ينشر هذا المقال بمناسبة موافقة الرئيس بايدن على وساطة أوروبية مع إيران..
مايكل نايتز* (مجلة “بوليتيكو”)
يخوض جو بايدن اختبارًا رئيسًا للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. المنطقة تراقب عن كثب لترى كيف سيردّ الرئيس الأميركي على هجوم تعرّضت له القوات الأميركية، أطلقته بشكل شبه مؤكّد، ميليشيات تابعة لإيران.
فقد تم مساء الإثنين إطلاق 24 صاروخًا على قاعدة عسكرية أميركية في مطار أربيل الدولي، في عاصمة إقليم كردستان. وأدّى الهجوم إلى إصابة جندي أميركي وقتل مقاول غير أميركي، وجرح خمسة آخرين. كما أصيب ثلاثة مدنيين محليين.
في وقت سابق من هذا العام، توقعتُ أن يواجه بايدن تحديًّا مماثلًا في وقت مبكّر من إدارته، بسبب رغبة إيران بالانتقام لاغتيال قاسم سليماني في أوائل كانون الثاني 2020. لكنني استنتجت أنه بدلًا من استفزاز دونالد ترامب المنتهية ولايته، قد تختار وضع بديله على المِحك. هذا بالضبط ما حدث، والآن السؤال هو كيف سيردّ بايدن.
الجواب المبكّر هو: بحذر. يوم الثلاثاء، صرحت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جنيفر ساكي، أنّ الولايات تحتفظ “بحقّ الردّ في الوقت والطريقة التي نختارها، لكننا سننتظر حتّى يتم الانتهاء من تأكيد المسؤول أوّلًا”.
يخوض جو بايدن اختبارًا رئيسًا للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. المنطقة تراقب عن كثب لترى كيف سيردّ الرئيس الأميركي على هجوم تعرّضت له القوات الأميركية، أطلقته بشكل شبه مؤكّد، ميليشيات تابعة لإيران
من المهم بالتأكيد إثبات المسؤولية، لكنّ ذلك لن يستغرق وقتًا طويلًا بالنسبة لخبراء الاستخبارات. يجب أن تتمثل الأولوية الأكثر إلحاحًا، في إبلاغ إيران بوضوح بالعواقب المترتبة على مزيد من الهجمات.
ستكون معجزة ألّا يُقتل الكثير من الناس. فقد جرى توجيه اثنين من أصل عشرين صاروخًا على معسكر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وتصويب مزيد من الصواريخ سيرتب سقوط عددٍ من القتلى الأميركيين، كما كان الحال في 11 آذار 2020، حين أدّى هجوم صاروخي إلى مقتل جنديَيْن أميركيَيْن وجندية بريطانية في العراق.
معظم الصواريخ التي تم إطلاقها في 15 شباط لم تصل إلى المطار، وأصابت المدينة المكتظة بالسكان والمكتظة بالأكراد والنازحين العرب والدبلوماسيين الغربيين، والعمال الأجانب. وقُصفت منازل مدنية ومجمّعات سكنية. وإذا قام صاروخ واحد فقط بإصابة ناطحة سحاب في مدينة ذات قدرة محدودة على مكافحة الحرائق، فقد يكون عدد القتلى كارثيًّا.
في أواخر 2019، أدّت ضربات متبادلة في العراق إلى مقتل مراسل أميركي، وحصار السفارة الأميركية، ونُقل آلاف الجنود الأميركيين إلى العراق. قتلت أميركا أكثر من ثلاثين عنصرًا من الميليشيات المدعومة من إيران، والمسؤول الإيراني قاسم سليماني. فأطلقت إيران صواريخ باليستية على قاعدة أميركية، ما أدى إلى إصابة أكثر من مئة جندي أميركي.
تحذّر هذه الواقعة من أنّ هجوم أربيل لن يمثّل نهاية استفزازات الميليشيات ضدّ إدارة بايدن، بل البداية، في حال لم يردّ بايدن عليها. يجب عكس هذه الديناميكة بسرعة قبل قتل الأميركيين وتشويههم، وقبل أن تنجرّ الولايات المتحدة إلى أعمال انتقامية، أو قبل أن تتلقّى صدقيّة الولايات المتحدة ضربة جديدة في عيون حلفائها وشركائها في المنطقة.
يجب أن يكون ضمان الردّ الصحيح هو نقطة البداية، وهو يقدّم عذرًا مرحّبًا به لفريق بايدن لإبطاء العملية السياسية ومراجعة الخيارات. باعتباري شخصًا خاض عشرات التدريبات الاستخباراتية، فأنا أعلم أنّه ليس من الصعب معرفة من قام بالهجوم: تشير العديد من العوامل بثقة عالية إلى ضلوع عصائب أهل الحقّ (AAH) التي صنّفتها أميركا كجماعة إرهابية ملطخة أيديها بغالونات من الدماء الأميركية منذ سنوات ما قبل انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011.
