رحل الساحر ميكي… العزاء بالساحر برّي

مدة القراءة 3 د

من زمان تراجع وقع السحر في لبنان. خفتَ بريقه وما عاد يُدهش الناس. في زمن مضى كان السحر سحراً. مع الوقت، انقلب السحر على الساحر، ولم تعد الأسحار تنطلي على أحد. في طفولتنا كنا، مع غياب معظم وسائل التسلية المتوفرة اليوم للأطفال، نجد في “دكتور ميكي” دهشة لا توصف حينما نقطع تذاكر قبل أسابيع لمشاهدة عرضه الخاص في إحدى صالات السينما في مدينة النبطية، التي أقفلت فيما بعد وهدم مبناها وخرج مكانه، بقدرة ساحر، “مول” كبير.

كنّا ننتظر الساحر ميكي كما لو كان آتياً من بلاد العجائب، وقد أتانا مرّة وأدخل البهجة إلى قلوبنا الطرية. لكن اليوم، مع خبر وفاته الذي انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي، تنبّهنا إلى أنّ السحر مات قبل الساحر بسنوات طويلة. وأنّ البلاد كلّها تحولت إلى بلاد عجائب. وأنّ سحر ميكي صار مثار شفقة بعدما احتلّ السياسيون “كاره” واستولوا على قبعته وعصاه، وصار السحرة في الحكومة والبرلمان وعلى شاشات التلفزيون، وعلى رأسهم كبيرهم، ومعلّمهم نبيه بري.

مات ميكي من زمان، منذ أن تربّع بري على عرش السحرة في البلد. رئيس المجلس يمتلك من الخدع والأسحار و”الاختراعات” الدستورية ما لا مجال لأيّ ساحر أن ينافسه عليه. وهو يخرج من قبّعته أرانب ومن أكمامه حمائم، ويشعل النار في أصابعه، ويتحكّم بالعرض المتواصل على خشبة مسرح مجلس النواب، والنواب يصفّقون وجمهور الأحزاب يصفقون، مع علم الجميع أنّ ما يرونه أمامهم ليس سوى سحر.

كنّا ننتظر الساحر ميكي كما لو كان آتياً من بلاد العجائب، وقد أتانا مرّة وأدخل البهجة إلى قلوبنا الطرية. لكن اليوم، مع خبر وفاته الذي انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي، تنبّهنا إلى أنّ السحر مات قبل الساحر بسنوات طويلة. وأنّ البلاد كلّها تحولت إلى بلاد عجائب

وتزامن خبر موت ميكي الفعلي بمرض كورونا أمس الأوّل مع خبر آخر بمثابة سحر جديد من أسحار بري، مفاده أنّ “رئيس المجلس بادر إلى الطلب من وزير الصحة العامة تحويل المستشفى الميداني القطري من صور إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي أو إلى المدينة الرياضية”. واذ يبدو الخبر للوهلة الأولى كأنّه بالذات “فايك نيوز”، إذ كيف لبرّي أن يطلب التصرف بالهبة القطرية ومن وزارة الصحة، يقودنا التدقيق في الخبر – الساحر، إلى إيجاد بيان رسمي من وزارة الصحة بهذا الخصوص نشرته الوكالة الوطنية للاعلام. ينصاع وزير الصحة لطلبات رئيس مجلس النواب، كما لو كان مسحوراً، لا يناقش ولا يجادل. وقد احتجزت الهبة القطرية في المدينة الرياضية ريثما يحسم الساحر قراره  في الوقت المناسب.

إقرأ أيضاً: “تسريب” قصر بعبدا: ابحثوا عن إميل لحود

مات الساحر ميكي، الذي كان يعمل نهاراً سائق أجرة ليعيل عائلته، ويذهب في الليل ليحوّل بخفة يديه دهشة الناس في بيوتهم عبر الشاشة الصغيرة إلى بعض مال يساعده على تجاوز الحياة التي تقهقه كساحرة شمطاء طائرة على مكنسة. لم يؤمن له سحره ثروة، ولم تخدمه خفته ليستفيد من هندسات مالية كما فعل ساحر البنك المركزي، ولا ليخفي أموال المودعين بين ليلة وضحاها كما فعل مشعوذو المصارف. كان أشبه بخادم نبيل في قصر فخم ومهجور، ومسروق بالكامل إلا من بعض الأثاث العتيق، لكنه كان لا يزال يحافظ على كرامته، كشمعدان مذهّب، يغطّيه بمنديله كما لو أنّه يمسح عنه الغبار، ليحوّله إلى حمامة، والحمامة روح ترفرف من نافذة القصر، وتبتعد بعيداً في فضة ضوء القمر.

مواضيع ذات صلة

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…

كنّا نخاف منه وصرنا نخاف عليه

قبل عام 1969 كان العالم العربي والإسلامي يتدافع نحو أخذ صورة مع جمال عبدالناصر، ثمّ بعد العام نفسه صار العرب والمسلمون ومعهم عبدالناصر يتدافعون للوقوف…

دعاية “الحزب” الرّديئة: قصور على الرّمال

لا تكفي الحجج التي يسوقها “الحزب” عن الفارق بين جنوب الليطاني وشماله للتخفيف من آثار انتشار سلاحه على لبنان. سيل الحجج المتدفّق عبر تصريحات نوّاب…

معايير أميركا: ملاك في أوكرانيا.. شيطان في غزّة

تدور حرب ساخنة في كلّ من أوروبا (أوكرانيا)، والشرق الأوسط (غزة – لبنان). “بطل” الحرب الأولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و”بطل” الحرب الثانية رئيس الوزراء…