لم تَكُن المُستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل المسؤولة الوحيدة في بلادها التي التقطت صورة “سيلفي” شهيرة مع أحد اللاجئين السّوريين إلى بلادها. فخليفتها في رئاسة حزب “الاتحاد المسيحي الدّيمقراطي”، وخليفتها المُحتمل في منصب المُستشار، اسمه “آرمين لاشيت” أو “آرمين التركي حبيب اللاجئين” كما يصفه الألمان، وقف يومًا وسط مجموعة من اللاجئين الأفغان أمام عدسات الصّحافة، ليخلف ميركل في “صورتها” أيضًا.
لاشيت الصّحافي المُعتدِل والسّياسي المُحترف يبلغ من العُمر 59 عامًا. تنحدرُ عائلته من بلجيكا التي اجتاحها جيش ألمانيا القيصريّة في الحرب العالميّة الأولى، وألمانيا النّازيّة في الحرب العالميّة الثّانية.
كاثوليكي، في بلد يطغى عليه المَذهب البروتستانتي. يُمهِّدُ طريقه بسلاسة نحو الانتخابات التي ستجري في أيلول المُقبل لتوصِلَهُ إلى مبنى المستشارية الاتحادية أو الـ Bundeskanzleramt الذي دمّره “الجيش السوفييتي” مع سقوط برلين نهاية الحرب العالميّة الثانية بعد أن كان مقرَّ “مستشارية الرايخ”. حين كان الزّعيم النّازي هتلر أدولف هتلر يقف على شرفاته ليُحَيي مناصريه.
يوم السّبت الماضي، انتُخِبَ السياسي الألماني المعتدل أرمين لاشيت، خلفاً لمِيركل في رئاسة الحزب الحاكم. وحصل على أغلبية 521 صوتا من أصل 1001 مندوب تمت دعوتهم للتصويت، متقدّماً بذلك على المُنافس التّاريخي لميركل فريدرش ميرتس (466 صوتا) المؤيد لتوجيه الحزب نحوَ اليمين.
ويُوصف المُستشَار المُرتَقَب بأنّه منفتح، ودعم سياسة ميركل الهادِفَة إلى فتح ألمانيا أمام اللاجئين، حتى اكتَسَب لقب “آرمين التركي”، في إشارة إلى أكبر جالية مهاجرة في البلاد “الجالية التركية”. وفي عام 2016، رفض لاشيت الدّعوات لحظر النقاب في البلاد. ووصفها بأنّها “نقاش زائف يشتّت الانتباه عن القضايا الأكثر إلحاحًا”.
لاشيت الصّحافي المُعتدِل والسّياسي المُحترف يبلغ من العُمر 59 عامًا. تنحدرُ عائلته من بلجيكا التي اجتاحها جيش ألمانيا القيصريّة في الحرب العالميّة الأولى، وألمانيا النّازيّة في الحرب العالميّة الثّانية
سيرة “آرمين” لا تكتمل دون استرجاع تصريحاته المُثيرة للجدَل التي ظهرت كأنّها تأييد لرئيس النّظام السّوري بشّار الأسد. بعد الهجوم الكيميائي على الغوطة الشّرقية لدمشق في آب عام 2013، وتهديد الرئيس الأميركي السّابق باراك أوباما بالرّد عسكريًا على الهجوم، سأل لاشيت: “هل يريد أوباما أن يكون في صفّ تنظيم القاعدة في قِتَال الأسد؟”. وكذلك في عام 2016 دعا إلى “أن نتخلّى عن فكرة تغيير النّظام في سوريا، ومنذ البداية كان الخطأ أن نرى الرّبيع العربي فقط في سوريا”.
وأقسى تعليقاته كان يوم غرّد عبر تويتر متوجّهاً إلى وزير الخارجيّة الأميركي السّابق جون كيري في عام 2014، مُتّهمًا واشنطن بدعم “داعش” ضد بشّار الأسد.
تصريحات لاشيت هذه لقيت انتقادات في الأوساط الألمانية، ما استدعى أن يوضِح موقفه عام 2020 في تصريح لصحيفة “بيلد” الألمانيّة أكّد فيه أنّه “لم يدافع عن بشار الأسد طوال حياته”.