دعونا نراجع الأدلة الظرفية المتاحة حتّى للمراقب المبتدىء الذي يمتلك فقط إمكان الوصول إلى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وبعض المطلعين. أمضت جبهة إعلامية تديرها “عصائب أهل الحقّ”، وتدعى “أصحاب الكهف”، معظم يوم 15 شباط في انتقاد إقليم كردستان. ثم قبل 13 دقيقة من الهجوم الصاروخي، أصدرت رسالة تلغرام غامضة تهدّد كردستان وأربيل. في الساعات التي أعقبت الهجوم، سيطرت قناة “صابرين” التابعة للعصائب على تغطية الحادث، ثم تمكّنت مجموعات أخرى من الوصول إلى المعلومات بشكل أبطأ من هذه القناة.
وحين أعلنت سرايا “أولياء الدم” مسؤوليتها عن الهجوم، وهي علامة إعلامية أخرى تستخدمها عصائب “أهل الحقّ” أحيانًا لتبنّي الهجمات، لم تعترض جماعات الميليشيات الأخرى. وتضاف إلى هذه الصورة أدلة ظرفية أثبتت أنّ “عصائب أهل الحق” هي الميليشيا التي قصفت السفارة الأميركية في بغداد في 20 تشرين الثاني و25 كانون الأوّل، ونفّذت الهجوم الأخير على أهداف أميركية في أربيل في 30 أيلول.
في حال تمكنت الأجهزة من وصول سرّي للغاية إلى ذكاء التنصّت، ستصبح الأدلة المؤدية إلى “عصائب أهل الحقّ” أكثر وضوحًا. وإذا ما اختارت الأجهزة السماح للرأي العام بمعرفة هذا الدليل، فتلك مسألة أخرى.
وستؤكد هذه الأدلة أيضًا تنفيذ إيران الهجوم، أو أنّها لم تكن على علم به، أو ببساطة لم تهتمّ. في الحالات المماثلة، اعتادت “عصائب أهل الحقّ” مهاجمة الأميركيين من أجل تعزيز هيبتها، من دون الحاجة إلى موافقة صريحة من طهران. وحتّى لو لم تشأ طهران محاكمة صدقيّة بايدن، فقد وقع هذا الاختبار على الفور من خلال هجوم أربيل.
تحذّر هذه الواقعة من أنّ هجوم أربيل لن يمثّل نهاية استفزازات الميليشيات ضدّ إدارة بايدن، بل البداية، في حال لم يردّ بايدن عليها
يبحث فريق بايدن اليوم عن خطوة دبلوماسية أولى، بدلًا من اللجوء الفوري إلى تنفيذ ضربات عسكرية أو فرض عقوبات جديدة. تتمثل الخطوة الذكية في تحذير طهران بشكل مباشر، من أنّ الولايات تتوقّع من إيران كبح جماح جميع وكلائها ومنعهم من اتّخاذ خطوات مزعزعة للاستقرار، مثل هجوم أربيل أو هجوم 23 كانون الثاني على الرياض. هذه الرسالة من شأنها أن تنبّه الحرس الثوري الإسلامي إلى أنّ أميركا لا تنخدع بالمظاهر، وأنها متنبّهة لنفوذ طهران على الميليشيات المعادية.
من الضروري أن يحذّر فريق بايدن إيران من الآتي: في حال مقتل أو إصابة أميركي آخر في العراق أو الخليج، فإنّ إدارة بايدن ستعلّق الجهود لاستئناف المفاوضات النووية. الخط الثابت والواضح فقط سيحمي الجنود الأميركيين العاملين على الخطوط الأمامية للحرب ضدّ “الدولة الإسلامية”، أو الذين يحمون المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ويتم بهذا الموجب منح إيران بعض الوقت لتهدئة أنشطة شركائها من الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
إقرأ أيضاً: توصيات لإدارة بايدن: إحباط تهديدات إيران في العراق وميليشياتها الإرهابية
يبدو من غير المنطقي معالجة تهديد الميليشيات قبل بذل جهد أكبر لمنع إيران من الحصول على قنبلة، ولكن كيف يمكن لرئيس أميركي أن يجلس ويتفاوض مع حكومة إيرانية تشجع بشكل ضمني أو نشط محاولات قتل الأميركيين؟
إذا فشلت إيران في كبح جَماح وكلائها، ينبغي لإدارة بايدن ألّا تتخلّى عن إظهار القوة الموثوقة والمحسوبة. من الواضح جدًّا في ضربة أربيل، أنّ الميليشيات المدعومة من إيران لا تخشى إدارة بايدن ولا تحترمها بالطريقة التي احترمت بها إدارة ترامب. وهذا تطوّر خطير وسوء التقدير سيؤدي إلى وفاة المزيد من الأميركيين.
على الولايات المتحدة النظر في خيارات لزعزعة ثقة قيادة “عصائب أهل الحقّ”، من خلال اعتماد هجوم بطائرة من دون طيّار، أو تنفيذ ضربة سرية على موقع قريب من قائدها قيس الخزعلي، أو القيام باختراق واضح في الاتصالات الشخصية وأمن الكمبيوتر. إذا أراد فريق بايدن استعادة القوة الرادعة، والتفريق بين نهجهم وبين نهج الإدارة السابقة، فإنّ التفكير “خارج الصندوق” مطلوب بإلحاح كبير.
*مايكل نايتس “زميل أوّل” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. عمل في العراق منذ التسعينيات وقام برحلات سنوية إلى العراق منذ عام 2003، حيث انضم إلى قوات الأمن العراقية وأجرى مقابلات مع القادة المحليين والوطنيين.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا