لا يُتوقع أن يكون لبيان وزيري الخارجية الفرنسي والأميركي جان إيف لودريان وأنتوني بلينكن تأثيراً مباشراً على حال المراوحة الفاضحة في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت بعد ستة أشهر على الجريمة. وفي المقابل، لم يفلَح أهالي ضحايا المرفأ في إقناع المحقق العدلي فادي صوّان، من تحت شرفة منزله، بالعودة إلى مكتبه في العدلية واستكمال تحقيقاته.
مرّ شهرٌ تقريباً على ردّ محكمة التمييز الجزائية طلب وقف السير في إجراءات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وإعادة الملف إلى القاضي صوّان لاستكمال تحقيقاته التي كان قد جمّدها في 17 كانون الأول إثر تقديم النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل طلب تنحيته عن الملف بدعوى الارتياب المشروع. مع العلم أنّ المادة 340 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تسمح له بالسير بالدعوى “إلا إذا قرّرت محكمة التمييز خلاف ذلك”.
الأيام تمرّ ثقيلة وموجعة على أهالي الضحايا. فيما المحقق العدلي قد أوقف محرّكاته، برغبة ذاتية منه لا يفرضها القانون عليه. 50 يوماً حتّى الآن من دون مبرّر منطقي أو قانوني في ظل واقعين:
الأول أنّ الجريمة الأبشع في تاريخ لبنان لا تحتمل ترف المماطلة في كشف خيوطها والمسؤولين عنها ومحاسبتهم. وقد كشف الزميل في تلفزيون “الجديد” فراس حاطوم الكثير من الوقائع حول مسار الباخرة – الجريمة ومالكيها.
والثاني هو وجود عددٍ من الموقوفين الأبرياء في القضية، لا مسؤولية عليهم، وهم لا يزالون قيد التوقيف لمدّة تتراوح بين خمسة وستة أشهر. ومن المنطقي القول إنّ لهؤلاء حقاً برقبة القضاء في حال أثبِتت فعلاً براءتهم.
الأيام تمرّ ثقيلة وموجعة على أهالي الضحايا. فيما المحقق العدلي قد أوقف محرّكاته، برغبة ذاتية منه لا يفرضها القانون عليه
وقد أشارت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها قبل أيام إلى أنّ التأخير في المحاكمة أو إطلاق السراح قد يؤدي إلى زيادة خطر الاحتجاز إلى أجلٍ غير مسمّى، بما يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. إذ يحق للمدّعى عليهم معرفة التهم الجنائية الموجّهة إليهم والأدلة التي تستند إليها هذه التهم الجنائية، بما في ذلك أدلة البراءة.
ويبدو أن القاضي صوّان قد قرّر عدم الردّ على من يراجعه في مسألة استكمال التحقيقات، بما في ذلك “نصيحة” رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي لا يرى مبرّراً لتجميد التحقيقات.
و”حجّة كورونا” التي تتقدّم على ما عداها ويتذرّع بها صوّان لم تعد تقنع أحداً، خصوصاً أنّ الإجراءات الوقائية المتّخذة في قصور العدل للحماية من انتشار فيروس كورونا لم تطل النيابات العامة وقضاة التحقيق الذين يزاولون مهامهم وفق ترتيبات تراعي الظروف الصحية الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان.
وتقول مصادر قضائية بارزة في هذا السياق: “القاضي صوّان لا يردّ على أحد. وموقفه ليس مفهوماً أمام الضغوط التي يتعرّض لها لاستكمال تحقيقاته متذرّعاً بجائحة كورونا. عملياً، لا تفسير لهذا الموقف سوى أنّه عنيد ويبدو أنّه لا يراعي حساسية الملفّ الذي يعني كل اللبنانيين وليس فقط أهالي ضحايا المرفأ. كما أنّ الارتياب المشروع به قد صحّ فعلاً بعد فرملة التحقيقات والجلوس في منزله”.
ويرصد متابعون استياء رئيس مجلس القضاء الأعلى من جمود التحقيقات، بعدما جرى الحديث في بدايات التحقيق عن غرفة عمليات “مموّهة” قوامها المحقق العدلي ومجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين بهدف الضغط في سياق السير بالقضية “إلى الآخر” وإجراء استجوابات تطال سياسيين وأمنيين من أعلى رأس الهرم وصولاً إلى توقيف من يثبت تورطه، وإن بتهمة الإهمال والتقصير. والدليل على ذلك البيانات التي أصدرها هؤلاء بعد الدفعة الأولى من الاتهامات التي وجّهها صوّان إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال وثلاثة وزراء.
القاضي صوّان لا يردّ على أحد. وموقفه ليس مفهوماً أمام الضغوط التي يتعرّض لها لاستكمال تحقيقاته متذرّعاً بجائحة كورونا
وفي السياق نفسه، يذكّر مطلعون أنّ القاضي صوّان لم يكن خيار القاضي سهيل عبود بالأساس لكن تمّت الموافقة على الإسم بعدما اقترحت وزيرة العدل ماري كلود نجم اسمين ورفضهما مجلس القضاء الأعلى. فيما تؤكّد المعطيات أن خال الوزيرة نجم، الوزير السابق ناجي البستاني، هو من زكّى القاضي صوّان لهذه المهمّة.
وما لا يعرفه كثر أنّ المحقّق العدلي بُعَيد تعيينه يتقاضى أتعاباً بمثابة مبلغ مقطوع شهرياً. وفيما لم يعد لمبلغ بالليرة اللبنانية أي قيمة بعد انهيار العملة الوطنية، لكن من المنطقي التساؤل إذا كان المحقق العدلي يُراكم هذه المبالغ وهو جالس في بيته.
إقرأ أيضاً: صوّان يوقع تشكيلة الحريري في الفخّ
وفي ما يتعلّق بدعوى الارتياب وبعد إتمام التبليغات إلى كلّ أفرقاء الدعوى، فإنّ الغرفة السادسة في محكمة التمييز برئاسة القاضي جمال الحجّار ومعاونة المستشارين فادي العريضي وإيفون بو لحود أوقفت جلسات المذاكرة في طلب نقل الدعوى إلى قاضٍ آخر بسبب قرار الإقفال العام الذي فرضه فيروس كورونا. فمحكمة التمييز تحضر مرّة في الأسبوع، ومداورةً، لتسيير بعض الملفات، فيما يتوقّع تأجيل استئنافها النظر في القضية إلى حين صدور قرار مغاير عن مجلس القضاء الأعلى.
في مطلق الأحوال، وفي ظل جمود التحقيقات، لا تزال المُساعدة الدولية عاملاً غير مُطمئِن في سياق الحديث عن جلاء الحقيقة في قضية المرفأ. فنداء “الاستغاثة” من وزير الخارجية الفرنسي لا يستقيم، وفق مصادر قضائية، مع حقيقة أنّ الخبراء الفرنسيين الذين قدموا إلى لبنان وأجروا تحقيقاتهم الخاصة وأخذوا عيّنات متعدّدة، على خلفية وقوع ضحايا فرنسيين في الانفجار، لم يسلّموا نتيجة التحقيقات حتّى الآن إلى الجهات القضائية في لبنان. مع العلم أنّ التقرير الفرنسي يفترض أن يسلّم هذا الشهر.
وتشير المصادر الى أن “تقرير الـ”أف بي آي” كان تقنياً بامتياز، شمل تحليل كلّ مكوّنات مسرح الجريمة في البرّ والمياه، لكنّ لبنان لم يستلم صوراً جوية من الفرنسيين أو من الاميركيين تتعلّق بأيّ نشاط جوي مشبوه نهار 4 آب”.