عام عودة الشرق الأوسط إلى الواجهة

مدة القراءة 8 د

انقضى عام 2022 بكلّ ما حمل من جديد ومستجدّ. لم يكن كسابقَيْه. ففي عام 2020 شهد العالم وباء لم يكن له مثيل في ذاكرة الأجيال المتعاقبة التي تزخر بها البسيطة. ولم يكن مثل عام 2021 الذي شهد استفحال الجائحة ودشّن عهداً جديداً في الولايات المتحدة مع إدارة جديدة، وكشف حدثاً مهمّاً في حادثة الاعتداء على مبنى الكونغرس رمز الديمقراطية الأميركية في دولة هي رمز الديمقراطية في العالم، أو هكذا تحبّ أن تُعرف.

العام 2022 سيُعرف بعام التعافي من كوفيد 19. والتعافي ليس مصطلحاً صحّياً، بل هو اجتماعي وديني واقتصادي. فلقد عادت في هذا العام التجمّعات في الأفراح والأتراح. وعادت دور العبادة إلى سابق عهدها في عقد الصلوات والاحتفالات الدينية وإلى بهجتها الخالصة وغاياتها النبيلة من دون خوف ولا وجل. واقتصادياً بدأت سلاسل التوريد في التلاقي بعد فراق ومن دون عتاب رجوع العاشق إلى محبّه. وهكذا دبّ الأمل في أوردة القلوب ومهجها في عام التعافي.

العام 2022 سيُعرف بعام التعافي من كوفيد 19. والتعافي ليس مصطلحاً صحّياً، بل هو اجتماعي وديني واقتصادي

لكن لا بدّ للعالم أن يتكدّر على الرغم من بشائر الانتصار على فيروس كورونا ولو بعد حين. فقد قامت القوات الروسية باجتياح أوكرانيا في 22 شباط، واحتلّت مناطق متاخمة للحدود. وقد تسبّب الاجتياح بحرب لا هوادة فيها. والسبب يعود إلى تخوّف الرئيس فلاديمير بوتين من زحف دول الناتو إلى حدود بلاده، وتربّصها بروسيا لإيقاعها تحت نفوذ الحلف الغربي الذي طالما كان منافساً شرساً للاتحاد السوفيتي السابق. وكما تسبّب الغرب بتفكّك الاتحاد السوفيتي فإنّ الغرب بقيادة الولايات المتحدة عاقد العزم على إخضاع روسيا له.

أوكرانيا: ارتفاع الأسعار

كانت للحرب الأوكرانية آثار بعيدة على الاقتصاد العالمي مثلها مثل الجائحة. فقد تأثّرت أوروبا بارتفاع أسعار الطاقة في فترة حرجة تحاول فيها الخروج من الأزمة الكبرى المتعلّقة بالجائحة. حاول بوتين اللعب على ورقة الطاقة لزيادة الضغط على الدول الغربية. فيما سعت الدول الغربية إلى استنزاف روسيا عبر دعم أوكرانيا ومدّها بالسلاح والدعم اللوجستي والاستخباري. وفضلاً عن الطاقة، ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية بسبب توقّف صادرات أوكرانيا من الحبوب التي اعتمد عليها كثير من الدول. وما زالت الحرب تدور رحاها وتعرك عَركَ الرَحى بِثِفالِها، ولا أمل في نهاية قريبة.

الصين: تصاعد الخلافات

في عام 2022 شهد العالم تصاعد حدّة التنافس بين القطبين الكبيرين: الصين والولايات المتحدة. ويبدو أنّ الصين تتّجه إلى توسيع نفوذها الخارجي عبر مشاريعها العملاقة وفق مبادرة الحزام والطريق، وعبر توسيع استثماراتها في الدول النامية. وقد يكون صعود شي جين بينغ وتركيز السلطات في يديه مؤشّرين إلى الاستعداد للمرحلة المقبلة. ففي خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الأخير، الذي أُعيد فيه انتخاب الرئيس للمرّة الثالثة بعد إلغاء القانون الذي يحدّد للرئيس ولايتين رئاسيّتين فقط.

