قبل شهر من رحيل إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عام 2016، وتحديدًا في 23 كانون الأوّل، علا التصفيق الحارّ في قاعة اجتماع مجلس الأمن الدّولي بعد كسرِ الولايات المتّحدة “التقليد التاريخي” باستخدام “الفيتو”. وذلك بعد أن مَرَّ القرار 2334 دون فيتو أميركي. حثّ القرار على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وطالب تل أبيب بوقف عمليّات الاستيطان في الضّفة الغربية، ونصّ على عدم شرعية المستوطنات في الأراضي المحتلة منذ عام 1967.
التّصفيق الحارّ نالته واشنطن بعدما امتنعت عن استخدام “حقّ النّقض” الذي استخدمته سابقًا 42 مرّة حمايةً لولايتِها الـ”51″ إسرائيل. وكان يقف خلف كواليسه مدير الشّؤون الإسرائيليّة – الفلسطينيّة في مجلس الأمن القومي (NSC) ماهر بيطار.
بيطار الفلسطيني الأصل، عيّنه الرئيس جو بايدن مؤخّرًا مدير الاستخبارات في مجلس الأمن القومي الأميركي. وهذه مفاجأة جديدة. فهو يُبقي حياته العائليّة بعيدةً عن الأضواء قدر الإمكان. إلّا أنّ سيرته المهنيّة في السّياسة الأميركيّة تُشير إلى أنه “يتمتّع بمواهب وخبرات استثنائية عندما يتعلق الأمر بمجتمع الاستخبارات”، على حدّ وصف رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي آدم شيف الذي سرّته “رؤيته في منصبه الجديد، على الرغم من أنّنا سنفتقده بالتأكيد في اللجنة”.
أصوله الفلسطينيّة جعلت منه ناشطًا في دعم اللاجئين، فعمل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في ماليزيا. وعمل أيضاً في فريق عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) في القدس
خرّيج كليّة القانون في جامعة جورج تاون وحامل شهادة الماجستير من جامعة أكسفورد وعضو نقابة المحامين في ولاية ماريلاند، متأهّلٌ من “أستريد”، المُتحدّرة من هايتي، التي غزاها الرئيس الدّيمقراطي بيل كلينتون عام 1994 بـ20 ألف جنديّ لإعادة تنصيب الرئيس المنتخب الذي أُطيح به بانقلاب عسكريّ.
لا يهوى مدير استخبارات بايدن الجديد وسائل التواصل الإجتماعي، إذ يحاول الابتعاد عنها قدر الإمكان أو استخدامها بـ”ترشيدٍ” يحفظ خصوصيّته الشّخصيّة والعائليّة، إلا أنّ الرّجل غير بعيدٍ عن التواصل عبر تطبيقي واتساب وسيغنال.
حفاظه على خصوصيّته، جعل منه مادّة مُهمّة للبحث و”التنقيب”، إّلا أنّ الباحث في أعماق حياة بيطار لن يجد سوى عناوين عريضة يصطدم بها دون الحصول على التفاصيل التي يريد.
في لجنة الاستخبارات في مجلس النّواب الأميركي، كان لبيطار الدّور البارز في المحاولة الدّيمقراطيّة الأولى لعزل الرئيس الأسبق دونالد ترامب بعد مكالمته مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تلك التي تخلّلها طلب ترامب من نظيره الأوكراني تفاصيل تتعلق بالتحقيق في قضية سابقة تخص “هانتر”، نجل منافسه الرئاسي جو بايدن.
نجح بيطار في القسم الأوّل من مهمّته بعد شهرين من التحقيقات بين أيلول وتشرين الثاني 2019، إذ صوّت مجلس النّوّاب على عزل ترامب بتهمتي “إساءة استخدام السلطة” و”ازدراء الكونغرس”. إلّا أنّ السّدّ الجمهوري كان حاضرًا في مجلس الشّيوخ فسقطت محاولة العزل.
لا يهوى مدير استخبارات بايدن الجديد وسائل التواصل الإجتماعي، إذ يحاول الابتعاد عنها قدر الإمكان أو استخدامها بـ”ترشيدٍ” يحفظ خصوصيّته الشّخصيّة والعائليّة، إلا أنّ الرّجل غير بعيدٍ عن التواصل عبر تطبيقي واتساب وسيغنال
أصوله الفلسطينيّة جعلت منه ناشطًا في دعم اللاجئين، فعمل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في ماليزيا. وعمل أيضاً في فريق عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) في القدس.
الترحيب باختيار ماهر بيطار في منصبه الجديد لم يقتصِر على النّواب الدّيمقراطيين. إذ تلقّى تعيين رفيق درب باراك أوباما و”ثقته” كلمات ثناءٍ من مُرشّح بايدن لمنصب المبعوث الخاص إلى إيران المُثير للجدل روبرت مالي عبر حسابه على تويتر: “لا يمكنني التفكير في خيار أفضل من ماهر. الموظف العام الأكثر احترافًا وتفانيًا الذي تشرّفت بالعمل معه، إنّه زميل رائع، وصديق عزيز”.
إقرأ أيضاً: رجل بايدن في الشرق الأوسط “بولدوزر”: يكره إيران والأسد وأردوغان.. ويحبّ السعودية
يدخل في صلب خطّة الرئيس بايدن تعيين بيطار وغيره من الشّخصيات من أصولٍ عربيّة، مثل مستشارة بايدن للشؤون القانونية “دانا شباط” الأردنيّة الأصل ونائبة مدير مكتب البيت الأبيض للشؤون التشريعية “ريما دودين” الفلسطينيّة الأصل. “خطة الشراكة” مع العرب الأميركيين التي أعلن عنها بايدن في شهر آب الماضي. باعتبارهم أيّ العرب الأميركيين “أساساً في نسيج الأمّة الأميركيّة”، مُتعهّدًا بإشراكهم في الإدارة و”محاربة التعصّب ضدّهم”.
لا شكّ أنّ اختيار بايدن لماهر بيطار في منصبه “الحسّاس” سيُشكّل ضربةً أخرى للطمأنينة التي يبحث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الإدارة الأميركيّة الجديدة. وفي الوقت عينه سيًحافظ بايدن على ضمان أمن إسرائيل كما أكّد ذلك وزير خارجيّته أنتوني بلينكن، إلّا أنّه بات واضحًا أنّ سنوات ترامب الـ4 التي تصرّف فيها نتنياهو كما يشاء لن تتكرّر مع بايدن.