لم يجِد وزير الخارجيّة الأميركي السّابق مايك بومبيو، بعد تحديده ما عُرِفَ بـ”الشّروط الـ12″ لرفع العقوبات عن النّظام الإيراني، من يعترض عليها، على الرغم من واقعيّتها، سوى شخصٍ واحد اسمه “روبرت مالي”. وهو كان مساعد الرئيس السّابق باراك أوباما لشؤون الشّرق الأوسط، ويتّجه الرّئيس الجديد جو بايدن لتعيينه في منصب المبعوث الخاص إلى إيران خلفًا لـ”إليوت أبرامز” على الرغم من ظهور اعتراضات علنية على تعيينه في هذا المنصب.
ويوم شارك وزير الخارجيّة الإيراني مُحمّد جواد ظريف في الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدة في مدينة نيويورك الأميركيّة عام 2019، لم يجِد من “يُؤنس وحدته” من الأميركيين سوى “روبرت” الذي يعرفه جيّدًا منذ ما قبل التفاوض على اتفاق العام 2015.
روبرت مالي، سّوريّ الأصل، من أبٍ يهوديّ وأمٍّ أميركيّة، وُلد في مصر عام 1963. كان والده “سيمون” صحافيًا وكاتبًا باللغات العربيّة والفرنسيّة والانكليزيّة، عَمِل في جريدة الجمهوريّة المصريّة، ودَعَمَ حركات الاستقلال في دُوَل العالم الثّالث. عام 1952، وقفَ مولي الأب مؤيّدًا للرئيس المصري السّابق جمال عبد النّاصر، الّذي عيّنه لاحقاً ممثلًا لصحيفة “الجمهوريّة” في مدينة نيويورك.
أمّا والدته “باربرا”، فكانت في عِداد بعثة الأمم المُتحدة لجبهة التحرير الوطني الجزائريّة (FLN). التقت بزوجها سيمون في نيويورك، لينتقِلا بعدها إلى العاصمة الفرنسيّة باريس في 1969، حيث أسّس الأب مجلّة ” أفريكاسيا” ومجلّة أخرى تُعنيان بنشر تقارير من العالم الثّالث، الذي جمع الزّوجين، تدعم حركات التحرّر والاستقلال فيه.
روبرت مالي، سّوريّ الأصل، من أبٍ يهوديّ وأمٍّ أميركيّة، وُلد في مصر عام 1963. كان والده “سيمون” صحافيًا وكاتبًا باللغات العربيّة والفرنسيّة والانكليزيّة
نزعة الوالدين “المَشرقيّة” ومعادتهما لـ”الإمبرياليّة”، تركت أثرًا في ابنهما “روبرت” الذي يُعدّ من أبرز داعمي العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. فقد انتقد رئيس “مجموعة الأزمات الدّوليّة” (International Crisis Group) اغتيال قائد قوّة القدس في الحرس الثّوري قاسم سليماني. إذ اعتبر يومها أنّ ترامب “أشعل حربًا في الشّرق الأوسط”. وقبل أشهر قليلة، وبعد اغتيال الخبير النّووي مُحسِن فخري زاده، كسَر مالي الصّمت الأميركي -الّذي لم يأسف على الاغتيال – وقال: “سيجعل الاغتيال من الصّعب على خليفة ترامب استئناف الدبلوماسية مع إيران”.
كلّ “التطمينات” لأوروبا وأصدقاء الولايات المُتحدة التي أرسلها مُرشّحو بايدن إلى المناصب المعنيّة بالسّياسة تجاه طهران، من وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن وصولًا إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة ويليام بيرنز، كانَت لتكون فاعلة لولا خبر تعيين مالي مبعوثاً إلى طهران. وإلى حين تسلّمه المنصب وبدء عمله، يصعب تكهّن ما ستؤول إليه العلاقة مع طهران. فكأنّ وزير خارجيّتها محمّد جواد ظريف بات هو مبعوث بايدن إلى إيران.
