يكاد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن يكون الصوت الوحيد المسموع في متابعة الملفات الوطنية الساخنة ومن بينها ملف تشكيل الحكومة الجديدة. ليست هناك مرجعية روحية أو زمنية تواصل بلا كلل متابعة هذه الملفات، ما يضعها في دائرة الإنفراد، لكن هناك تقارير تتحدث عن خطر استفراد هذه الشخصية التي تحمل على عاتقها أخطر الأدوار في بلد صار مصيره صنو الأخطار.
أوساط متابعة وخبيرة وذات صلة بدوائر ديبلوماسية، لفتت إلى أنّ ملف تشكيل الحكومة الجديدة صار الآن عالقاً بين طرفين داخليين هما: رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري والبطريرك الماروني من جهة، ومن جهة ثانية رئيس الجمهورية ميشال عون و”حزب الله”. وبحسب هذه الأوساط، لا قدرة لأيّ من هذين الطرفين على كسر الحلقة المفرغة وحسم ملفّ التأليف الحكومي، والتعادل السلبي مؤشر إلى أنّ أزمة التأليف طويلة، ما لم يطرأ تطوّر خارجي يملك التأثير الكافي كي يزيل العوائق.
أوساط متابعة وخبيرة وذات صلة بدوائر ديبلوماسية، لفتت إلى أنّ ملف تشكيل الحكومة الجديدة صار الآن عالقاً بين طرفين داخليين هما: رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري والبطريرك الماروني من جهة، ومن جهة ثانية رئيس الجمهورية ميشال عون و”حزب الله”
الكلام عن دور فرنسي متّصل بدور حاضرة الفاتيكان لم يحقّق المرتجى المطلوب. وعودة هذا الدور المشترك لم تظهر معالمه، على الأقل علانية حتّى الآن. لكنّ ذلك لم يمنع الأوساط المشار إليها آنفاً من القول إنّ لبنان الذي ينحدر بلا توقف نحو قعر جديد من الانهيار، لن يكون على لائحة اللامبالاة الدولية وتحديداً الأوروبية، مهما بدا أنّ هناك تهميشاً للاهتمام الخارجي بأحواله. فالمعلومات حول انطلاقة مرحلة جديدة من التدخل الفرنسي – الفاتيكاني لفتح مسارب الحلول المسدودة الآن، ترتبط بالمواقف التي يجري الإعلان عنها في لبنان وبالتحديد على لسان البطريرك الراعي.
الراعي أطلّ الأحد بعظّة غير تقليدية، قال فيها إنّ “رئيس الجمهورية والرئيس المكلف قادران على اتّخاذ هذا القرار المسؤول والشجاع إذا أبعدا عنهما الأثقال والضغوط، وتعاليا عن الحصص والحقائب، وعطّلا التدخلات الداخلية والخارجية المتنوعة، ووضعا نصب أعينهما مصلحة لبنان فقط”. ولو جرى توصيف كلام البطريرك بأنّه من منطلق داخلي بحت لواجه ردّاً من قبيل ما آلت إليه مبادرة سيد بكركي في آخر أيام العام المنصرم حين وضع ثقله من أجل دفع الرئاسة الأولى إلى فكّ أسر تأليف الحكومة بالتعاون مع الرئيس المكلف. لكنّ هذه المبادرة، كما هو معروف، لم تصل إلى برّ الحلول لأسباب صارت معروفة أهمها شروط قصر بعبدا التي تحمل مطالب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل والمدعومة إلى أقصى الحدود من “حزب الله”.
تتحدّث المعلومات عن إمكانية أن تتحوّل المبادرة الفرنسية – الفاتيكانية المشتركة إلى مبادرة أوروبية ذات ثقل وازن إقليمياً ودولياً وتمتلك أدوات ضغط تصل إلى مجلس الأمن إذا ما لزم الأمر، كي تتوفّر للبنان مظلّة واقية من التأثيرات المدمّرة للمواجهة الإيرانية – الأميركية بعدما تسارعت خطى طهران في استخدام لبنان منصّة متقدّمة في هذه المواجهة.
في بداية هذا المقال ومن عنوانه ما يشير إلى “خطر ما” يكمن ضدّ الطرف الداخلي الذي يسعى إلى توفير عوامل نجاح التدخل الأوروبي لاحقاً في الأزمة اللبنانية. وتستعيد أوساط وزارية عبر “أساس” حقبة عاميّ 2004 و2005 التي شهدت تحوّلاً تاريخياً انطلق من قرار مجلس الأمن الرقم 1559 ومن حاضنته فرنسا جاك شيراك وأميركا جورج بوش الإبن، والذي تضمّن روزنامة إنهاء وصاية 30 عاماً من النظام السوري على لبنان. لكنّ الثمن الغالي جداً لهذا التحوّل كان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005.
صعود الرئيس الحريري إلى بكركي قبل أسابيع ليضع بين يديّ البطريرك أوراق تأليف الحكومة، لم يأتِ، بحسب المعلومات، معزولاً عن معطيات أوسع من مبادرة شخصية. ما يعني أنّ المسرح لم يعد محصوراً بثنائية عقيمة تكرّر لقاءاتها بين الرئيسيّن عون والحريري
هل من خطر مماثل اليوم، يتهدّد البطريرك الراعي الذي يقوم بدور الرافعة الحقيقية للحلّ الداخلي لأزمات لبنان؟
قبل الجواب، لا بد من الإشارة إلى أنّ صعود الرئيس الحريري إلى بكركي قبل أسابيع ليضع بين يديّ البطريرك أوراق تأليف الحكومة، لم يأتِ، بحسب المعلومات، معزولاً عن معطيات أوسع من مبادرة شخصية. ما يعني أنّ المسرح لم يعد محصوراً بثنائية عقيمة تكرّر لقاءاتها بين الرئيسيّن عون والحريري. في وقت لم يعد سرّاً أنّ طهران تريد إبقاء كل الأوراق الإقليمية بيدها، وأهمها ورقة لبنان، إلى أن تجلس لاحقاً هذه السنة إلى طاولة المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة التي ستقدّم العودة إلى الاتفاق النووي عربون افتتاح هذه المفاوضات.
لكن ماذا سيكون تأثير ذهاب هذه المفاوضات إلى ضرورة إنهاء الوصاية الإيرانية على لبنان، التي تكرّست رسمياً عام 2005 مع أفول الوصاية السورية؟
إنّه السؤال المفتاح الذي سيجيب على السؤال السابق: هل من خطر مماثل اليوم، يتهدّد البطريرك الراعي الذي يقوم بدور الرافعة الحقيقية الوحيدة للحلّ الداخلي لأزمات لبنان؟
إقرأ أيضاً: الراعي يشهر “الفيتو الماروني”: المثالثة نواجهها بالتقسيم
لا يمكن إلاّ القفز إلى استنتاجات مماثلة لسياق القرار 1559. لكنّ ذلك لا يمنع من الحديث عن أوجه شبه بين عام 2005 وبين ما يختزنه العام 2021. ولا مبالغة في القول إنّ الدور الإيراني المتضخّم في الأزمة اللبنانية وصل إلى حدّ خطير يماثل الأورام التي لا حلّ لها في الطب إلاّ الاستئصال كي لا تقضي على المريض.
وهنا، تصبح أدوار الرجال على قدر تأثيرها، وهو ما يضع البطريرك على لائحة الاهتمام الأقصى.