سجّل سعر صرف الدولار في اليومين الماضيين ارتفاعًا ملحوظًا تجاوز أمس عتبة 9000 ليرة لبنانية لسعر الشراء للمرّة الأولى منذ تموز الماضي، في مقابل محافظة سعر المبيع على مستوًى متوازنٍ بلغ حدود 8900 ليرة، ولم يتغيّر كثيرًا طيلة أيام الإقفال العام. توقعات الصرافين تشير إلى أنّ السعر سيلامس في الأيام المقبلة عتبة الـ10 آلاف ليرة، وذلك لأسباب عدة تُلخّص في النقاط التالية:
أولًا: ارتفاع الطلب على الدولار بشكل كبير في مقابل شبه انعدام في العرض. فالناس متمسّكة بدولاراتها ولا تلجأ إلى صرفها إلاّ عند الحاجة و”بالتقطير”، وهذا يخنق العرض.
أحد صرّافي العاصمة كشف لـ”أساس” أنّ “العرض مقابل الطلب بلغ في الأيام الماضية حدود 40%”، أي مقابل كل عملية شراء لـ10 دولارات تخرج من صناديقهم، هناك 4 دولارات تدخل إليها.
الصراف أكد أنّه “في حال استمرار السوق على هذا المنوال (طلب متزايد)، فإنّ سعر الصرف سيرتفع بشكل محتّم”، لأنّ محفظة الصرافين من الدولارات قد تنفد أمام هذا الطلب المتنامي. ويضيف: “نحن نتريّث في بيع الدولارات حين نشعر أنّ الخارج من المَحافظ أكثر من الداخل إليها، وذلك من أجل حماية رساميلنا التي تعتمد على الدولار وليس على الليرة اللبنانيّة”، وبالتالي فإنّ هذا التريّث قد يساهم في ارتفاع السعر أيضًا، لأنّه جزء مهمّ من آلية ارتفاع الطلب.
أحد صرّافي العاصمة كشف لـ”أساس” أنّ “العرض مقابل الطلب بلغ في الأيام الماضية حدود 40%”، أي مقابل كل عملية شراء لـ10 دولارات تخرج من صناديقهم، هناك 4 دولارات تدخل إليها
ثانيًا: وصول لقاح كورونا إلى لبنان ومِن ثمّ بدءُ وزارة الصحة بحملات التلقيح، تركا أثرًا إيجابيًّا لدى عموم الناس، وحملهم على “تنفيس” حالة الخوف. هذان المعطيان دفعا أغلب الناس إلى استئناف نشاطاتهم، خصوصًا بعد تخفيف الحكومة لإجراءات الإقفال العام التدريجي، وعودة الحركة إلى الشوارع بشكل شبه طبيعي.
من بين النشاطات التي بدأت الناس باستئنافها مع انتهاء فترة الإقفال، هي السفر الذي يؤثّر بشكل مباشر في زيادة حجم الطلب على الدولار في “السوق الموازي”، لأهداف تتعلق بتمويل تكاليف الرحلات إلى الدول التي تسمح بذلك، وهي بمجملها تخصّ العمل أو زيارة الأهل في الخارج وليس السياحة.
إضافة إلى السفر، فإنّ الأيام القليلة المقبلة ستشهد تباعًا فكَّ الإقفال العام عن الكثير من القطاعات، غير الغذائية خصوصًا. هذه القطاعات ستعود إلى العمل بعد انقطاع قرابة شهر. انطلاقتها ستخلق حركة تبضّع وسدّ نواقص في السلع، وهذا بدوره سيخلق طلبًا إضافيًّا على الدولار في السوق الموازي.
صرّاف آخر في العاصمة بيروت أكّد لـ”أساس”، أنّ الطلب المتنامي على الدولار في الأيام المنصرمة كان هدفًا لثلاث فئات من الناس:
1- التجّار، من أجل تمويل استيراد السلع وشراء البضائع.
2- أصحاب الاختصاصات والنخب، بداعي تغطية تكاليف السفر.
3- المدّخرون، الذين يشترون الدولار للحفاظ على قيمة أموالهم، وهم قلّة.
التراشق الكلامي وتبادل التّهم بالكذب بين قصر بعبدا وبيت الوسط، يوحيان بأنّ ولادة الحكومة قد لا تكون قريبةً في المدى المنظور، وهذا سيساهم حكمًا في زيادة منسوب الترقّب والخوف لدى المواطنين، ويؤثّر في سعر الصرف
ثالثًا: بلوغ احتياطات مصرف لبنان من الدولار التي تغطي عمليات شراء السلع الرئيسية (محروقات، قمح، وأدوية) الخطوط الحمر، انعكس في دعوة المصرف الحكومة إلى الإسراع في آليات ترشيد الدعم، ومؤخرًا في عدم قدرته على تلبية متطلبات بعض القطاعات من الدولارات المدعومة. وكان آخر هذا السياق سجال دار بين “المركزي” من جهة وبين وزارة الطاقة وشركة كهرباء لبنان، التي قدّرت حاجتها للدولارات من أجل شراء الفيول بـ300 مليون دولار، وأخذت تهدّد اللبنانيين بـ”العتمة الشاملة”.
حتّى المحروقات الأخرى مثل البنزين (بنوعيه) والمازوت، تأثرت بشحّ الاحتياطي الذي انعكس بدوره أيضًا في امتناع الشركات المستوردة للنفط عن تسليم هاتين المادتين إلى المحطات، وهذا هو سبب تأخّر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات. وحجته كانت أنّه في فترة الحجر لا تحتاج السوق إلى هذه الكميات الكبيرة من البنزين. وقد بدأت سياسة الترشيد التدريجي للدعم والتخلّي عن دولارات مصرف لبنان المدعومة، تظهر من خلال ارتفاع أسبوعي في أسعار هذه المحروقات، بلغ أمس 1600 و1700 ليرة لنوعي البنزين و800 ليرة للمازوت.
رابعًا: قرب انتهاء المهلة التي حدّدها مصرف لبنان للمصارف المحلية حتّى نهاية شباط، من أجل زيادة رساميلها بنسبة 20? عملا بالتعميم رقم 154 الصادر عن مصرف لبنان، بهدف تعزيز احتياطات العملة الصعبة لديه، وسط كلام عن عدم قدرة نصف المصارف المحلية على استيفاء هذه الشروط. هذا الكلام برغم نفي مصرف لبنان له، سيؤدي إلى خلق المزيد من الضغوط على سمعة القطاع المصرفي والثقة به المنهارة أصلًا، وبالتالي سيخلق بلا أيّ شكّ، المزيد من الضغوط على سعر الصرف.
إقرأ أيضاً: الادّعاء على صرّافين: ملف يُقفل بـ135 دولاراً
خامسًا: وأخيرًا، التراشق الكلامي وتبادل التّهم بالكذب بين قصر بعبدا وبيت الوسط، يوحيان بأنّ ولادة الحكومة قد لا تكون قريبةً في المدى المنظور، وهذا سيضيف إلى الأسباب المذكورة أعلاه عاملًا ذا نكهة سياسية، سيساهم حكمًا في زيادة منسوب الترقّب والخوف لدى المواطنين، ويؤثّر في سعر الصرف.
هذه العوامل تنذر بأنّ الدولار سيتجاوز 10 آلاف ليرة في الأسابيع المقبلة.