تعلّم مُرشّح الرئيس المُنتخب جو بايدن لمنصب مُدير وكالة الاستخبارات المركزيّة (CIA) نائب وزير الخارجية السّابق والدّبلوماسي المُخضرم وليام بيرنز المعروف بـ”بيل” خلال مسيرته المهنية أنّ الدبلوماسيّة أحد أهم وأكبر أصول الدّولة وأفضل أسرارها المحفوظة. وكلامه هذا سابق على معرفته بتعيينه على رأس وكالة الاستخبارات الأكبر في العالم: الـCIA.
“وعلى الرّغم من حالة الدبلوماسية المزرية في عصر الرئيس دونالد ترامب، فإنّها دائمًا ما كانت أهم أداة تأثير في فرض النفوذ الأميركي. وإعادة ولادتها حاسمة في تأسيس استراتيجية جديدة لأجل قرنٍ جديد، مملوء بالمخاطر، وحتّى بوعود وآمال أكبر لمصلحة الولايات المُتحدة“. بهذه الكلمات التي تختصر الطريقة التي يُفكّرُ فيها، وأسلوب العمل الذي يُحبّذه، يختتم بيرنز مُقدّمة كتابه “القناة الخلفيّة” (The Back Channel) الصّادر عام 2019.
وقد رافقه الحظّ، بأن انكشف انخراط منافسه على المنصب، القائم بأعمال الوكالة مايكل موريل، في برنامج تعذيب سّري. ما رفع حظوظه لينال ترشيح “سيّد البيت الأبيض الجديد”، بعد “الفيتو” عل موريل من كبار الديمقراطيين في مجلس الشّيوخ. وزاد حظوظ بيرنز أيضًا الهيمنة الديمقراطيّة على المجلس التي شكّلت صدمة للمراقبين بحسم ولاية جورجيا الجمهوريّة الهوى، إلّا أنّ بايدن تنفّس الصّعداء بتمرير ما أراد من تعيينات بعيدًا عن العراقيل الجمهوريّة التي كانت يتوقّعها.
اللافت أنّه لن يكون من الحاضرين مباشرة في مجلس الوزراء كما ذكرت شبكة CNN قبل يومين، إذ سيرفع تقاريره إلى أفريل هينز، التي عيّنها بايدن لإدارة “المخابرات الوطنيّة”. وقد كشف مصدر أميركي لـ”أساس” أنّه جرت العادة أنّ يُمثّل مدير المخابرات الوطنيّة(Director of National Intelligence) مجتمع الاستخبارات الأميركية (IC) في المجلس. في حين أنّ بيرنز قد يُرسِل تقاريره مباشرة إلى رئيس الولايات المتحدة في الحالات الاستثنائية أو بناءً على طلب الرّئيس. كما كان الحال بين الرئيس السّابق جورج بوش الابن، وبين مدير الـCIA حتّى عام 2004 جورج تينيت.
تعلّم مُرشّح الرئيس المُنتخب جو بايدن لمنصب مُدير وكالة الاستخبارات المركزيّة (CIA) نائب وزير الخارجية السّابق والدّبلوماسي المُخضرم وليام بيرنز المعروف بـ”بيل” خلال مسيرته المهنية أنّ الدبلوماسيّة أحد أهم وأكبر أصول الدّولة وأفضل أسرارها المحفوظة
وسيرة بيرنز لا تكتمل من دون استرجاع لقائه بالرئيس السّوري بشّار الأسد قبل عامٍ من اندلاع الثّورة السّوريّة. فهو كان من روّاد فكرة الانفتاح على سوريا. وعمل جاهدًا لتعيين روبرت فورد سفيرًا لبلاده لدى دمشق. ووقف من داخل قصر المهاجرين ليقول: “تعيين فورد إشارة واضحة تُبيّن أنّ الولايات المتحدة مستعدة لتحسين علاقتها مع سورية والتعاون معها لإحلال سلام عادل وشامل بين العرب وإسرائيل، ونعمل بجدّيّة لتحقيق السّلام العادل والشّامل في المنطقة بين العرب وإسرائيل لتحقيق سلام واستقرار إقليمي على جميع الصّعُد“.