عمله كمساعدٍ لأوباما لشؤون الشّرق الأوسط لم يكن منصبه السّياسي الوحيد، فالرّجل كان ضمن فريق عمل الرّئيس السّابق بيل كلينتون كمساعدٍ تنفيذي لمستشار الأمن القومي، وفي عام 1996 عُيّنَ مساعدًا خاصًا لكلينتون لشؤون العلاقات الإسرائيليّة – العربيّة. ومع انهيار مفاوضات السّلام التي رعتها إدارة كلينتون، وقف مالي، الذي كان من المشاركين فيها، مُعترِضًا على قول رئيسه بأنّ فشل المفاوضات يتحمّله “أبو عمّار” الذي لم يستطع تقديم عرضٍ مضادّ.
كلّ “التطمينات” لأوروبا وأصدقاء الولايات المُتحدة التي أرسلها مُرشّحو بايدن إلى المناصب المعنيّة بالسّياسة تجاه طهران، من وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن وصولًا إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة ويليام بيرنز، كانَت لتكون فاعلة لولا خبر تعيين مالي مبعوثاً إلى طهران
عام 2008، تسبّب روبرت مالي بالإحراج للرئيس باراك أوباما بعد لقائه بمسؤولين من حركة “حماس” التي تُصنّفها واشنطن كمنظّمة إرهابيّة، فتمّ استبعاده من “باب” الحملة الانتخابيّة التي كان يُقدّم لها المشورة، ليدخل عام 2014 من “شبّاك” البيت الأبيض مُتصدّرًا فريق أوباما، ككبير مستشاريه لشؤون الأوسط.
صداقات مالي “المُمانِعَة” لا تقف عند جواد ظريف أو حماس، فالجولة على تاريخ الرّجل وصداقاته تُظهرُ جليًا علاقاته بالعديد من أقطاب النّظام السّوري وفي مقدّمتهم بشّار الأسد الذي استقبله يومًا عام 2009 في “قصر الشّعب”، كما ربطته علاقة “صداقة” بسفير النّظام في واشنطن عماد مصطفى. وتذكر تقارير أنّ صديقه الدبلوماسي الخبير بشؤون الشّرق الأوسط فيليب غوردن والذي عُيِّنَ مؤخّرًا مستشارًا لنائبة الرئيس كامالا هاريس لشؤون الأمن القومي، كان يكتب طيلة المُدّة الماضية مقالات تدعو العالم إلى قبول “حقيقة” بقاء الأسد وضرورة التعامل معه. كما “حارب” مالي وغوردن كتفًا إلى كتف في إدارة أوباما لجعل الأولويّة قتال “داعش” في سوريا وتأجيل البحث بموضوع “الإطاحة” ببشّار الأسد.
إقرأ أيضاً: رجل بايدن في الشرق الأوسط “بولدوزر”: يكره إيران والأسد وأردوغان.. ويحبّ السعودية
سيرة مالي “السّياسيّة”، دفعت 12 من الرهائن السابقين لدى النّظام الإيراني إلى توقيع عريضة احتجاجيّة إلى مُرشّح بايدن لوزارة الخارجيّة أنتوني بلينكن يطلبون منه عدم تعيينه كمبعوث خاصّ إلى إيران، مؤكّدين في رسالتهم أنّ تعيينه “سيرسل إشارة مخيفة إلى الديكتاتورية في طهران بأنّ واشنطن تركّز فقط على العودة للاتفاق النّووي، وتجاهل الإرهاب الإقليمي والجرائم المحلية للنّظام الإيراني ضدّ الإنسانية”، وأنّه يُرسل “إشارة إلى الشّعوب في إيران وسوريا والعراق ولبنان، الذين يتعرضون للقمع من قبل النظام الإيراني ووكلائه، بأنّ إدارة بايدن لا تهتم بحقوقهم الإنسانية.” كما جاء في الرّسالة.
مُحمّد جواد ظريف نفسه لن يصدّق كلام بلينكن عن “العودة الصّعبة والشّروط الجديدة” للاتفاق النّووي مع إيران ما دام روبرت مالي مبعوثًا خاصًّا إلى إيران.