كشف جدول أعمال القمّة “الأميركية – الإفريقية” الثانية، التي انعقدت في واشنطن واستمرّت ثلاثة أيام، عن أنّها مبادرة أميركية لإحداث توازن مع الدورين الصين والروسي في القارّة الإفريقية.
هدف التجمّع في العاصمة الأميركية إلى دفع الأولويّات المشتركة وتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، في محاولة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للتركيز على التجارة والاستثمار في إفريقيا، وتسليط الضوء على التزام أميركا بأمن إفريقيا وتطورّها الديمقراطي.
جاءت القمّة “الأفرو ـ أميركية” التي حضرها 45 من الزعماء الأفارقة، ومفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى جانب عدد من منظّمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بعد تصاعد حمّى المنافسة الأميركية مع كلّ من روسيا والصين على دخول القارّة السمراء، وبعد جولة إفريقية لوزير الخارجية أنتوني بلينكن في آب الماضي وكشفه النقاب عمّا سمّاه “سياسة أميركا الجديدة” نحو إفريقيا التي بموجبها ستسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية في مقدَّمها:
شهدت القمّة الثانية من نوعها أكبر مشاركة منذ تلك التي انعقدت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما واستضافت القادة الأفارقة عام 2014
ـ الانفتاح على المجتمعات الإفريقية.
ـ تقديم المكاسب الديمقراطية والأمنيّة، في معرض محاربة الإرهاب الداعشي الذي وصل إلى قلب القارّة السمراء.
ـ المساعدة على التعافي من آثار حقبة انتشار جائحة كورونا عبر خلق الفرص الاقتصادية.
ـ دعم الحفاظ على اعتدال المناخ والتكيّف معه والانتقال العادل للطاقة.
شهدت القمّة الثانية من نوعها أكبر مشاركة منذ تلك التي انعقدت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما واستضافت القادة الأفارقة عام 2014. وما يميّزها في هذه اللحظة السياسية أنّها جاءت لتنافس من حيث الحضور والفاعلية القمم الصينية المتنوّعة التي انعقدت في المملكة العربية السعودية وقمّة بغداد 2.
طرحت القمّة فرصاً وأسئلة على إدارة بايدن أكثر من تقديمها الحلول التي تبقى فرصة مُعلّقة، خصوصاً مع الوعود غير المضمونة التي قُدّمت للقادة الأفارقة، ومنها: دعم إفريقيا في حصولها على مقعد في مجلس الأمن الدولي وفي مجموعة العشرين، لسدّ فجوة الثقة مع القارّة السمراء، التي تفاقمت خلال عقود اتّسمت بالإحباط من السياسة الأميركية المترنّحة اتجاه إفريقيا.
مقابل الوعود الأميركية، لا يمكن بحالٍ من الأحوال إغفال اعتراف واشنطن بما يسمّيه خبراء أميركيون “المنافسة الساخنة” جرّاء التقدّم الصيني الناعم في القارّة والحضور الروسي الواضح اللذين تسبقهما معرفة أوروبية عميقة بشؤون وشجون القارّة السمراء.
الدوافع الأميركيّة نحو إفريقيا
أبرز دوافع أميركا إلى المسارعة إلى الحضور هو جعل المعمورة السمراء ساحة حرب ومنافسة ضدّ الصين أوّلاً، ومحاولة احتواء النفوذ الروسي الذي يتمدّد ثانياً. فالصين ترى القارّة مصدراً للموارد الطبيعية ومجموعة أسواق واسعة قابلة للاستثمار الاقتصادي وحتى العسكري، وهو ما يوفّر مزيداً من الملاءة وعناصر القوة لمشروع بكين الاستراتيجي “طريق الحرير”.
ما لا يمكن إغفاله في هذا السياق هو أنّ إفريقيا تتحكّم بمضيقَيْ باب المندب وجبل طارق. وهي مناطق مهمّة لحركة التبادل العالمي للسلع. لذا إذا أرادت أميركا قطع الطريق على روسيا والصين فعليها أن تواجههما، فالأمر يحتاج من واشنطن إلى خطة شاملة لا قمم ولقاءات استعراضية وكلاميّة.
وصفت الولايات المتحدة الأميركية في تقريرها الأمني الأخير الصين بأنّها الدولة الوحيدة الراغبة والعازمة والقادرة على منافستها بشكل متزايد
ليس مُغامرةً القولُ إنّه وفق المعطيات الراهنة يُمكن اعتبار الولايات المتحدة الاميركية متخلّفة عن اللحاق دبلوماسياً بالصين وروسيا في إفريقيا، حتى إنّها فشلت في حشد الدول الإفريقية في الجمعية العامّة للأمم المتحدة ضدّ روسيا لما للأخيرة من علاقات سياسية واقتصادية وصفقات تسلّح مع عدد من دول القارّة السمراء، إضافة إلى تعاون أمنيّ من أجل مكافحة الإرهاب تجلّى في وجود لوجستي متفرّق لوحدات من قوات “فاغنر” الروسية.
الاستراتيجية الأميركيّة الجديدة
وصفت الولايات المتحدة الأميركية في تقريرها الأمني الأخير الصين بأنّها الدولة الوحيدة الراغبة والعازمة والقادرة على منافستها بشكل متزايد، على المستويين العسكري والتكنولوجي وعلى المستويات التجارية والاقتصادية والدبلوماسية. لهذه الأسباب تسعى واشنطن إلى حرمان بكين من هذه الفرص المتنامية. ومن أجل ذلك تسعى إلى ما تسمّيه “الانغماس الدبلوماسي والعسكري” في الدول الإفريقية، وتحت عناوين مُصاحبة مثل: المساعدة على التمكين والتنمية المستدامة والمرونة الاقتصادية، إضافة إلى العمل على تعميق العلاقات التجارية والتحوّلات الرقمية.
المعوّقات الأميركيّة
في المقابل تواجه أميركا عراقيل عدّة. فهي لا تعتبر إفريقيا شريكاً استراتيجياً، ولم تضع معها أيّة خطة مشتركة، ولا تخصّص لها الأموال الداعمة. وهذا ما تفعله الصين. لذا تتعامل واشنطن مع إفريقيا على أنّها ساحة من ساحات الصراع والمنافسة مع النفوذ الصيني والنشاط الروسي.
وفي حين تدخل الصين إفريقيا بتاريخ أبيض وبلا أيّ ماض مريب وإرث ثقيل، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تتعامل معها تبعاً للحاجات الظرفية، لذا يبقى أيّ نجاح أميركي مستقبلاً مُعلّقاً بأمرين:
إقرأ أيضاً: الانقلاب الألمانيّ خطر “روسي” على أوروبا والعالم؟
– الأوّل، أن تعطي السياسة الخارجية الأميركية أفضلية متقدّمة للقارّة الإفريقية، وهي صاحبة خبرة عميقة في العلاقات الدولية وتتقدّم في هذا الميدان على الصين، سواء بالخبرة أو الحضور.
ـ الثاني، أن تتأثّر روسيا بشكل عميق بنتائج حربها في أوكرانيا، فتقلِّص بعضاً من اهتماماتها تاركةً فراغاً قد تنجح واشنطن في التسلّل عبره. أمام وقائع كهذه ينبعث السؤال التالي: هل تتبدّل الرؤية الأميركية الشاملة المتعلّقة بالقارّة الإفريقية؟