في العاشر من شهر كانون الثاني 2001 رحل الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين بعد معاناة مع المرض وبعد عودته من رحلة علاجية طويلة في باريس، وكان في قمة عطائه الديني والفكري والسياسي والاجتماعي، سواء في رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى او من خلال ما أصدره من كتب ودراسات وأبحاث فقهية، أو عبر دوره السياسي الفاعل على الصعد اللبنانية والعربية والإسلامية.
وآخر ما تركه لنا وصاياه للمسلمين الشيعة في لبنان والعالم العربي، التي طبعت لاحقاً في كتاب خاص صدر عن “دار النهار”، بإشراف نجله الوزير السابق المهندس ابراهيم شمس الدين. كما ترك العديد من المؤسسات الدينية والثقافية والإجتماعية التي ساهم في تأسيسها والإشراف عليها وأهمها الجامعة الإسلامية التابعة للمجلس الشيعي والجمعية الخيرية الثقافية التي تضم عدداً من المؤسسات المتنوعة.
تشكّل سيرة حياة الشيخ شمس الدين الفكرية والحركية والسياسية والدينية والحوارية نموذجاً مميّزاً لعلماء الدين الذي يتصفون بالفكر الموسوعي والذين يتركون بصمات هامة في أي مجتمع او دولة يتواجدون فيها، إضافة الى ميزة خاصّة تميّز بها شمس الدين وهي مواكبته المستمرّة للتطورات الفكرية والعلمية والمجتمعية والسياسية، وانعكاس ذلك على آرائه الدينية والفقهية. فقد كان يعمل على تطوير الأفكار التي يقدّمها ويحاول مواجهة الانغلاق ضمن بوتقة محدّدة، سواء كانت دينية أو سياسية او فقهية.
نذكر دعوته المسلمين الشيعة إلى أن “يندمجوا في أوطانهم وعدم الارتباط بمشاريع خارجها”. إضافة إلى أفكار وطروحات أخرى حول العنف والسلطة ودور المرأة ودور المسيحيين في لبنان والشرق، وكيفية الردّ على خيارات الأنظمة في التوجه إلى الصلح مع العدوّ الصهيوني وتبنّيه مشروع : “ضرورات الأنظمة وخيارات الأمة”
كما تميّز شمس الدين بآرائه الفقهية الجريئة التي واجه من خلالها آراء أخرى كانت تسيطر على الواقع الإسلامي عموماً والشيعي خصوصاً، ومنها طرحه مشروع “ولاية الأمة” في مواجهة مشروع “ولاية الفقيه” الذي تبّنته الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحركات الإسلامية والعلماء السائرون على نهجها.
كما نذكر دعوته المسلمين الشيعة إلى أن “يندمجوا في أوطانهم وعدم الارتباط بمشاريع خارجها”. إضافة إلى أفكار وطروحات أخرى حول العنف والسلطة ودور المرأة ودور المسيحيين في لبنان والشرق، وكيفية الردّ على خيارات الأنظمة في التوجه إلى الصلح مع العدوّ الصهيوني وتبنّيه مشروع : “ضرورات الأنظمة وخيارات الأمة”.
قد يختلف أي باحث او ناشط أو عالم مع الشيخ شمس الدين وأفكاره، وقد تؤدي الخلافات إلى صراعات سياسية أو فكرية أو حركية، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الهام الذي لعبه في تأسيس الحركة الإسلامية في العراق ولبنان وعدد من الدول العربية، أو في الدور السياسي والميداني والجهادي سواء برفقة الإمام موسى الصدر عبر تأسيس “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” و”أفواج المقاومة اللبنانية – أمل” و”حركة المحرومين”، أو متابعته هذه المسيرة في ظروف صعبة بعد اختطاف الإمام الصدر في ليبيا وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عامي 1978 و1982، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وما تركه كلّ ذلك من تداعيات سياسية وفكرية واستراتيجية على لبنان والمنطقة.
إقرأ أيضاً: الإمام محمد مهدي شمس الدين: “ولاية الأمّة” في مواجهة “ولاية الفقيه”
اليوم في الذكرى العشرين لرحيله نستذكر دوره ونتاجه الفكري والفقهي وتجربته المتنوّعة، ونحتاج مجدداً لإعادة قراءة كلّ هذه التجربة قراءةً نقديةً وموضوعية، والأهم أن نطرح السؤال التالي: من يمكن أن يملأ اليوم هذا الفراغ الكبير الذي تركه الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وأمثاله من العلماء والفقهاء الكبار الذين يلعبون أدواراً مركزية وهامة في مسيرة الشعوب والأوطان؟