مع نهاية 2022، يبدو لبنان في سباق مع الوقت. إنّه بلد بين الموت والحياة وبات مستقبل المسيحيين فيه مطروحاً بعدما وضع الثنائي ميشال عون – جبران باسيل نفسه في تصرّف “حزب الله”، أي في تصرّف المشروع الإيراني في المنطقة.
لم يعد معروفاً هل لدى لبنان، بكلّ طوائفه، فرصة تسمح بتفادي تحوُّله إلى دولة فاشلة لن تقوم لها قيامة في يوم من الأيام… أم أنّ ثمّة شعاع أمل ما في مكان ما.
ماذا بقي من الجمهوريّة؟
لم يعد السؤال المطروح في لبنان هل يفيد انتخاب رئيس للجمهوريّة في شيء؟… بل أصبح السؤال هل بات الموضوع مرتبطاً بمصير الجمهوريّة؟ بكلام أوضح ألا تزال هناك جمهوريّة حتّى تكون حاجة إلى رئيس للجمهوريّة؟
قد تكون النقطة الإيجابية الوحيدة، التي سُجّلت في 2022، هي خروج ميشال عون وصهره جبران باسيل من قصر بعبدا. لم يخرجا عن طيب خاطر. خرجا فقط بسبب التحذيرات التي تلقّاها رئيس الجمهوريّة السابق بضرورة مغادرة قصر الرئاسة وإلّا فستُفرض عليه وعلى أفراد عائلته عقوبات دولية من كلّ حدب وصوب على غرار تلك العقوبات التي فُرضت على جبران باسيل بموجب قانون ماغنتسكي الأميركي، وهو قانون متعلّق بالفساد.
لا يمكن سوى البحث عن شعاع أمل للبنان. لا وجود لشعاع أمل من دون تغيير داخلي في إيران
الاسئلة الصعبة
عاد ميشال عون إلى بيته في الرابية، لكنّ الأسئلة التي خلّفها وجوده في قصر بعبدا مع صهره طوال ستّ سنوات بقيت مطروحة. أسئلة من نوع معيّن ومن عيار هل انتهى الوجود المسيحي الوازن في لبنان بعدما ربط الرئيس السابق مصيرهم بمصير “حزب الله”؟ إذا كان من سؤال حقيقي يفرض نفسه في المرحلة الراهنة فهو: أيّ مستقبل لمسيحيّي لبنان بعدما ارتضوا أن تكون إيران مَن يقرّر مَن هو رئيس الجمهوريّة الماروني؟
ليس الكلام عن الحوار الوطني، الذي يطرحه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وليس إصرار الحزب على “توافق” على اسم رئيس الجمهوريّة، سوى غطاء لنهج سياسي يعني بين ما يعنيه تغييراً جذرياً لطبيعة النظام في لبنان وفكرة لبنان في حدّ ذاتها. يقوم هذا التغيير على تكريس مبدأ أنّ إيران تختار للّبنانيين رئيس جمهوريّتهم بما يحمي مصالح أداتها اللبنانيّة، الميليشيا المذهبيّة التي تحكم البلد والتي ليست سوى لواء في “الحرس الثوري”.
أيّ لبنان سيبقى؟
تفادياً لقطع الأمل نهائياً من عودةٍ للبنان، ثمّة نقطتان من المفيد التوقّف عندهما. تتعلّق الأولى بما سيحصل في إيران في سنة 2023. هل يرحل الاحتلال الإيراني مثلما رحل الاحتلال السوري بعدما اكتشفت “الجمهوريّة الإسلاميّة” أن ليس في استطاعتها الاستمرار في مشروعها التوسّعي المستند أساساً إلى ميليشيات مذهبيّة من نوع “حزب الله”. لا هدف لمثل هذا النوع من الميليشيات سوى أن تكون أداة إيرانيّة لا أكثر، وذلك بغضّ النظر عن أيّ مصلحة لبنانيّة أو سورية أو عراقيّة أو يمنيّة من أيّ نوع. يظلّ أخطر ما في الأمر أنّ هذه الميليشيات ترفض لبنان وترفض تركيبته وفكرة التنوّع. الأهمّ من ذلك كلّه أنّها تعتبر لبنان المزدهر المرتبط بالعالم المتحضّر المتمثّل في الغرب تحديداً، أي لبنان الذي عرفناه، عدوّاً لها. المطلوب هو القضاء على هذا العدوّ بكلّ رموزه اللبنانيّة بدءاً بالجامعات المختلفة الوطنية والأجنبية والنظام التعليمي.
