في ظل انتشار اللقاحات ضدّ كورونا، تنشط حاليًّا دراسات حول العالم لتحديد ما إذا كانت الجرعات تمنع الأشخاص من الإصابة بالفيروس ومن نقله.
وتشير التحليلات الأولية إلى أنّ بعض اللقاحات يمكنها أن تحقّق تأثيرًا يمنع انتقال العدوى، ويمكن أن تساعد في السيطرة على الوباء إذا تم إعطاؤها لعدد كافٍ من الناس.
لكنّ تأكيد هذا التأثير، ومدى قوته، أمر صعب، لأنّ انخفاض الإصابات في بلدان معينة، يمكن تفسيره بعوامل أخرى، مثل الإغلاق وتغييرات في السلوك الاجتماعي العام. علاوةً على ذلك، يمكن للفيروس الانتشار من خلال حاملين من دون أعراض، ما يجعل من الصعب اكتشاف وجود العدوى.
يقول مارك ليبسيتش، عالم أوبئة الأمراض المعدية في كلية هارفارد للصحة العامة في بوسطن: “إنها واحدة من أصعب أنواع الدراسات التي يجب القيام بها. نتحرّق للوصول إلى نتيجة من خلال بيانات صغيرة للغاية”. إلى ذلك، من المتوقّع ظهور نتائج من بعض الدراسات في الأسابيع القليلة المقبلة.
وقف الإصابات
وفي موازاة معظم التجارب السريرية التي أظهرت أنّ اللقاحات منعت المرض، فإنّ بعض نتائج التجارب قدّمت أيضًا أدلّة على أنّ الحُقن قد تمنع نقله. يقول لاري كوري، أخصائيّ اللقاحات في مركز فريد هتشنسون لأبحاث السرطان بواشنطن، إنّ “اللقاح الفعّال للغاية في منعَ الناس من الإصابة بالعدوى، وسيساعد في تقليل انتقالها”.
أثناء تجربة لقاح موديرنا في بوسطن، قام باحثون بفحص جميع المشاركين لمعرفة ما إذا كانوا يحملون أيّ مرسال RNA فيروسي، ولاحظوا انخفاضًا بنسبة الثلثين في عدد الإصابات من دون أعراض بين الأشخاص الذين تلقّوا الجرعة الأولى من اللقاح ذي الجرعتين. لكنّهم اختبروا الأشخاص مرّتين فقط، بفارق شهر تقريبًا.
تشير التحليلات الأولية إلى أنّ بعض اللقاحات يمكنها أن تحقّق تأثيرًا يمنع انتقال العدوى، ويمكن أن تساعد في السيطرة على الوباء إذا تم إعطاؤها لعدد كافٍ من الناس
أما في المملكة المتحدة، فقد سجّل لقاح أكسفورد – أسترازينيكا في كلّ أسبوع، انخفاضًا في الإصابات من دون أعراض، بنحو 49.3% بين مجموعة فرعية من المشاركين الملقّحين مقارنةً بالمجموعة غير الملقّحة.
وتقول شركة فايزر ومقرّها نيويورك، إنّها ستبدأ في فحص المشاركين كلّ أسبوعين، في تجارب اللقاح التي تجري في الولايات المتحدة والأرجنتين، لمعرفة ما إذا كانت الجرعة قادرة على منع العدوى.
أقلّ عدوى؟
من الممكن ألا توقف اللقاحات وألا تقلّل بشكل كبير من مخاطر الإصابة. لكنّ الجرعات قد تجعل الأشخاص المصابين أقل قدرة على نقل الفيروس، وبالتالي تقلّل من انتقال العدوى.
تقوم مجموعات بحثيّة عدة في إسرائيل، بقياس “الحمل الفيروسي”، أي تركيز الجزيئات الفيروسية في الأشخاص الذين تمّ تلقيحهم، والذين ثبتت إصابتهم بكورونا لاحقًا، فوجد الباحثون أنّ “الحمل الفيروسي” هو مؤشّر مهمّ للعدوى.
في العمل التمهيدي، لاحظ أحد الفرق انخفاضًا كبيرًا في “الحمل الفيروسي” ضمن عددٍ صغيرٍ من الأشخاص المصابين بفيروس كورونا، في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع بعد تلقّي جرعتهم الأولى من لقاح فايزر.
تقول فرجينيا بيتزر، المتخصّصة في نماذج الأمراض المعدية في كلية “ييل” للصحة العامة في نيو هيفن: “البيانات مثيرة للاهتمام بالتأكيد، وتوحي بأنّ التطعيم قد يقلّل من عدوى كورونا، حتّى لو لم يمنعها تمامًا”.
ولاحظت تجربة أكسفورد – أسترازينيكا أيضًا انخفاضًا أكبر في الحمل الفيروسي في مجموعة صغيرة من المشاركين الملقّحين مقارنة بالمجموعة غير الملقحة.
من الممكن ألا توقف اللقاحات وألا تقلّل بشكل كبير من مخاطر الإصابة. لكنّ الجرعات قد تجعل الأشخاص المصابين أقل قدرة على نقل الفيروس، وبالتالي تقلّل من انتقال العدوى
مقاييس ذهبية
لتحديد ما إذا كانت اللقاحات تمنع انتقال العدوى، يتتبع الباحثون مخالطين عن قرب لأشخاص تمّ تطعيمهم، لمعرفة ما إذا كانوا محميّين بشكل غير مباشر من العدوى.
كجزء من دراسة مستمرة لمئات من العاملين في مجال الرعاية الصحية في إنكلترا، والمعروفة باسمPANTHER ، قام باحثون باختبار عاملين في مجال الرعاية الصحية وأشخاص عاشوا معهم، بحثًا عن أجسام مضادة لكورونا ومرسال RNA، بين نيسان وآب من العام الماضي. سيعيدون الآن الاختبار بعد تلقّي العمال لقاح فايزر، بالإضافة إلى مخالطيهم المقربين الذين لم يتم تطعيمهم، لمعرفة ما إذا كان خطر العدوى قد انخفض بالنسبة للمخالطين المقربين. وفي حال انخفاض الخطر، يثبت أنّ اللقاحات ربما تمنع انتقال العدوى.
مجموعات أخرى في إسرائيل تخطط أيضًا لدراسة المنازل التي تم تطعيم أحد أفرادها. إذا أصيب هؤلاء الأشخاص بالعدوى، يمكن للباحثين معرفة ما إذا كانوا ينقلون الفيروس إلى أفراد الأسرة الآخرين.
إقرأ أيضاً: لبنان وتصنيع اللّقاح.. الانتظار طويل؟
في البرازيل، ستوزّع تجربة عشوائية جرعات من لقاح كورونا الصيني الذي تنتجه Sinovac، إلى بلدة “سيرانا” على مدى أشهر. يمكن أن يوضح هذا النهج ما إذا كانت الانخفاضات في انتشار كورونا ضمن المناطق المحصّنة، تساهم أيضًا في تقليل انتقال العدوى داخل المناطق غير الملقّحة.
تعلّق نيكول باستا، عالمة أوبئة الأمراض المعدية في جامعة ماكغيل في مونتريال: “هذا من شأنه أن يبرهن على الآثار غير المباشرة للّقاحات. كما تظهر الحاجة إلى دراسة شريحة أوسع من الأفراد والسكان، لمعرفة مدى فعالية اللقاحات في الحماية من انتقال العدوى، لأننا بحاجة حقًّا إلى أدلة تغطي نسخات الفيروس بأكملها.”
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا