الحوثي خارج لائحة الإرهاب: الطائرة المفخخة تسند موقف الرياض

مدة القراءة 7 د

في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي جوزيف بايدن يوم الخميس في الرابع من شباط 2021 من على منصّة وزارة الخارجية والذي رسم فيه الإطار العام لسياسات بلاده الخارجية وموقفها من الأزمات الدولية، كانت منطقة الشرق الأوسط من المحطات المهمّة فيه، فتحدث عن الكثير وصمت أو قفز عن كثير من الأزمات على الرغم من حضورها الطاغي على خلفيات هذا الخطاب وتلك الملفات.

ولعلّ الأهم في هذا الخطاب، الموقف أو السياسة الجديدة لإدارة بايدن من أزمة الحرب في اليمن، والتي ذهب فيها إلى موقف مغاير لسياسات سلفيه في البيت الأبيض الرئيسين الأسبق باراك أوباما والسابق دونالد ترمب، اللذين دعما، وبنسب وآليات مختلفة، هذه الحرب، عندما حسم موقفه بالدعوة الحاسمة إلى ضرورة وقف هذه الحرب بأسرع وقت ممكن.

هذا الموقف من بايدن، والذي يعتبر من المواقف الأشد وضوحاً لواشنطن في ما يتعلق بهذه الأزمة، لم يسقط من اعتباراته البعد الاستراتيجي والتاريخي الذي يحكم العلاقة بين بلاده و السعودية حليفه وصديقه الأبرز في منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط. وذلك من خلال التأكيد والتشديد على الالتزام التاريخي والدائم للولايات المتحدة في حماية أمن واستقرار المملكة والدفاع عنها أمام أيّ اعتداء قد يهدّد سلامة أمنها وحدودها. وهو التزام يأتي في إطار تفهّم الإدارات الأميركية للهواجس السعودية ومصادر قلقها التي تستهدف أمنها وسيادتها وفي مواجهة ما تتعرّض له من تهديدات لدورها وموقعها على خارطة الشرق الأوسط التي تأتي من تعاظم النفوذ الإيراني وطموحات طهران لفرض هيمنتها على هذا الإقليم على حساب موقع ودور الدول الأخرى فيه.

الخطوة الأخطر والتي تكشف عن وجود نوايا أميركية جدية لإنهاء حرب اليمن وإغلاق هذه الأزمة والانتقال إلى مرحلة الحلول السياسية، فتتمثّل بالعمل على حذف جماعة أنصار الله الحوثية عن لائحة المنظمات الإرهابية

إلاّ أنّ الخطوة الأخطر في هذا السياق، والتي تكشف عن وجود نوايا أميركية جدية لإنهاء حرب اليمن وإغلاق هذه الأزمة والانتقال إلى مرحلة الحلول السياسية، فتتمثّل بالعمل على حذف جماعة أنصار الله الحوثية عن لائحة المنظمات الإرهابية. أيّ في التعامل مع الإرث الذي تركه الرئيس السابق دونالد ترامب والقرار الذي اتخذه في هذا الشأن خلال الأيام الأخيرة من وجوده في البيت الأبيض. إلاّ أنّ البارز في هذه الخطوة والهدف الكامن وراء قرار ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو لم يكن تعزيز الموقف السعودي في التعامل مع هذه الأزمة. بل تعقيد الجهود أمام أيّ رئيس أو إدارة جديدة في التعامل مع هذه المشكلة وشروط التفاوض مع الجهة التي تسيطر على السلطة وتفرض هيمنتها الميدانية سياسياً وأمنياً وعسكرياً، وتملك مفاتيح الحل لهذه الأزمة سواء في الحوار الداخلي مع حكومة عدن المدعومة من التحالف العربي. أو في الحوار مع الدول العربية، خصوصاً الرياض، المعنية أو المنخرطة في معركة استعادة الشرعية والدفع باتجاه إعادة بناء السلطة والدولة في هذا البلد.

وعلى الرغم من عدم الإشارة إلى الأزمة – المحور لإدارة بايدن في الشرق الأوسط، أيّ الموضوع الإيراني وكلّ تفرعاته النووية والصاروخية والنفوذ الإقليمي والعقوبات الاقتصادية، إلاّ أنّ التوجّه الجديد في الأزمة اليمنية يهدف إلى توجيه رسائل إلى النظام الإيراني عن جدّية التوجهات لدى هذه الإدارة الجديدة في تفكيك أزمات المنطقة. وذلك إمّا من خلال الانخراط المباشر في الحلّ كما هو حاصل في اليمن، وإمّا عن طريق تفويض شركاء آخرين في التعامل مع أزمات أخرى، كما هو حاصل مع الغطاء المبدئي الذي وفرته واشنطن للحراك الفرنسي باتجاه البحث عن حلول ومخارج للأزمة اللبنانية. خصوصاً أنّه من المبكر جداً لواشنطن لانتقال إلى خطوة مشابهة في التعامل مع تصنيف حزب الله على غرار ما تنوي القيام به مع جماعة الحوثي. ما يحمل على الاعتقاد بأنّ هذه الخطوات تندرج في إطار التحرك على طريق التفرّغ للموضوع الإيراني الذي لم يرد ذكره في خطاب بايدن يوم الخميس الفائت، وبالتالي سحب الذرائع من طهران في استخدام مناطق نفوذها كورقة ضغط لتحسين موقفها التفاوضي، إن كان مع الإدارة الأميركية أو مع المحيط العربي في الخليج.

