موسكو تُحجِّم إيران في سوريا: إسرائيل في الجوّ والفيلق 5 على الأرض

مدة القراءة 7 د

“لم تُخطر إسرائيل الجانب الروسي بنيتها الهجوم إلا قبل دقيقة واحدة من تنفيذه”. هذا ما قاله المُتحدّث باسم وزارة الدّفاع الرّوسيّة بعد إصابة طائرة روسيّة من طراز IL-20 ELINT تحمل 15 عنصرًا من أفراد الخدمة الرّوسيّة في سوريّا بنيران “الدّفاع الجوّي السّوري” الذي كان يتصدّى لقصفٍ إسرائيلي استهدف مواقع في اللاذقيّة وطرطوس وحمص في 17 أيلول 2018.

اللوم الرّوسي وقتها كان على تأخّر قيادة الجيش الإسرائيلي عن استخدام “الخطّ السّاخن” بين تل أبيب وقاعدة حميميم الرّوسيّة الذي يتم عبره التنسيق بين الجانبيْن في أي قصفٍ إسرائيلي في سوريا، وليس على القصف بعينه.

بعد حادثة إسقاط طائرة السّوخوي-24 الرّوسيّة بنيران تركيّة أواخر 2015 في أجواء جبل التركمان في ريف اللاذقيّة، حوّل بوتين “الخسارة الرّوسيّة” إلى مكسب طَوّع فيه الرّئيس التركي رجب طيّب أردوغان. استطاع الرّوس أن يقلبوا حطام السّوخوي فوق الجبال السّوريّة إلى باب التنسيق الكامل مع تركيا من السّاحل وصولًا إلى شرق الفرات.

وبعد التنسيق، نالت موسكو من أنقرة مبلغ 2.5 مليار دولار لقاء منظومة S-400 للدفاع الجوّي وأغرقت معها ثاني أكبر قوّة في حلف النّاتو في مأزقٍ مع قائدة الحلف الولايات المُتحدة وصلت إلى أزمة غير مسبوقة بين الجانبين.

بالعودة إلى إسقاط الطائرة الرّوسيّة أثناء القصف الإسرائيلي على سوريا، وجدت موسكو أيضًا بحطام طائرتها في مياه المتوسّط فرصةً أخرى لتعزيز نفوذها على امتداد الخريطة السّوريّة، فكانت الحادثة ذريعة لتزويد النّظام السّوري بمنظومتي S-300 مع إبقاء التشغيل بيد الجيش الرّوسي، وبالتّالي التحكّم بالأجواء السّوريّة، ما عدا أجواء شرق الفرات والمنطقة المحاذية لقاعدة التّنف التي تسيطر عليها قوّات التحالف بقيادة الولايات المُتّحدة.

بعد التنسيق، نالت موسكو من أنقرة مبلغ 2.5 مليار دولار لقاء منظومة S-400 للدفاع الجوّي وأغرقت معها ثاني أكبر قوّة في حلف النّاتو في مأزقٍ مع قائدة الحلف الولايات المُتحدة وصلت إلى أزمة غير مسبوقة بين الجانبين

بوتين لم يبِع نتنياهو يومها منظومة للدّفاع الجوّي أو طائراتٍ ولا حتّى “زيت تشحيم”. بل كانت صفقة موسكو مع تل أبيب تتركّز على الاستفادة من الضربات الإسرائيلية لتحجيم الدّور الإيراني على الأرض السّوريّة بموافقة ضمنيّة من الكرملين. الرّوس طلبوا من الإسرائيليين يومها، في تفاهم وُقِّعَ بين الطرفين، إخطارهم قبيل أي ضربة ينوي الجيش الإسرائيلي شنّها في سوريا لتجنّب وقوع خسائر روسيّة، وتحديد خطوط الطيران لتجنّب الاشتباك بين الجانبين، وعدم استهداف أي مواقع استراتيجيّة تابعة للنّظام السّوري.

لم يقف الاتفاق الرّوسي الإسرائيلي عند حدّ الإخطار، بل شملَ ضمان روسيا لأمن المنطقة السّوريّة الجنوبيّة وتحديدًا محافظة القنيطرة المحاذية لمنطقة الجولان وعدم السّماح بتحويل المنطقة إلى قاعدة عمليّات إيرانيّة تستهدف الجيش الإسرائيلي.

وقبل أيّام من انتخابات الكنيست الإسرائيلي عام 2019، قدّم الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين هديّة انتخابيّة لنتنياهو وهي جثّة الجندي زخاريا باومل الذي قُتِلَ في معارك السّلطان يعقوب عام 1982 في لبنان. “الهديّة” هذه سلّمها عناصر جيش النّظام السّوري يومها إلى الرّوس الذين بدورهم قدّموها لنتنياهو في إشارة إلى رِضا بوتين عن أداء نتنياهو الذي كان قد اختلف معه يوم حادثة الطائرة.

منذ حادثة 2018 وحتّى اليوم، كانت التعليقات الرّوسيّة على الغارات الاسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانيّة في سوريا لا ترقى إلى حدّ الرّفض أو الإدانة المُطلقة. وربّما لم يكن الإيرانيّون على درايةٍ أنّهم يوم توسّلوا الرّوس للتدخّل في سوريا كانوا يحضرون “الدّبّ” إلى كرمهم. فبوتين الذي وجَد في الأزمة السّوريّة فرصة للعودة الرّوسيّة إلى الخارطة الدّوليّة بعد انهيار الاتحاد السّوفييتي لن يكون على الإطلاق طوع أمر الجنرال قاسم سليماني أو ضُبّاط الحرس الثّوري المتواجدين في سوريا.