أمّا النقطة الثانية، التي من المفيد التوقّف عندها أيضاً، فهي تتعلّق بغياب أيّ قدرة لدى البلد على المقاومة بعد فقدان كلّ مقوّمات وجوده، بما في ذلك نظامه المصرفي الذي ستحتاج إعادة بنائه إلى عشرات السنوات. حتّى لو عادت الحياة إلى عدد من المصارف اللبنانيّة لن يوجد أيّ لبناني أو عربي أو أجنبي على استعداد لإيداع دولار واحد في أيّ مصرف لبناني. توجد أزمة ثقة عمرها عشرات السنوات. تحتاج استعادة هذه الثقة إلى سنوات طويلة… هذا إذا وُجدت طريقة لإحياء عدد من المصارف.
محكومون بالأمل
لا يمكن سوى البحث عن شعاع أمل للبنان. لا وجود لشعاع أمل من دون تغيير داخلي في إيران. يعود ذلك إلى أنّه لا يجوز تجاهل أنّ لبنان عانى وما زال يعاني من وجود السلاح غير الشرعي الذي هو في أساس أزمته المصيريّة الحاليّة التي تفجّرت على دفعات مع محطّتين أساسيّتين. كانت أولى المحطّتين وصول سليمان فرنجيّة الجدّ إلى موقع رئيس الجمهوريّة في عام 1970، والثانية انتقال مرشّح “حزب الله” ميشال عون إلى قصر بعبدا في آخر شهر تشرين الأوّل 2016. في المرحلتين الأدقّ اللتين مرّ فيهما لبنان في تاريخه الحديث، وجد من يختار له أسوأ مارونيَّين يمكن أن يكونا في موقع رئيس الجمهوريّة. لم يكن سليمان فرنجيّة الجدّ يعرف شيئاً عن التحوّلات المصيريّة التي كانت تشهدها المنطقة في عام 1970، بعد سنة من توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم وهزيمة الفدائيين الفلسطينيين في الأردن وموت جمال عبد الناصر… وصعود نجم حافظ الأسد ونظامه الأقلّويّ وطموحاته التي لا حدود لها.
في عام 2016 وبعد عشر سنوات على توقيع وثيقة مار مخايل، التي لم تكن سوى غطاء مسيحي لسلاح “حزب الله”، صار في لبنان رئيس للجمهوريّة بإمرة إيران. لا ينبس هذا الرئيس ببنت شفة عندما تسرق المصارف، بتفاهم مع الدولة، أموال المودعين. ممنوع على رئيس الجمهوريّة قول رأيه في تورّط “حزب الله” في الحرب على الشعب السوري… وعليه قطع الطريق على أيّ تحقيق دولي في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
إقرأ أيضاً: محنة الموارنة
في بلد حُرِم أهله من الكهرباء، لم يعد الموضوع موضوع الفراغ في رئاسة الجمهوريّة. الموضوع موضوعان: موضوع بقاء لبنان وموضوع مستقبل الوجود المسيحي فيه ودور المسيحيين في البلد. الواضح أنّ كلفة أخطاء المسيحيين، التي بدأت بقبول اتفاق القاهرة وانتخاب سليمان فرنجيّة الجدّ رئيساً للجمهورية، ولم تنتهِ بإيصال ميشال عون وجبران باسيل إلى قصر بعبدا، كبيرة، كبيرة جدّاً. ليس سهلاً أن يصير مستقبل لبنان مرتبطاً بما سيحصل في إيران حيث ليس معروفاً كم ستطول رحلة التخلّص من نظام استطاع تحويل بيروت إلى مدينة إيرانيّة على البحر المتوسّط!
لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@