أميركا: العطب السياسي

على العكس من الصين، تزداد المؤسّسات الحاكمة في الولايات المتحدة عطباً على الرغم ممّا أظهرت من مرونة بعد الأزمة الدستورية في العام المنصرم. وعلى غير المتوقَّع حافظ الديمقراطيون على أغلبية في مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية، فيما فشلوا في تحقيق الأكثرية في مجلس النواب في مواجهة الجمهوريين. وقد كان لقرار المحكمة العليا الأميركية التي يسيطر عليها المحافظون إبطال قانون الإجهاض الذي استمرّ عدّة عقود أثرٌ في هذه الانتخابات الأخيرة. ولكنّ الساسة الأميركيين والمجتمع مصابون بشلل الانقسامات والاستقطاب الفظيع. ومع انتشار السلاح في الولايات المتحدة وتصاعد وتيرة أحداث العنف، بات مستقبل الولايات المتحدة في خطر.

كانت للحرب الأوكرانية آثار بعيدة على الاقتصاد العالمي مثلها مثل الجائحة. فقد تأثّرت أوروبا بارتفاع أسعار الطاقة في فترة حرجة تحاول فيها الخروج من الأزمة الكبرى المتعلّقة بالجائحة

بريطانيا: الرئيس “الهندي”

شهدت أوروبا أحداثاً كبيرة، ومنها استقالة حكومة بوريس جونسون والتخبّط في اختيار قائد لحزب المحافظين إلى أن رست الرئاسة على قائد أصبح أوّل رئيس وزراء من أصول هندية لبريطانيا. تربّع ريشي سوناك ذو الاثنين والأربعين عاماً على زعامة دولة أوروبية استعمرت بلده الأمّ لقرون. وفي فرنسا أُعيد انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون بعد تنافس مع مرشّحة الحزب اليميني المتطرّف مارين لوبان. ولكنّ اليمين الإيطالي ذا الجذور الفاشية حقّق نجاحاً بانتخاب جورجيا مِلوني لرئاسة الوزراء، وهي أوّل امرأة إيطالية تتولّى هذا المنصب.

الشرق الأوسط: عام العودة

في الشرق الأوسط المثقل بالهموم والأحداث، لم يكن عام 2022 استثنائياً بين ما سبقه من أعوام. ولكنّ أهمّ حدث هو إعادة الشرق الأوسط إلى قلب الأحداث الدولية. فبعد حرب أوكرانيا تصدّرت المنطقة الأخبار بصفتها أهم مصدّر للطاقة في العالم. وعلى الرغم ممّا أُشيع عن رحيل الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، إلا أنّ الرئيس الأميركي عاد إلى المنطقة لا للبكاء على أطلال النفوذ الأميركي بل لبثّ الدماء الجديدة في شريان العلاقات العربية-الأميركية والخليجية-الأميركية.

بيد أنّ المعضلة العصيّة على الحلّ هي الصراع العربي-الإسرائيلي، وخاصة الشقّ الفلسطيني منه. فهذا الصراع الذي دام قرناً ونيّفاً، ما يزال يراوح مكانه بل تعقّد أكثر. وعلى الرغم من الاتفاقات الإبراهيمية بين بعض الدول العربية وإسرائيل ودعوات السلام، تمادت إسرائيل عتوّاً ونفوراً، وظلّت تنتخب يمينيّين متطرّفين. ومع أنّ الحكومة التي كانت في السلطة تألّفت من يمين الوسط وخليط هلاميّ من الأحزاب الأخيرة، إلا أنّ الناخب الإسرائيلي اختار نتانياهو وأحزاباً أكثر تطرّفاً في الانتخابات الأخيرة.

إيران: عام القنبلة؟

يبدو أن لا أمل كبيراً في إيجاد مخرج للمواجهة بين إيران والدول الغربية في ما يتعلّق بالبرنامج النووي. فإيران لا تريد مناقشة قضايا مهمّة مثل دعم ميليشيات مسلّحة في الدول العربية تقوّض سيادة دول مثل العراق ولبنان واليمن، وتصرّ على أنّ برنامجها سلميّ مئة في المئة على الرغم من زيادة تخصيبها لليورانيوم إلى حدّ يسمح لها بإنتاج قنابل ذرية في فترة قصيرة، وعذرها في ذلك مثل عذر إسرائيل في الدعوة إلى السلام وبناء المستعمرات في الضفّة. فهي تحرّم إنتاج أسلحة نووية بموجب فتوى شرعية فيما الدلائل تشير إلى ما يناقض ذلك.

