يبدو أنّ حزب الله قد سلّم أحد مطلقي النار على الآليّة التابعة للكتيبة الإيرلندية في قوات الطوارىء الدولية “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان. وذلك في سباق مع التحقيق الإيرلندي من جهة، وتحقيق اليونيفيل من جهة ثالثة. ويبدو أنّ الحزب يسابق الزمن لتقديم “تحقيق لبناني مقنع” يمنع استثمار الحادث سياسياً، بعدما “وصلت الرسالة” إلى من يعنيهم الأمر ومن يجب أن تصلهم الرسالة.
الحزب يصرّ على أنّ الحادثة “غير مدبّرة”، وترفض مصادر مقرّبة منه التعليق على إعلان قوات الاحتلال الإسرائيلي أنّها أسقطت طائرة مسيّرة له قبل يومين، في ما يبدو أنّه رفض لإعلان “الترابط” بين الحادثتين. فإن كانت الأولى “غير مدبّرة”، فماذا تكون الثانية؟
مصادر على صلة بالتحقيق لـ”أساس”: التحقيق اللبناني تقدّم وهناك موقوفون لدى الجيش ومطلوبون باتت أسماؤهم معروفة، وحزب الله متعاون ويريد أن يصل إلى نتيجة صلبة”
من ناحيتها، سعت “الدولة” اللبنانية إلى استيعاب خطورة سقوط قتيل من جنود قوات حفظ السلام الأمميّة، ومعالجة الحادثة بطرق سلميّة بعيدة عن إعادة الكلام عن قواعد اشتباك جديدة. أمّا حزب الله الذي طلب عدم إقحامه في ما حصل، فأتبع “القتيل” بـ”قلّة انضباط” على الحدود، حسب تعبير الإعلام الإسرائيلي تعليقاً على تزايد “المناوشات” على الحدود.
هذا وخرج أمس الأوّل التعليق الرسمي الأوّل للحزب، على لسان النائب علي فيّاض، الذي أكّد: “الحزب يريد الاستقرار الأمنيّ ليس فقط في الجنوب، ولا علاقة للحزب بالموضوع، والإشكال كان ابن ساعته”.
مصادر على صلة بالتحقيق قالت لـ”أساس” إنّ “التحقيق اللبناني تقدّم وهناك موقوفون لدى الجيش ومطلوبون باتت أسماؤهم معروفة، وحزب الله متعاون ويريد أن يصل إلى نتيجة صلبة”. وعلم “أساس” أنّ المحققيقن اللبنانيين استمعوا إلى الجنود الإيرلنديين. أما التحقيق الإيرلندي فاقتصر على الجنود الأمميين، “وإذا أرادوا التوسع لا يحقّ لهم التحقيق مع لبنانيين إلا بموافقة الحكومة اللبنانية”.
وتبيّن بحسب الطبيب الشرعي أنّ الجندي المقتول أصيب برصاصة من مسافة ليست قريبة. ولأنّه السائق، كان وراءه جندي آخر وإلى جانبه جندي، ووراء الأخير جندي رابع. ووراء الجندي القتيل أجهزة الاتصال.
رواية الحزب
تلخّص المصادر المقرّبة من الحزب ما جرى بأنّ آليّة تابعة لليونيفيل انحرفت عن طريقها واتّجهت في طريق فرعي “غير مسموح لها بالسير فيه بحسب القرار 1701″، وتشير إلى أنّها “ليست المرّة الأولى التي تسلك فيها بعض الآليّات التابعة لليونيفيل طرقاً فرعية في القرى، وهذا ليس محبَّذاً”. في العاقبية وبعد انحراف الآليّة ودخولها شارعاً وسط البلدة، اجتمع الأهالي حولها وعبّروا عن اعتراضهم على مسارها، وأدّى اعتراض الاهالي إلى إصابة سائق الآليّة بالخوف، فعاد بالآليّة إلى الخلف وصدم أحد المواطنين، فخرجت الأمور عن السيطرة إثر ردّة فعل أحد أقاربه الذي جلب سلاحه وأطلق النار على الآليّة فأصاب الجندي إصابة قاتلة”. هذه هي رواية الحزب التي تتحدّث عن “خطأ من الطرفين أدّى إلى وقوع الحادثة”.