وقد خرجَ وزير الدّفاع الإسرائيلي يومها إيهود باراك بعد تصريح بيرنز ليقول: “على الرّئيس السّوري بشّار السّادات (كُنيَة الرئيس المصري الرّاحل أنور السادات) الجلوس إلى طاولة المفاوضات بأسرع ما يمكن، وكلّنا نعرف ما هو موضوع على الطاولة، والتوقيت هو الآن”، وتابع: “لا حاجة إلى الانتظار 10 أو 20 عاما أو لحدوث حرب أخرى“.
بيرنز المخضرم شهد على نهاية الحرب الباردة، وانهيار جدار برلين. ولعب دورًا بارزًا في إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط. فقد كان في عِداد وفد جيمس بيكر الذي مهّد لانعقاد مؤتمر مدريد عام 1991. كما أنه “شاهدٌ” على اليقظة الرّوسيّة، إذ شغل منصب سفير بلاده في موسكو عام 2005، بعدما عمل ضمن فريق السفارة نفسها في بداية تسعينات القرن الماضي.
كذلك عاصر بيرنز بوش الأب أيّام مؤتمر مدريد، وشهد في عهد الابن هجمات 11 أيلول وغزو أفغانستان في 2001، وغزو العراق والإطاحة بنظام صدّام حسين بعدها بعامين. وكان رؤوياً حين حذّر إدارة جورج بوش من أنّ انهيار المؤسسات الأمنية والعسكريّة في العراق والصّراعات الطائفية فيه سينتهي باستفادة إيران من الأوضاع. وكذلك في عهد أوباما، شهد انطلاقة “الربيع العربي” بحُلوِهِ ومُرِّه، ليختتم مسيرته الدّبلوماسيّة بدور بارز في المفاوضات السريّة حول الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 عندما كان نائبًا لوزير الخارجيّة.
بيرنز المخضرم شهد على نهاية الحرب الباردة، وانهيار جدار برلين. ولعب دورًا بارزًا في إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط
يحمل مُرشّح بايدن لإدارة الـCIA شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد، إضافة إلى بكالوريوس في التاريخ من جامعة لاسال. ويجيد العربية والرّوسيّة والفرنسيّة. وكان سفيرًا لبلاده لدى الأردن بين عامي 1998 و2001. وشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى 4 سنوات بين 2001 و2005.
“الولايات المُتحدة في عهد الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيّته جيمس بيكر كانت في قمة نفوذها، والدبلوماسية التي هي مفتاح حلول الأزمات كانت في أوجها. أما الآن، فقدرة الدبلوماسية الأميركية على تحقيق الحلول تراجعت بنسبة كبيرة كما تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم“. هذه العبارة هي مقطع آخر من تمهيد كتاب مذكّرات بيرنز “القناة الخلفيّة” (The Back Channel).
إقرأ أيضاً: رايبرن لـ”أساس”: قريباً لبنانيّون على لوائح “قيصر”
يشير عنوان الكتاب إلى أنّ الرجل الذي خدم في السّلك الدبلوماسي الأميركي طيلة 33 عامًا، لعب “أدوارًا سريّة وعلنيّة” في مهامٍ أوكلت إليه تحت قيادة 5 رؤساء أميركيين جمهوريين وديمقراطيين و10 وزراء خارجيّة، ليس آخرها قيادته المفاوضات مع إيران التي أفضت إلى توقيع اتفاق 2015 بينها وبين دول مجموعة 5+ ألمانيا.
يُعرَف ويليام بيرنز بإخلاصه وذكائه وحنكته. هو الآتي من “عالم الدّبلوماسيّة”، مهامه العديدة كـ”مبعوثٍ سرّيّ” جعلت منه شخصيّة مُناسبة ليَدخل عالم الاستخبارات من أوسع بابٍ في العالم. وشكّل اختيار بايدن لتلميذ “جيمس بيكر” في الخارجية و”كولن باول” في مكتب الأمن القومي، مفاجأة، بعدما كان فريقه الانتقالي يدرس خيارات عديدة من داخل الوكالة نفسها.
وبالنّظر إلى طبيعة وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركية التي تعمل على الثقة الشخصية، فإنّ ويليام بيرنز يُعتبر خيارًا مناسبًا. ويُنظر إليه على أنّه أفضل موظف في الخدمة الخارجية بين نظرائه من أبناء جيله. وبصفته مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزيّة “سينام الشّعب الأميركي بهدوء”، قال بايدن أثناء إعلان ترشيحه بيرنز كأوّل دبلوماسيّ يتبوّأ هذا المنصب.