حين قُتل وسام الحسن أواخر 2012، كتب إبراهيم الأمين أنّ الاغتيال “يقع في قلب المعركة المفتوحة دوماً دونما أيّ نوعٍ من الضوابط”. وأضاف أنّ “هذه المعركة تجعل أطرافها يقومون بما يعتقدون أنّه الأصحّ”.
إذا قيل اليوم إنّ قاتل لقمان سليم “يقوم بما يعتقد أنّه الأصحّ”، هل في الأمر اتهام لـ”حزب الله”؟
يجب التدقيق في ما إذا كان الحزب نفسه يوافق على تعبير “اتهام”. القتل في عرف “حزب الله” وجمهوره لم يعد مرادفاً للجريمة منذ أن عمّم جيشه الإلكتروني شعار “من قتلناه يستحقّ”. هناك دوماً “معركة مفتوحة دونما أيّ نوع من الضوابط”، وهناك خصوم من بينهم وسام الحسن، الذي وصفته جريدة “الأخبار” غداة اغتياله بأنّه يمثّل “الجبهة التي تقودها الولايات المتحدة ودول عربية وإقليمية من أجل استثمار الفوضى القائمة في العالم العربي”. ويصدف أنّ التوصيف نفسه ينطبق على الشهيد لقمان سليم.
إذا قيل اليوم إنّ قاتل لقمان سليم “يقوم بما يعتقد أنّه الأصحّ”، هل في الأمر اتهام لـ”حزب الله”؟
هل يحتاج “حزب الله” حقاً إلى نفي مسؤوليته عن اغتيال سليم؟
المريع في النقاش حول الجريمة هو غياب السؤال الأخلاقي عن حُرمة الدم. هناك من يناقش في مصلحة “حزب الله” في قتله، والفرضيات الممجوجة عن طرف ثالث يريد الفتنة، وفي مدى استحقاق الرجل للرصاصات الخمس. ويبدو أنّ جمهور الحزب من يرى أنّه لا يستحقّها، بالمعنى السلبي الأشنع.
المريع أكثر أنّ هناك من يتعامل مع الجريمة بوصفها شأناً شيعياً “داخلياً”. هي جريمة هامشيّة طالما أنّ الحزب لم يقتل سنّياً أو درزياً أو مسيحياً. يمكن للدولة أن تنام ملء العين طالما أنّ “الفتنة” نائمة لا يوقظها مقتل شيعي بسلاح شيعي في منطقة شيعية.
لم يعد مهماً إن كان “حزب الله” هو القاتل أم لا. المهم أنّ الجميع في جمهوره والجمهور المناوئ له يتصرّفون على أساس أنّ الحزب قادر على القتل، بإمكاناته الأمنية والعسكرية، وأنّه يمكن أن يقتل، وفق ما يشير منطقه السياسي و”الأخلاقي”، وأنّه قتل بالفعل من دون أن تطوله العواقب.
المريع في النقاش حول الجريمة هو غياب السؤال الأخلاقي عن حُرمة الدم. هناك من يناقش في مصلحة “حزب الله” في قتله، والفرضيات الممجوجة عن طرف ثالث يريد الفتنة، وفي مدى استحقاق الرجل للرصاصات الخمس
لا حاجة للتكاذب. الجميع في لبنان، من الضاحية إلى الطريق الجديدة، لديهم في قرارة أنفسهم جواب واحد على السؤال عمّن قتل رفيق الحريري وسمير قصير وجبران تويني وفرانسوا الحاج ووسام عيد وبيار الجميل، مهما اختلفت الإجابات في المجال العام. والجميع يدركون أنّ القاتل أفلت من العقاب ولم تطله المحكمة الدولية بتوقيف أو محاكمة وجاهيّة. يمكن مراجعة آلاف التغريدات من جيش “حزب الله” الإلكتروني على تويتر، يمجّدون صنيع مصطفى بدر الدين بقتله رفيق الحريري، حتّى بات شعار “سلمت يداك” كناية عن نكاية القوي بمن لا يملك حولاً لدفع القتل. ما الداعي بعد ذلك لاستغراب تغريدة تعلّق على فعل قتل سليم “#بلا_أسف”! هناك من يقول بطرقٍ شتى إنّ الموقف من القتل يتوقف على هويّة القاتل.
إقرأ أيضاً: نريد حماية دولية…
القتل على أي حالٍ هو فعل سياسيٌ عنيف، وقد لا يكون الهدف منه هو المقتول بحد ذاته، بل الأحياء الذي يفهمون معنى القتل العلني في وضح النهار، من دون أن تملك الدولة وأجهزتها وقضاؤها الجرأة لوضع فرضية، مجرد فرضية، توجه التهمة إلى الجهة التي يناوئها المغدور.
في الشارع السياسي من يخشى أن يكون اغتيال لقمان سليم تدشيناً لعودة “مسلسل الاغتيالات”. وما ذاك إلا إقرارٌ بأن ما أوقف الاغتيالات هو قرار من “حزب الله”، وبأن ما يمنع عودتها ليس إلا حسابات الحزب.
أخطر ما في الاغتيال هو الاستسلام لهذا المنطق. عندما يكون رد فعل تيار المستقبل بيان من بضعة أسطر يتحاشى حتى ذكر اسم من وصفها بـ”القوى المحلية المعنية بأمن القرى الجنوبية”، فهذا يعني أنّ الشارع السياسي الخائف والمدجّن لن يخرج عن النصّ.
كان يمكن لدم لقمان سليم أن يفتح باباً لإعادة تصويب النقاش حول الأمن السياسي وسيادة الدولة وحصريّة السلاح، لكنّ الدم المسفوك سيظلّ على الأرض هذه المرّة. فلا عصبية سنية يستفزّها، ولا زعامات مسيحية في الخارج أو في السجن تنتظر الفرصة. لا أحد يريد أن يزعج “الفيل” الذي يملأ الغرفة.