يتناقض ما أشارت إليه الرواية من خطأ ارتكبته الآليّة بسلوكها طريقاً داخلية مع مقرّرات القرار 1701 والتجديد لقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب التي لم تتحدّث عن “طرق ممنوعة” على القوات الدولية، ولا سيّما أنّ قرار التجديد حرّر القوات الدولية حتى من مرافقة الجيش اللبناني لها. إلا أنّ الكلام عن خطأ نتج عن سلوك هذه الآليّة طريقاً فرعية ينطلق من اتفاق شرف “gentlemen agreement” يحكم عمل القوات ينصّ على ألّا تدخل طرقاً فرعيّة ضيّقة بين بيوت الأهالي.
لكن هناك وجهة نظر تقول إن العاقبية تقع خارج “جنوب الليطاني”. فهي منطقة واقعة شمال النهر، وتقع خارج منطقة عمليات القوات الدولية المعتمدة منذ العام 2006.
علم “أساس” أنّ المحققيقن اللبنانيين استمعوا إلى الجنود الإيرلنديين. أما التحقيق الإيرلندي فاقتصر على الجنود الأمميين، “وإذا أرادوا التوسع لا يحقّ لهم التحقيق مع لبنانيين إلا بموافقة الحكومة اللبنانية”
امتعاض الحزب من المولوي
بالنسبة إلى الحزب، ظهرت خطورة ما حصل من خلال ردود الفعل اللبنانية، ولا سيّما ردّة فعل وزير الداخلية بسام المولوي. ليس موقف القوات اللبنانية مفاجئاً للحزب، لكن أن يصدر عن وزير الداخلية اللبناني كلامٌ يقول فيه: “لن نقبل بشرعيّتين، أو نصف دولة”، واصفاً ما حصل بـ”الجريمة التي يجب المعاقبة عليها وتطبيق القرارات الدولية”، فهو بالنسبة إلى الحزب أمر آخر. وقد أعلن النائب فياض: “كلّ من استعجل إطلاق المواقف ما معه حقّ”.
في المعلومات أنّ حزب الله سبق أن عبّر عن انزعاجه الشديد من كلام المولوي، وأوصل إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال موقفه هذا بلهجة قاسية، وأنّ ميقاتي يقوم بمسعى للملمة كلام المولوي. فما يشفع لميقاتي في مسعاه هذا هو الموقف الصادر عنه بعد الحادثة الذي توعّد فيه بمحاسبة المدانين بالحادثة ووصف فيه البيئة التي يعمل فيها الجنود الدوليون بأنّها “طيّبة”. هذا الكلام قرأه الحزب ببالغ الإيجابية على اعتباره ردّاً مباشراً على كلام رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن الذي علّق على الحادثة قائلاً: “نعمل في بيئة عدائية صعبة”.
لماذا سلِّم الحزب مُطلقي النار؟
ارتفعت أصوات مطالبة بتسليم المتورّطين بالحادثة ومحاسبتهم “ليس على طريقة محاسبة قاتل الطيّار في الجيش اللبناني سامر حنّا الذي أُصيب برصاصات “خاطئة”، وخرج قاتله من سجنه بحجّة أنّه يعاني مشاكل عقلية”، كما يقول نواب القوات اللبنانية.
إلى ذلك يعتبر حزب الله أنّه والدولة اللبنانية غير معنيّين بالتحقيق الذي بدأته الدولة الإيرلندية، وأنّ مخابرات الجيش اللبناني “قامت بعملها بشكل متقن ومن دون استفزار أيّ من القوى”، وهو ما يشير إلى احتمال وجود مخرج لاحق “بتسليم المطلوبين إلى مخابرات الجيش وليس إلى قوى الأمن الداخلي بفعل غياب الثقة بوزير الداخلية”.
إقرأ أيضاً: قتلُ الأوروبيّين “بِحُرّيّة”.. من كييف إلى العاقبيّة
لا شكّ أنّ هذه الحادثة خطرة بكلّ ما تعنيه من تداعيات على مستوى القرارات الدولية وكيفيّة تطبيقها في لبنان، أو على مستوى العلاقة مع قوات اليونيفيل بعد أشهر من تجديد قرار الأمم المتحدة المتعلّق بعمل القوات الدولية في لبنان. وبين عدم انضباط البيئة المحسوبة على المقاومة في الجنوب، و”عدم الانضباط” الذي اتّهم به الإسرائيليون الحزب بعد إسقاط إسرائيل مسيَّرةً تابعةً له فوق فلسطين المحتلّة، تتعقّد المعطيات التي تساعد في محاولة قراءة كلّ الكلام عن سيناريو أمنيّ مقبل على لبنان.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@