وإذا ما كان لجوء إدارة بايدن لإخراج جماعة الحوثي عن لائحة المنظمات الإرهابية يدخل في إطار الواقعية السياسية في التعامل مع الأزمة اليمنية كون هذه الجماعة هي الطرف المعني بأيّ عملية تفاوض، وإذا كان الإبقاء على تصنيفها الإرهابي يحول دون الجلوس معها على طاولة التفاوض ويدفع بإمكانية التوصل إلى سلام في هذا البلد إلى المجهول… فإنّ ردّة الفعل السعودية الأولى جاءت موزعة على شقّين:

الأوّل: رحّبت فيه بالإلتزام الأميركي بالدفاع عن أمن واستقرار وسيادة السعودية في مواجهة أيّ تهديد مجاور أو إقليمي.

والثاني: صمت فيما يتعلّق بالتوجه الجديد لهذه الإدارة في التعامل مع جماعة الحوثي واعتبارها شريكاً في أيّ عملية تفاوضية. ما قد يعني أنّ إدارة بايدن قد تدخل في مسار معقد من أجل تليين موقف الرياض ومحاولة اقناعها بهذه الخطوة التي تعتبرها  واشنطن ضرورية في إطار رسم استراتيجتها الجديدة في الشرق الأوسط.

المسار الأميركي عليه أن ينتظر حتى الصيف المقبل.. مع العلم أنّ توقيت إرسال الطائرة المفخخة يدعم وجهة النظر السعودية بحتمية المواجهة الدولية للنظام الإيراني، كما كان سيفعل الرئيس السابق لو أعيد انتخابه

في المقابل، سارعت طهران وجماعة الحوثي، حليفها اليمني، إلى عملية ربط نزاع مع المبادرة الأميركية، من خلال وضع شروط استباقية للسير في عملية الإنتقال إلى مفاوضات الحل السلمي. واعتبرت أنّ الترجمة العملية لأيّ نوايا حسنة – إذا وجدت – تبدأ من خلال قرار واضح وصريح وفوري بوقف العمليات العسكرية والحرب، ثمّ البدء برفع الحصار، وإعادة فتح المعابر البحرية والبرية والجوية وإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق نفوذ هذه الجماعة في شمال اليمن. بالإضافة إلى تمسّكهما برفض التفاوض مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والتفاوض مع الجانب السعودي مباشرة. والتأكيد بأنّ هذه الإجراءات تشكل مدخلاً للإنتقال إلى طرح المسائل السياسية والأمنية والعسكرية على طاولة التفاوض والبدء في بحث آليات إعادة بناء الدولة والسلطة في اليمن الجديد.

هذا في المنطق السياسي الراغب في تسهيل جلوس الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات. إلا أنّه يبدو أنّ الجانب الإيرانية المقرّر لمسار الطائرات المفخخة والصواريخ، اعتبر الإشارة الأميركية الرئاسية وترحيب الرياض بها، نقطة ضعف. فأرسل بالأمس طائرة مسيّرة مفخخة إلى سماء الرياض حيث أسقطتها الدفاعات الجوية السعودية. إلاّ أنّ توجسه كبير من الخطوة الأمريكية ويتخوف من أن تكون فخّاً تريد واشنطن إيقاعه فيه على الأقل بإخراج الأزمة اليمنية من دائرة المساومة.  وإرسال المسيّرة يأتي في سياق التأكيد بأنّ طهران والحوثي مستعدان للتعامل مع أيّ مفاجآت،  فضلاً عن محاولة إيصال رسالة بأنّ التفاوض الذي يريدانه هو حوثي سعودي وليس شمالياً جنوبياً.

إقرأ أيضاً: طهران وموسكو وإعادة التموضع

مما يعني أنّ المسار الأميركي عليه أن ينتظر حتى الصيف المقبل.. مع العلم أنّ توقيت إرسال الطائرة المفخخة يدعم وجهة النظر السعودية بحتمية المواجهة الدولية للنظام الإيراني، كما كان سيفعل الرئيس السابق لو أعيد انتخابه…

مواضيع ذات صلة

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…