وبعد بدء الحملة الجويّة الرّوسيّة ضدّ فصائل المعارضة السّوريّة، تقاطعت المصالح بين موسكو وطهران، فالرّئيس الرّوسي الذي عايشَ أخطاء “السّوفيات” في “مُستنقع أفغانستان” احتاج يومَها لمن يُقاتل على الأرض تحت غطاء النّار الرّوسيّة من الجوّ، فكانت الميليشيات الإيرانيّة هي القوّة التي تمّ الاعتماد عليها في أوّل الأمر.

ومع تغيّر الأوضاع على الأرض بفعل ضربات الجيش الرّوسي الذي استعرض كافّة امكانيّاته العسكريّة الجوّية والبحريّة في حلب وإدلب وريف دمشق وأرياف حماة وحمص واللاذقيّة ودير الزّور والرّقة، بدأ الرّوس باقتناص الفُرَص لتثبيت يدهم العُليا في سوريا وتحجيم كلّ دورٍ سواهم، وفي المُقدّمة الدّور الإيراني.

ربّما لم يكن الإيرانيّون على درايةٍ أنّهم يوم توسّلوا الرّوس للتدخّل في سوريا كانوا يحضرون “الدّبّ” إلى كرمهم. فبوتين الذي وجَد في الأزمة السّوريّة فرصة للعودة الرّوسيّة إلى الخارطة الدّوليّة بعد انهيار الاتحاد السّوفييتي لن يكون على الإطلاق طوع أمر الجنرال قاسم سليماني أو ضُبّاط الحرس الثّوري المتواجدين في سوريا

وفي هذا الإطار، سعى الرّوس لإنشاء قوّاتٍ بريّة مُقاتلة على الأرض، وكانت البداية مع ما عُرِف بقوّات “النّمر”، بقيادة العميد سهيل الحسن، الضابط العلوي ابن ريف جلبة السّاحليّة، والمشهور بكلماته التي يُسمّيها “شعرًا” وهي لا تعرِف النّحو ولا الصّرف واللغة العربيّة. إلّا أنّ الكيمياء المفقودة بينه وبين قائد الفرقة الرّابعة، ماهر الأسد الذي يميل إلى الإيرانيين، إضافة إلى ولائه الأعمى لموسكو وبروز اسمه على السّاحة العلويّة، جعلت منه نواة قوّة الرّوس الأولى لكبح جماح طهران في سوريا.

قدّمت موسكو لسهيل الحسن الكثير من الأسلحة المتطورة مثل دبابات T90 ومشورات عسكريّة جعلت فرقته قوّة ضاربة في المعارك على الأرض. إلّا أنّ قلّة عديد فرقته التي تضمّ نُخبة المقاتلين، وصعوبة نشرها على أكثر من جبهة في وقت واحد، جعلت من قيادة قاعدة حميميم تتوجّه نحو فكرة أشمل تستطيع من خلالها منافسة الميليشيات الإيرانيّة على الأرض وهي “الفيلق الخامس – اقتحام”.

ترتكز فكرة “الفيلق الخامس” على ضمّ مقاتلين سنّة، من الذين قاتلوا تحت لواء فصائل المُعارضة في المناطق التي دخلت في إطار ما عُرِفَ بالـ”مصالحات”. يقود الفيلق اللواء ميلاد جديد، وهو علويّ من القرداحة مسقط رأس آل الأسد. إذ أنّ التوازن التي تريده موسكو مع الميليشيات الإيرانيّة في سوريا ينبغي أن ينطلق من الطائفة العلويّة لإبعاد “مَذهَبَته” بين سنّة وشيعة.

إقرأ أيضاً: “داعش”.. العمل على استعادة شرعية ميليشيات إيران بالمنطقة

وبحسب معلومات موقع “أساس”، يصل عديد الفيلق إلى نحو 15 ألف مقاتل جلّهم من السّنّة، وقد استطاع الرّوس زيادة قدرات هؤلاء المقاتلين، الذين كان أغلبهم في البداية مجرّد متطوعين يرغبون بالحصول على راتب مع نهاية كلّ شهرٍ. واستطاعت روسيا مؤخرًا ضمَّ مقاتلين من ميليشيات متنوّعة تابعة للنظام. وهؤلاء كانوا قد قاتلوا في معارك على جبهات مختلفة ما يجعل منهم “قيمة قتاليّة مُضافة للفيلق”.

يحاول الرّوس في الآونة الأخيرة، بسط النّفوذ على السّاحة السّوريّة بشكلٍ أوسع وإمساك أيّ أوراق قوّة قد يجدونها، بانتظار تبلور معالم سياسة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. وبحسب مراقبين، فإنّ بوتين لن يجد أحدًا لهذه المُهمّة سوى نتنياهو، القلق من توجّه الإدارة الأميركيّة الجديد نحو فتح قنوات الاتصال مع طهران.

وبكلمات أخرى، فإنّ تقاطع المصالح بين موسكو وتل أبيب، القلقتين من الإدارة الأميركية الجديدة ومن نفوذ طهران في سوريا، قد يدفع نحو تكثيف الضربات ضدّ القواعد الإيرانية في سوريا. وهو سيكون أحد محاور اللقاء المُرتقَب بين الرئيس جو بايدن ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين الذي سيزوره موفدًا من نتنياهو خلال الأيّام المُقبلة.

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…