تضجّ دوائر معراب وقطعات حزب القوات اللبنانية ومسؤوليه، بأنّ العمل جارٍ لتشكيل حركة سياسية جديدة قد تظهر أواخر الشهر الحالي من شأنها نقل المعركة السياسية المستعصية في البلد إلى مكان آخر أكثر تقدماً. يفضل القواتيون التحفّظ الكلامي عن هذا المسعى الذي يقوم به رئيس الحزب سمير جعجع، العامل على خطّ التواصل مع شخصيات سياسية وقوى حزبية متعددة ومتنوعة.
بحسب المعلومات فإنّ الحركة السياسية التي تعمل القوات على إطلاقها لها علاقة بالضغط في سبيل إجراء إنتخابات نيابية مبكرة. ليس للطرح أي أسس واقعية مفيدة على الأرض، إنما في المعنى السياسي العميق، فهو شعار لمعركة لن تحصل وغير قابلة للنجاح.
المشكلة التي تعتري مثل هذا الطرح، تعني التطبيع مع الواقع القائم، وسط محاولة لتحسين الوضع العددي لحزب القوات بالإستناد إلى الرهان على نتائج الإنتخاب، في غياب أي قدرة لأي طرف على تحقيق ما يريده من طروحاته. أسباب كثيرة يجب أن تدفع القوات اللبنانية إلى مراجعة هذا الطرح السياسي الذي تتقدم به لأنّه لن يؤدي إلى أيّ نتيجة.
– أولاً: لبنان بحاجة إلى جوّ سياسي جديد يتماهى مع الجوّ الذي انفجر في ثورة 17 تشرين، لجهة التلاحم الوطني بين القوى الحزبية والقوى الشعبية، وليس على أساس النظرة المذهبية والطائفية، التي قد تدفع القوات إلى التركيز على معركة الإنتخابات النيابية المبكرة سعياً إلى رفع عدد كتلتها النيابية من 15 نائباً، إلى 20 أو 25 مثلاً. يبقى المفعول والأثر السياسي هو للخطوة السياسية وليس لحجم الكتلة النيابية، وللقوات أمثلة كثيرة في هذا المجال، عندما كانت قوى 14 تمتلك أكثرية مطلقة تقارب الثلثين، فيما لم تتمكن من تحقيق أي هدف سياسي من أهدافها.
بحسب المعلومات فإنّ الحركة السياسية التي تعمل القوات على إطلاقها لها علاقة بالضغط في سبيل إجراء إنتخابات نيابية مبكرة. ليس للطرح أي أسس واقعية مفيدة على الأرض، إنما في المعنى السياسي العميق، فهو شعار لمعركة لن تحصل وغير قابلة للنجاح
– ثانياً: لا بد لحزب كالقوات اللبنانية، أن يخرج من النظر إلى الملفات خارج نطاق العدد النيابي على أهميته لأنّ لبنان بحاجة ماسة إلى خطوات سياسية جريئة وشجاعة تخرج من شرانق اللعبة الطائفية والمذهبية التي تمثل الهدف والمنطلق الأساسي للسياسة التي اتبعها التيار الوطني الحرّ، فأدّت إلى تكريس الشرذمة الإجتماعية، وتبديد مقوّمات ومرتكزات ومكتسبات بدافع الشعبوية. وبالتالي فإنّ وجود القوات اللبنانية يجب أن يكون على رأس جبهة سياسية لها عناوينها الواضحة في مواجهة أي محاولات تقسيمية أو فيدرالية، ومواجهة مشروع العونية السياسية المتماهية مع الحزب الله كمستفيد أوّل من كل ما يجري. خطوة قواتية من هذا القبيل من شأنها تعديل كامل في موازين القوى.
