إعداد إيمانويل أوتولانغي *
أدركت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في وقت مبكر مخاطر الأمن القومي التي يمثلها تواطؤ الجريمة المنظمة مع تمويل الإرهاب، ولا سيما التهديد العالمي الذي تجسّده العصابة الإجرامية لحزب الله اللبناني. فقامت الإدارة بعدد من المبادرات الهامة لتعطيل عمليات حزب الله غير المشروعة.
في قلب مشروعه الإجرامي، أرسى حزب الله عنصر الشؤون التجارية، وهو فرع من منظمة الأمن الخارجي التابعة له، والمسؤول أيضًا عن المؤامرات الإرهابية في الخارج. وقع ترامب سنة 2017 على أمر تنفيذي يوجه جهود إنفاذ القانون الفيدرالية لمكافحة شبكات التمويل غير المشروعة العالمية لحزب الله. ثم جددت شبكة إنفاذ الجرائم المالية أوامر الاستهداف الجغرافي للعقارات في 12 منطقة في الولايات المتحدة، ما يتطلب من شركات التأمين على الملكية تحديد الأفراد الذين يقفون وراء الشركات الوهمية المستخدمة في عمليات غسيل الأموال من خلال شراء جميع العقارات السكنية نقداً.
أعادت إدارة ترامب أيضًا تنشيط الجهود لمحاكمة عمليات غسيل الأموال العالمية للحزب، خاصة بعد أن وجد تحقيق مجلة “بوليتيكو” في كانون الأول 2017 أنّ إدارة أوباما قد وضعت مشروع “كاساندرا” التابع لإدارة مكافحة المخدرات. وسعت وزارة العدل لإحياء القانون من خلال فريق عمل جديد من المدعين العامين. كما صنفت وزارة العدل حزب الله كمنظمة إرهابية عابرة للحدود في تشرين الأول 2018.
أدركت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في وقت مبكر مخاطر الأمن القومي التي يمثلها تواطؤ الجريمة المنظمة مع تمويل الإرهاب، ولا سيما التهديد العالمي الذي تجسّده العصابة الإجرامية لحزب الله اللبناني
في عام 2017، اعتقل المغرب قاسم تاج الدين وسلّمه إلى الولايات المتحدة. أدرجت وزارة الخزانة الأميركية هذا المموّل الكبير للحزب ضمن قائمة المطلوبين في عام 2009 بتهم الاحتيال وغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وحين اعترف تاج الدين بتهمة غسل الأموال حكم عليه في عام 2019 بالسجن لمدة خمس سنوات. في أيار 2020، أمر قاضٍ فيدرالي بالإفراج المبكر عن تاج الدين، بحجة مخاوف صحية متعلقة بكورونا، لكنّها في الحقيقة جزء من صفقة تبادل سجناء.
إلى جانب الإجراءات المتّخذة ضدّ التدفّقات المالية للحزب، طاردت الإدارة حزب الله بقوة في الساحة الدبلوماسية، فسعت لإقناع الحلفاء بإعلانه منظمة إرهابية. وركزت الجهود على مساعدة الحلفاء في إنفاذ القانون لزيادة عدد التحقيقات في الخارج وتسهيل التعاون بين الوكالات التي تتعقب التمويل غير المشروع.
في أميركا اللاتينية، نظمت الإدارة القمم الدورية، إلى جانب مجموعات عمل وحلقات دراسية منتظمة وفرت للمحققين والمدعين العامين والقضاة وأعضاء وكالات الاستخبارات فرصًا معززة للتواصل وتبادل المعلومات. وزادت الإدارة أيضًا من رحلات كبار المسؤولين إلى المنطقة وعزّزت الوجود المرئي لأجهزة إنفاذ القانون الأمريكية.
في كانون الأول 2017، وقّع ترامب الأمر التنفيذي 13318 لفرض قانون المساءلة في مجال حقوق الإنسان. كما وقع في تشرين الأول 2018 على اتفاقية منع التمويل الدولية لحزب الله بموجب قانون التعديلات (HIFPAA). وحدّدت الإدارة حلفاء حزب الله في لبنان، وفرضت عقوبات على وزير الخارجية المنتهية ولايته جبران باسيل بتهمة الفساد من خلال قانون Magnitsky.
