحراج حكومة مُصطفى الكاظمي، التي قد تواجه حصارًا برلمانيًّا من الأحزاب الشّيعيّة الموالية لإيران تحت عنوان “حماية السّيادة العراقيّة”، وبالتّالي هذا سيعرّضها لخطر الإسقاط، ما سيمنح إيران ورقة ضغطٍ جديدة تلعبها بوجه واشنطن. بالإضافة إلى ذلك، تُعطي إدارة بايدن مُتنفّسًا للكاظمي لإجراء التحقيقات في الهجوم الذي أُصاب جنودًا أميركيّين، بعدما أظهرَ الأوّل قدرته على مواجهة الميليشيات أمنيًّا.
إقرأ أيضاً: “داعش”.. العمل على استعادة شرعية ميليشيات إيران بالمنطقة
وفي هذا الإطار علم “أساس” من مصدرٍ أميركيٍّ جدّي أنّ رئيس الوزراء العراقي أعربَ في اتصال مع الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيّام، رغبته في بقاء القوّات الأميركيّة في العراق. وكذلك في اتصالٍ له مع قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي. تمنّيات الكاظمي باستمرار الوجود الأميركي في العراق لم يقف عند هذا الحدّ، إذ طلب أيضًا بقاء قوّات التحالف الدّولي لقتال تنظيم “داعش”، إلى حين إبرام اتفاق بين أميركا وإيران يشمل العراق بطبيعة الحال.
وعن التواصل بين الأميركيين والرّوس قبيل شنّ الغارات، أكّد المصدر أنّ الجيش الأميركي أراد “إبلاغ” القوّات الرّوسيّة تجنّب تصادمٍ جوّي مع القوّات الرّوسيّة المُتمركزة في سوريا ولم يكن “طلبَ موافقةٍ مُسبّقة” من موسكو على الإطلاق. وسأل المصدَر: “في حال قرّرت الولايات المُتحدة استطلاع رأي روسيا لشنّ هجمات على ميليشيات موالية لإيران، هل يُصدّق عاقل أنّ الرّوس قد يسمحون للأميركيين بإزاحة مصدر قلق من طريقنا وهم الذين يطمحون لإخراجنا من سوريا؟”.