“انفجار صغير في نيودلهي، سُمعَ دويّه في واشنطن”. هكذا يُمكن وصف الانفجار الذي وقع الأسبوع الماضي قرب السّفارة الإسرائيلية في العاصمة الهندية “نيودلهي”.
رُغمَ أنّ المُستهدَف كان السّفارة الإسرائيليّة، بسبب وقوع الانفجار قربها جغرافيًا، إلّا أنّ الرسالة من وراء التفجير الذي وقعَ عند الساعة 5 من بعد الظهر بتوقيت الهند، بعد مغادرة موظفي في السفارة وخلوّ الشارع من المشاة حتّى، كان المُراد أن تسمعها “الإدارة الجديدة في واشنطن” بالدّرجة الأولى.
كان واضحًا في الهجوم أنّ الهدف منه لم يكن إيقاع خسائر بشريّة أو حتّى ماديّة ذات قيمة، خصوصًا أنّ مقرّ السّفارة الإسرائيليّة في نيودلهي بعيدٌ نسبيًّا عن الشّارع العام وهذا ما يُصعّب استهدافها بشكلٍ مباشر عبر عبوّة أو سيارة مفخخة. وكان لافتًا أيضًا تزامن التفجير مع اكتشاف “صندوق بلاستيكي يتدلّى منه خيط” تحت سيّارة المُلحق العسكري في السّفارة الإسرائيليّة في العاصمة الفرنسيّة باريس.
الرسالة من وراء التفجير الذي وقعَ عند الساعة 5 من بعد الظهر بتوقيت الهند، بعد مغادرة موظفي في السفارة وخلوّ الشارع من المشاة حتّى، كان المُراد أن تسمعها “الإدارة الجديدة في واشنطن” بالدّرجة الأولى
الوقائع والتحليلات حول طبيعة الانفجار تشير إلى ضلوع “قوّة القدس” في الحرس الثّوري الإيراني في تمرير الرّسالة التي تزامنت مع تولّي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد السّلطة في واشنطن. وفي هذا الإطار، يلحظ بعض المراقبين ما يلي:
أوّلًا: العثور على رسالة قرب موقع التفجير تذكّر بمقتل قاسم سليماني وفخري زاده، بلهجة تهديد وتلميح إلى أنّ الانفجار هو البداية لسلسلة هجمات.
ثانيًا: تطابق أسلوب الهجوم مع هجمات سابقة استهدفت دبلوماسيين إسرائيليين في أذربيجان، والهند، وتايلاند، وقبرص، كردٍّ على عمليات اغتيال علماء نوويين إيرانيين اتُهِمَت تل أبيب لتنفيذها. كما تمّ توقيف العديد من منفّذي هذه الهجمات، بينهم إيرانيون، كما هو الحال في تايلاند، التي أطلقت سراحهم في وقتٍ لاحق في إطار صفقة تبادل أسرى مع إيران.
ثالثًا: النّفوذ الإيراني داخل الهند التي تضمّ ثاني أكبر تجمّع للشيعة في العالم (40-50 مليون). ما يُشكّل أرضيّة سهلة لعمل الحرس الثّوري وقوّة القدس لتجنيد مُهاجمين.
رابعًا: سلسلة هجمات عام 2012 نُسبَت لـ”قوّة القدس”، وكان للهند نصيبٌ منها بهجوم أصيبت فيه زوجة مبعوث وزارة الدفاع الإسرائيلية في نيودلهي، بعدما أقدم سائق دراجة نارية على زرع عبوة صغيرة في سيارتهما.
تطابق أسلوب الهجوم مع هجمات سابقة استهدفت دبلوماسيين إسرائيليين في أذربيجان، والهند، وتايلاند، وقبرص، كردٍّ على عمليات اغتيال علماء نوويين إيرانيين اتُهِمَت تل أبيب لتنفيذها
يذكر هنا أنّ سلسلة هجمات 2012 قيل إنّ أكثرها اتسّم بالأسلوب “البدائي” أو “عمل الهواة”، وتضمّنت هجوم “مُنتجع بورغاس” الانتحاري الذي استهدف حافلة تقُلّ سيّاحًا إسرائيليين في بلغاريا أدّى إلى مقتل 5 منهم وإصابة 35 آخرين. المُفارقة أنّ هذا الهجوم لم يكن “من عمل هواة” على الإطلاق. وذكرت بعض التقارير أنّ جهاز العمليّات الخارجيّة في حزب الله يقف خلف الهجوم الذي نفّذه اللبناني محمد حسن الحسيني، إلّا أنّ القضاء البلغاري لم يتهم الحزب بشكلٍ مباشر لعدم كفاية الأدلّة.
إقرأ أيضاً: “داعش”.. العمل على استعادة شرعية ميليشيات إيران بالمنطقة
ورغم التصريحات الإيرانيّة “العالية السّقف”، لا يبدو أنّ طهران تريد إجهاض فرص “تصحيح مسار العلاقات” مع واشنطن مع وصول بايدن وفريقه الذي تُؤيّد أغلبيّته العودة إلى اتفاق 2015 النّووي مع إيران. وبحسب بعض المراقبين، فإنّ “الحرس الثّوري” وذراعه الخارجيّة “قوّة القدس” أرادا تمرير رسالتيْن لإدارة بايدن وثالثة لتل أبيب:
1- لا يزال لدى إيران القدرة على شنّ هجمات في إطار الرّد على “الحساب المفتوح” الذي يشمل اغتيال العالم النووي مُحسِن فخري زاده، وقد اتهمت طهران الموساد الإسرائيلي به. وكذلك اغتيال قاسم سليماني بضربة جويّة أميركيّة قرب مطار بغداد. إلّا أنّ المعنيين في طهران لا يريدون إحباط فرص العودة إلى الاتفاق النووي دون أي تعديل.
2- في حال لم يعد بايدن إلى الاتفاق النووي أو يرفع العقوبات غير المسبوقة التي فرضها الرئيس الأسبق دونالد ترامب، فإنّ قوّة القدس لن تتردّد بتشغيل أذرعها الهجوميّة في أي نقطة في العالم. وبكلمات أخرى: “المطالب أو الإنتقام”.
3- أمّا لتل أبيب، فقد أراد الحرس الثّوري أن يقول بطريقة غير مباشرة إنّ زمن الاحتماء بترامب قد ولّى. وأنّ أي هجوم يستهدف منشآت إيران النوويّة سيتم الرّد عليه بطرقٍ عنيفة في أي منطقة من العالم.