يجمع وزير الصحة حمد حسن في خلفيته الاجتماعية والمهنية عنصرين يفترض، إذا ما اجتمعا في شخص واحد، أن يشكّلا تركيبة كيميائية متجانسة لمبدأ “المسؤولية”. وعلى الغالب، فكّر من اختار (من “حزب الله”) حمد حسن على عجل لإسناد وزارة الصحة إليه في حكومة حسان دياب، في هذه الخلطة: هو طبيب متخصص في المختبرات يعمل في المجال منذ سنوات طويلة، وهو إلى ذلك ترأس بلدية مدينة بعلبك، ثم اتحاد البلديات. والطبّ والعمل في المختبرات، إلى العمل البلدي، جديران بأن يجعلا من حمد حسن مرشحاً “مثالياً” لوزارة الصحة العامة، وما كان ليجد من سمّاه للمنصب أفضل منه ليكون في حكومة عنوانها “التكنوقراطية”، فالرجل يفترض أن يكون معجوناً في قالب “تكنوقراطي”.
والتكنوقراطيون كما يعرّفهم داريوش شايغان، وهو باحث وكاتب إيراني وأستاذ في جامعة طهران (توفي في العام 2018)، في كتابه “النفس المبتورة” (صادر عن دار “الجديد”) “لاشخصيون، محايدون، يرمزون إلى الوظيفة المجرّدة من كل تضمين شخصي”. ويمثل التكنوقراطيون بحسب شايغان “عقلاً أداتياً”، وهذا لا يعني أنّ التكنوقراطي ليس مسيساً، “بل إنّ خصوصية وظيفته تعفيه من اتخاذ مواقف، إذ يمكن أن يستعمله هذا النظام السياسي أو ذاك”، ويتعيّن عليه أن يكون “فعالاً، مفيداً، ومنتجاً من الناحية البنيوية، وهذا كلّ ما في الأمر”. أما أحواله النفسية، يتابع شايغان، وأبعاد شخصيته النفسية والثقافية، أو السياسية، “فلا تدخل أبداً في الحسبان”.
الطبّ والعمل في المختبرات، إلى العمل البلدي، جديران بأن يجعلا من حمد حسن مرشحاً “مثالياً” لوزارة الصحة العامة، وما كان ليجد من سمّاه للمنصب أفضل منه ليكون في حكومة عنوانها “التكنوقراطية”، فالرجل يفترض أن يكون معجوناً في قالب “تكنوقراطي”
ولا نعرف إذا كان من اختار حمد حسن لتولّي حقيبة الصحة في حكومة حسان دياب قد فكّر بهذا التعريف. لكنّ السيرة الذاتية للرجل توحي بأنّه يصلح لمثل هذا الدور، لولا أنّه ما إن تولّى المنصب، حتّى انقلب على سيرته الذاتية وعلى تعريف التكنوقراطية وذهب بعيداً في اتّخاذ مواقف تؤكد وجهة “استعماله” من قبل جهة سياسية واحدة، هي الجهة التي أتت به ليمثلها في الحكومة. وبدأت مع الوقت أحواله النفسية، وأبعاد شخصيته النفسية والثقافية، تظهر على الملأ في تصرفات لا توحي أبداً باتّزان على مستوى تجريد وظيفته من كل تضمين شخصي. بل إنّ سلوكه راح يوحي بأنّ “أناه” أضخم من وظيفته، وبأنّ رغبته في الظهور كبطل مرفوع على الأكتاف، حاملاً سيف النصر، تتجاوز دوره الذي يتطلب أن يكون “لاشخصياً ومحايداً”، بحسب معايير التكنوقراطية سابقة الذكر. وهو بدل أن يخفي ميولَه السياسية، كما يستدعي دوره التنوقراطي المفترض، ذهب بعيداً في الاحتفال بعيد ميلاد المرجعية السياسية التي سمّته، فكسر معايير التباعد الاجتماعي والإقفال العام، ليقطع بسيف التسييس قوالب حلوى في عيد ميلاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وراح يتحدث في غير مقابلة تلفزيونية بلغة طائفية، محمّلاً طوائف دون أخرى مسؤولية تفشّي المرض، في تغليب للغريزة الطائفية اللبنانية على “العقل الأداتي” الذي يفترض به أن يمثّله في موقعه التقني جداً، خصوصاً في ظلّ جائحة كالتي تواجه الكرة الأرضية قاطبة.
إقرأ أيضاً: كيف نكمل حياتنا بلا دلع… يا وزير الصحّة؟
وبدل أن يكون حمد حسن فعّالاً ومفيداً ومنتجاً من الناحية البنيوية، وبدل أن يكون قدوةً للناس، انزلق إلى أداء متهوّر وغير مسؤول، ينقل صورة سيئة إلى الناس الذين ينهاهم الوزير عن خلقٍ ويأتي بمثله. فهو بالتزامن مع توبيخه الناس على لامسؤوليتهم في خرق إجراءات التباعد الاجتماعي وعدم التجمّع في أماكن مغلقة، خرجت صورته الشهيرة الأخيرة في غداء مكتظّ في أحد المنازل، ليتحوّل، كما في حالة الرقص بالسيف وقطع قوالب الحلوى، إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل الإجتماعي.
هو بدل أن يخفي ميولَه السياسية، كما يستدعي دوره التنوقراطي المفترض، ذهب بعيداً في الاحتفال بعيد ميلاد المرجعية السياسية التي سمّته، فكسر معايير التباعد الاجتماعي والإقفال العام، ليقطع بسيف التسييس قوالب حلوى في عيد ميلاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله
وتكفي إطلالة بسيطة على حساب حمد حسن على تويتر للتيقن من أنّ الرجل يغلّب اللغة الشعرية المفتعلة والشخصية على اللغة التقنية العلمية والمجرّدة. ومضامين ما يكتب ويقول تظهر بوضوح جوعاً كبيراً لديه إلى الشهرة والمديح و”التهييص”، فضلاً عن رغبة كبيرة في الاستعراض وغروراً لا يداريه، بل يظهر على ملامح وجهه حتّى وهو يضع الكمامة!