تقييم إجراءات الإدارة
حقّقت استراتيجية ترامب لعزل حزب الله من خلال العمل الدبلوماسي نجاحات مهمة.
بإلحاح من الولايات المتحدة، أصدرت الأرجنتين وكولومبيا وإستونيا وألمانيا وغواتيمالا وهندوراس وكوسوفو ولاتفيا وليتوانيا وباراغواي وسلوفينيا وصربيا والسودان وبريطانيا مجموعة متنوّعة من الإجراءات ضدّ حزب الله، من خلال إنشاء سجلات عامة عن الجماعات الإرهابية وأعضائها لحظر جميع أنشطة الحزب على أراضيها. انضمت إليها كندا وإسرائيل وهولندا ومجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية. لسوء الحظ، فشلت الإدارة في إقناع الاتحاد الأوروبي بتوسيع نطاق التصنيف الجزئي لحزب الله ليشمل المنظمة الإرهابية بأكملها. كما أنها لم تستطع كسب تأييد البرازيل وتشيلي وبنما وبيرو، وهي بلدان تشكل مسارح لأنشطة حزب الله غير المشروعة.
أحرزت إدارة ترامب تقدمًا على صعيد العقوبات. تضمنت بعض أهم تصنيفاتها مؤسستين ماليتين لبنانيتين: جمال ترست بنك وثلاث شركات تابعة له، بالإضافة إلى “شمس للصرافة” ومالكها قاسم شمس. كما استهدفت الإدارة أيضًا مموّل حزب الله المشتبه به محمد إبراهيم بزي.
في المقابل، اتّبعت الإدارة استراتيجية فاشلة إلى حدّ كبير للتعاون مع “البنك المركزي اللبناني” لمعالجة انكشاف القطاع الهائل على أنشطة حزب الله.
بينما كان قرار الإدارة بإحياء مشروع كاساندرا واعداً إلى حدّ كبير، فقد أدّى إلى نتائج دون المستوى الأمثل. كان قرار وزارة العدل بإنشاء فريق عمل من المدّعين مصحوبًا بنقل سلطة التحقيقات من إدارة مكافحة المخدرات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي. وحيث أنّ إدارة مكافحة المخدرات لا تزال متورطة بشدة في استهداف الجرائم المرتبطة بالاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال، أدى التحول إلى صعوبة في تبادل المعلومات. وأدى فشل ترامب في تعيين مسؤول جديد لإدارة مكافحة المخدرات إلى إعاقة فعالية الوكالة.
إن قضية قاسم تاج الدين الذي أطلق سراحه في منتصف مدة عقوبته، سلطت الضوء على أوجه القصور في نهج الإدارة في الملاحقات القضائية. كأنّها مبنية على استهداف ذوي الياقات البيضاء، وغالبًا ما تسلك تحقيقات طويلة تنتهي بأحكام مخفّفة عن طريق صفقات الإقرار بالذنب، عوضاً أن تكون هذه المحاكمات عبرة لردع الآخرين عن التواطؤ مع حزب الله.
أحرزت إدارة ترامب تقدمًا على صعيد العقوبات. تضمنت بعض أهم تصنيفاتها مؤسستين ماليتين لبنانيتين: جمال ترست بنك وثلاث شركات تابعة له، بالإضافة إلى “شمس للصرافة” ومالكها قاسم شمس. كما استهدفت الإدارة أيضًا مموّل حزب الله المشتبه به محمد إبراهيم بزي
الاقتراحات :
1- دليل ترامب لمحاربة الشبكات الإجرامية العالمية لحزب الله لا يفتقر إلى المدخلات ولكنه يفتقر إلى المخرجات. بدلاً من إنشاء استراتيجية مختلفة، يجب على إدارة بايدن التركيز على الاستخدام الأفضل للوسائل المتاحة لاستهداف هذه الشبكات، وعدم تكرار خطأ إدارة أوباما التي تأثرت قراراتها بالاتفاقات الدبلوماسية مع إيران ولبنان.