– ثالثاً: إن استمرار الصراع على الحصص والمكتسبات الآنية، سيؤدي إلى تهشيم لبنان أكثر فأكثر، ما سينعكس مزيداً من الضرر والخسارة على المسيحيين، فيما المطلوب هو تقديم طرح سياسي أو برنامج سياسي كامل متكامل، يتعلق بتثبيت وجهة لبنان السياسية والحفاظ على كيانيته وعلاقاته العربية والدولية بعيداً عن أيّ حسابات ذاتية أو انقسامات أبرز من يستفيد منها إيران.
– رابعاً: في حال تمت الدعوة إلى الإنتخابات النيابية المبكرة اليوم، فلا بد من حصولها مثلاً خلال فترة ستة أشهر بالحد الأدنى، أي بين شهري 6 و7، أي قبل أقلّ من عام من موعد الإنتخابات المقرّر. وبالتالي لا حاجة لمثل هذا الخيار، في ظلّ انعدام أي مشروع سياسي واضح المعالم، وفي ظل تفكك التحالفات التي كانت قائمة سابقاً، وهذا لن يؤدي إلى حصول أي تغيير حقيقي في الوقائع السياسية وموازين القوى.
– خامساً: على أساس أيّ قانون يمكن لهذه الإنتخابات المبكرة أن تجري؟ القانون الحالي؟ فهو سيستنفر انقساماً لبنانياً عميقاً حوله، وسيؤدي إلى مزيد من الشرخ والإنقسام. والأفضل هو العمل على إيجاد صيغة جديدة لقانون يجمع ولا يفرّق. فالطرح سيعزّز الإنقسام المذهبي والطائفي، في غياب أي توافق لبناني على القانون الحالي: فالقوى السنية والدرزية الأساسية تعارضه، والثنائي الشيعي تقدّم بطرح بديل عبر الرئيس نبيه برّي، أيضاً لا تتوفر مقومات التوافق حوله.
إن استمرار الصراع على الحصص والمكتسبات الآنية، سيؤدي إلى تهشيم لبنان أكثر فأكثر، ما سينعكس مزيداً من الضرر والخسارة على المسيحيين
– سادساً: هناك مشكلة كبيرة في إجراء إنتخابات مبكّرة في ظلّ الظروف الحالية. فظروف الدولة المالية سيئة، والإنتخابات تحتاج إلى مبلغ كبير ومن الأولى توظيفه لتوفير حاجيات العائلات اللبنانية المحتاجة.
– سابعاً: كيف يمكن إجراء إنتخابات في ظل الظروف الصحية الحالية واتساع رقعة انتشار وباء كورونا، إذ ستكون هناك أخطار مضاعفة، على صحة اللبنانيين. والانتخابات تتم بتجمّعات كثيرة في مرحلة التحضير وفي أيام الانتخاب. ولا أفق للخروج من نفق كورونا قبل نهاية العام الجاري.
إقرأ أيضاً: “القوات” و”الكتائب”… خلاف يحتاج إلى قليل من المزاح!
– ثامناً: من يضمن الواقع الأمني في البلد؟ خصوصاً في ظلّ انهيار القدرات الشرائية للمواطنين، ما ينبىء بانهيار الأمن الإجتماعي. وطالما أنّ الظروف المعيشية على هذه الدرجة من السوء والخطر، فإنّ ذلك سيحوّل الناخبين إلى متسوّلي مساعدات إنتخابية، وسيعزّز هذا الوضع منطق الرشوة، بحيث تجيّر الأصوات لمن يقدم خدمات ومساعدات أكثر من غيره بعيداً عن الخيار الحرّ.
– تاسعاً: إجراء الانتخابات النيابية المبكرة يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء بشأن القانون بداية، ثمّ إقرار الميزانية المطلوبة، والإجراءات الأمنية المطلوبة على كل المراحل الانتخابية وآخرها أقلام الاقتراع. أين الحكومة؟ وأين الجهوزية الأمنية لأجهزة مستنفذة لقدراتها حتى نهاية “عصر” كورونا؟
الانتخابات النيابية المبكّرة غير منطقية. والقوات اللبنانية تضيّع وقتها في مثل هذا الطرح.