أهمّ حدث هو إعادة الشرق الأوسط إلى قلب الأحداث الدولية. فبعد حرب أوكرانيا تصدّرت المنطقة الأخبار بصفتها أهم مصدّر للطاقة في العالم

اليمن ولبنان: الدولي والإقليمي

أمّا الحرب في اليمن فمستمرّة بوتيرة أخفّ على الرغم من وقف إطلاق النار. لقد أصبح النظام الحوثي نظاماً شمولياً يُمذهِب النشء ويربّيه على عقائد جديدة ليست لها علاقة بواقع اليمن أو تاريخه. ويرسّخ أركان نظامه في محاولة للسيطرة على  اليمن وتحويله إلى نظام شبيه بالنظام القائم في إيران. ويتزايد التعقيد بسبب تدويل القضية اليمنية والتداخلات الإقليمية مع هذه القضية.

وحالة لبنان كما حالة اليمن يتداخل فيها الدولي والإقليمي مع المصالح الفئوية الداخلية. لم يستطع اللبنانيون إلى يومنا هذا انتخاب رئيس للجمهورية بسبب تضارب المصالح السياسية بين الفرقاء والتوجيهات التي تأتي من خارج الحدود. تشير حالة سوريا إلى التعافي النسبي، لكن ما زالت تعاني بسبب التدخّلات الإقليمية والدولية وسيطرة الميليشيات على أجزاء من البلاد.

العراق: التوافق بعد الصدام

في هذا العام توافق العراقيون على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني القريب من حزب الدعوة وإيران. ويبدو أنّ العراقيين في سبيلهم إلى تحقيق الوفاق على الرغم من العثرات التي أمامهم. وإذا ما دخلت المنطقة حرباً بسبب الملف النووي الإيراني فإنّ الأمل باستمرار المصالحة الوطنية سيتبدّد.

قطر: المونديال الأفضل

أمّا مسك الختام لعام 2022 فكان في الدوحة التي شهدت أفضل مونديال في تاريخ الفيفا. تبارت الفرق الوطنية من كلّ أصقاع العالم ومن مختلف المناطق الجغرافية والأديان والأعراق في عرس رياضي بحضور مشجّعي كرة القدم من جميع الملل والنحل الذين تجمعهم الأخوّة الإنسانية وحبّ الساحرة المستديرة.

إقرأ أيضاً: 2022: عام تفكُّك العالم

ومع الإنجازات العربية القليلة فقد أبلت الفرق العربية بلاء حسناً في كأس العالم. تفوّقت السعودية على الأرجنتين التي فازت بالكأاس في المباراة النهائية. وهزمت تونس الفريق الفرنسي الذي أصبح الوصيف في نهاية المونديال. أمّا المغرب فقد أقصى فرقاً كبيرة مثل إسبانيا والبرتغال ووصل إلى المربّع الذهبي، فكان أوّل فريق إفريقي وعربي يقطع هذا الشوط الكبير. استحقّ المغرب إعجاب محبّي الكرة في جميع أنحاء العالم. والأهمّ أنّ الفريق المغربي كان النقطة المضيئة في الواقع العربي الراهن.

عام مضى وعام جديد مقبل يحمل في بطنه الكثير من الاستحقاقات. نرجو من الله العليّ القدير أن يكون عام سلام وأمن للإقليم وللعالم. وكما التأم العالم في مونديال قطر يمكن أن يلتئم في أروقة السياسة ويحقّق الاستقرار والازدهار لجميع الدول. وكما قال الشاعر:

والليالي من الزمان حُبالى    مثقلات يلدن كلّ عجيب!

مواضيع ذات صلة

شينكر لـ”أساس”: الحزب قد “يَقتُل”.. عون هو الرئيس وبايدن أساء للسعودية

حاضر دائماً في التفاصيل اللبنانية. داخل الادارة الاميركية أو خارجها يبقى فاعلاً ومؤثراً إنّه ديفيد شينكر المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى. يعرفُ…

عام المرأة الإيرانية… ثورة نساء إيران: من الخميني إلى أدونيس والأسد

في نهاية عام 2022 يكون قد مرّ أكثر من مئة يوم على ثورة “المرأة، الحياة، الحرّية” المستمرّة في إيران. صحف، مجلّات، ومواقع صحافية إلكترونية عالمية…

فرنسا 2022: الفشل الكبير في “لبنان الكبير”

الفشل الفرنسي الكبير هو في “لبنان الكبير”. وهو فشل ملازم للسياسات الفرنسيّة منذ سنوات. فهي لا تحمل العصا، ولا تملك الجزرة. لنبدأ من الآخر. 1-…

رحلة الدولار مستمرّة صعوداً: 75 ألفاً نهاية 2023؟

تُظهر العودة إلى أرقام سعر الصرف في السنوات الثلاث المنصرمة أنّ الدولار كان يقفز كلّ سنة بين 17 و20 ألفاً، وهذا يعني أنّ وصول الدولار…