2- تعزيز القدرات ودعم القوى العاملة في مكتب الخزانة لمراقبة الأصول الأجنبية ووحدة استخبارات تمويل الإرهاب بوزارة الخزانة، ووزارة الخارجية، المسؤولة بشكل رئيسي عن هذه الإجراءات.
3- استهداف النظام المصرفي اللبناني بشكل أكثر قوّة والتعاطي مع “البنك المركزي اللبناني” كجزء من المشكلة، وتخليص قطاعه المالي من إساءة استخدام الشبكة الإرهابية لحزب الله. على الولايات أن تتبنى نهجا أكثر شمولاً بدلاً من استهداف البنوك الفردية مرة كل عدة سنوات.
4- الاستفادة على نطاق أوسع من HIFPAA ودعم قانون Magnitsky. تسمح هذه القوانين بمعاقبة الشركاء والداعمين الماليين الذين لا ينتمون بالضرورة إلى حزب الله ويعملون كميسّرين لشبكته المالية العالمية غير المشروعة.
5- توفير مزيد من الموارد لوزارة العدل لزيادة قدرتها على التحقيق والادّعاء ضدّ حزب الله، بما في ذلك المزيد من الموظفين والتدريب اللغوي الأفضل للعاملين الميدانيين.
6- مراجعة القوانين المتعلّقة بجرائم ذوي الياقات البيضاء المرتبطين بالجماعات الإرهابية للحزب بهدف إقرار عقوبات سجن أطول، ما من شأنها أن تشكّل إجراءً رادعاً حقيقياً.
7- إقناع المزيد من الحلفاء بإصدار تصنيفات إرهابية ذات مغزى لحزب الله، وتجاوز مجرد التصريحات. يجب إنشاء أطر قانونية وطنية تسمح باستهداف شبكات الحزب من قبل أجهزة إنفاذ القانون. فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فإنّ أيّ جهد لتحسين العلاقات عبر الأطلسي يمكن أن يزيد بشكل كبير من نفوذ الولايات المتحدة في قضية الأمن القومي الحسّاسة هذه.
8- الحدّ من التنافس بين الوكالات وتعظيم مشاركة المعلومات. فقد استمرّت التحديات التي أثرت على مجتمعات الاستخبارات وإنفاذ القانون عشية 11 أيلول، والتي أثرت أيضًا على قدرة إدارة مكافحة المخدرات على متابعة قضايا حزب الله في إطار مشروع كاساندرا، مما يقلل من فعالية إجراءات السياسة والملاحقة القضائية ضد شبكات حزب الله.
إقرأ أيضاً: 12 توصية متشدّدة لإدارة بايدن: “خنق” الفلسطينيين وعدم الثقة بالعرب
*مع انطلاقة عدّاد الإدارة الأميركية الجديدة، صدر أخيرًا تقرير أميركي بعنوان “من ترامب إلى بايدن- الطريق نحو الأمن القومي الأميركي”، تعاون في إعداده مركز القوة العسكرية والسياسية (CMPP)، ومركز القوة الاقتصادية والمالي (CEEP)، ومركز الابتكار السيبراني والتكنولوجيا (CCTI) وتولت نشره “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في أميركا، بمساهمة 35 باحثًا سياسيًا حول العالم.
يتضمّن التقرير توصيات مستندة إلى معالجة للمسائل السياسية المحلية في 15 دولة، من بينها دولٌ تتقاطع سياساتها مع سياسة الرئاسة الأميركية، أو لعبت فيها أميركا أدوارًا مفصلية، مثل لبنان، وسوريا والسعودية وإسرائيل وتركيا وغيرها. كما ينشر التقرير تقييمًا لممارسات أميركا المرتبطة بالحدّ من التسلح وانتشار السلاح، والأمن السيبراني، والدفاع، والطاقة، وتهديد حزب الله عالمياً، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والمنظمات الدولية واقتصاد الأمن القومي، والجهاد السني.
اختار “أساس” أقسامًا من هذا التقرير وينشرها على حلقات متتابعة. في الحلقة الرابعة ننشر ملخّصًا عن قسم “حزب الله- خطر عالمي” وتوصياته، بقلم إيمانويل أوتولانغي، الباحث السياسي في شؤون حزب الله والحرس الثوري الإيراني.