كما أنّ موقف الحزب الدّيمقراطي المسيحي تجاه الأزمة السّوريّة يُعبّر عنه صراحة خبير الشؤون الخارجية في الحزب يورغن هارت بقوله: “مرحلة انتقالية مع الأسد، لكن مستقبل بدون الأسد، على هذا الأساس ينبغي أن تعمل الدبلوماسية”.
أصوله البلجيكيّة وطلاقة لغته الفرنسيّة وعشقه للفرونكوفونيّة، جعلت منه مُقرّبًا من الفرنسيين، وأحد أصدقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ومن المتوقع أن يعمل بشكل وثيق مع فرنسا في الكثير من القضايا الدولية.
كذلك سيحاول المُستشار الألماني المُقبِل إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع روسيا، تمامًا كما أنجيلا ميركل. ورُغمَ أنّه أدان ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، إلّا أنّه يُصِرّ على أنّ العلاقة مع موسكو ضرورية للحفاظ على الاستقرار الدولي. وقال عام 2019 إنّ “روسيا لها أهمية مركزية للأمن الدولي. هذه الحقيقة وحدها تجعل الحوار ضروريًا، حتّى خلال أكثر الأوقات توترًا في الحرب الباردة”.
سيرة “آرمين” لا تكتمل دون استرجاع تصريحاته المُثيرة للجدَل التي ظهرت كأنّها تأييد لرئيس النّظام السّوري بشّار الأسد. بعد الهجوم الكيميائي على الغوطة الشّرقية لدمشق في آب عام 2013
مسيرة لاشيت السّياسيّة لم تكن سهلة، إذ إنّ الرّجل الذي درس القانون والصّحافة التي امتهنَها، خاض العديد من المعارك السياسيّة، أوصلته بدايةً في 1994 لأن يكون عُضوًا في “المجلس التشريعي الاتحادي” (البوندستاغ). وبعدها دخل البرلمان الأوروبي بين عامي 1999 و2005. عاد إلى ولاية شمال الرّاين – ويستفاليا، (الولاية الأكبر في عدد السّكان وتضمّ 17 مليون نسمة) ليُصبح وزيرًا للأسرة والاندماج في حكومة الولاية لـ5 أعوام بدءًا من 2005.
وفي 2010، تمّ تعيينه وزيراً للشؤون الاتحاديّة والأوروبيّة. اكتمال مسيرته نحو رئاسة الحزب المسيحي الدّيمقراطي كان عام 2012، يوم صارَ رئيسًا للحزب في الولاية ثمّ رئيسًا لوزرائها في 2017.
إقرأ أيضاً: مَن يرث ترامب مرشحاً رئاسياً للحزب الجمهوري؟
في طفولته، كان عضوًا في جوقة أطفال للرّوم الكاثوليك يقودها رجل الأعمال والمحامي”هينريك مالانجري” المُنحدر أيضًا من إقليم فالونيا البلجيكي وأحد أعضاء “فرسان القبر المقدس” التي أسّسها الدوق جودفري أحد قادة الحملة الصليبيّة الأولى وأوّل ملوك القدس عام 1099، وكانت مهمّتهم “دعم الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة”. وأثناء مشاركته في الجّوقة، تعرّف إلى سوزان ابنة هينريك، وتزوّجها في 1985 وأنجب منها ولدان وابنة.
لا يفصل لاشيت عن تولّي منصب المستشار سوى انتخابات أيلول 2021. وإلى حين وصول الموعد سيسعى للحصول على تأييد حزب الخضر، ثاني أقوى الأحزاب في البلاد، ليكون رافعةً وضمانةً لوصوله.
ومن المُرجّح أن يُكمِلَ مسيرة ميركل الوسطية والليبراليّة المؤيدة للاجئين في الدّاخل. وعلى الصّعيد الخارجي، لا بد أن يتركَ “آرمين” تصريحاته السّابقة ويسير فيما بدأته ميركل التي نالت تأييدًا قلّ نظيره في ألمانيا التي حكمتها لـ15 عامًا واختارت بإرادتها أن تذهب نحو التقاعد وبهدوء…