“الجنرال ثلج”.. سيقتل مئات آلاف المدنيين في أوروبا؟

مدة القراءة 5 د

مرّة جديدة في التاريخ تعود روسيا إلى الاعتماد على “الجنرال ثلج”. كانت المرّة الأولى خلال الحرب العالمية الثانية عندما غزت القوات النازية الألمانية بأمر من أدولف هتلر الأراضي الروسية وكان هدفها موسكو وليننغراد (سان بطرسبرغ). يومذاك فتك البرد والثلج والوحول بالجيش الألماني وآلياته، وأنزلت به من الخسائر ما عجز عنه الجيش السوفيِتي.

اليوم يراهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على “الجنرال ثلج” لليّ ذراع الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ذلك أنّ توقّف إمدادات الطاقة، وخاصة من الغاز الروسي، لم يعد يؤثّر سلباً على الاقتصاد الأوروبي فقط، بل إنّه مع بداية فصل الشتاء والبرد بدأ يؤثّر على حياة الأوروبيين أيضاً.

صحيح أنّ توفير مصادر عالمية أخرى للغاز أدّى إلى خفض نسبي للأسعار، إلا أنّ الارتفاع ما يزال حتّى الآن يراوح بين 78 و144 في المئة، فوق المعدّلات التي كانت عليها الأسعار في عام 2000

قبل الحرب الأوكرانية كانت روسيا تصدّر إلى أوروبا ما بين 40 و50 في المئة من حاجتها من الغاز. لكن منذ شهر آب الماضي توقّفت روسيا عن إمداد أوروبا بالغاز، فارتفعت أسعار الغاز كثيراً، وانخفض استهلاكه على نحو كبير أيضاً، وخاصة الاستهلاك المنزلي.

صحيح أنّ توفير مصادر عالمية أخرى للغاز أدّى إلى خفض نسبي للأسعار، إلا أنّ الارتفاع ما يزال حتّى الآن يراوح بين 78 و144 في المئة، فوق المعدّلات التي كانت عليها الأسعار في عام 2000.

زيادة وفيات الأوروبيين

يعني هذا الأمر أنّ الأوروبيين بدأوا الآن يواجهون مضاعفات “الجنرال ثلج” الذي تراهن عليه روسيا. وتؤكّد الدراسات أنّ مزيداً من البرد يعني مزيداً من الوفيات. فدرجات الحرارة المنخفضة، خاصة في الفترة بين شهرَيْ كانون الأول وشباط، تؤدّي حتى في الظروف العاديّة إلى مزيد من الوفيات إذا ما قورنت بالفترة بين شهرَيْ حزيران وآب، وخاصة لدى كبار السنّ (80 عاماً وما فوق). ويعود ذلك إلى سببين:

الأوّل: هو أنّ البرد ينعش الفيروسات ويقوّيها، وفي الوقت نفسه يحمل الناس على البقاء في المنازل تجنّباً لمضاعفات البرد في الخارج، فتنخفض حركة الجسم. إلا أنّ البقاء في المنازل الباردة مع قلّة الحركة يؤدّيان إلى تكثّف الدم وارتفاع الضغط، فتزيد احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية. في الظروف العادية ترتفع نسبة الوفيات في فصل الشتاء بنسبة 26 في المئة عمّا هي عليه خلال فصل الصيف، وترتفع نسبة الإصابة بأزمات التنفّس، خاصة لدى كبار السنّ، إلى 76 في المئة. من أجل ذلك عادة ما تكون نسبة الوفيات في فصل الشتاء أعلى منها في فصل الصيف، فكيف إذا كان الشتاء مضاعفاً نتيجة عدم توافر الغاز للتدفئة؟

تقول الدراسات العلمية إنّ انخفاض الحرارة درجة واحدة فقط يعني زيادة عدد الوفيات من جرّاء البرد بنسبة 1.2 في المئة.

كما أنّ ارتفاع أسعار الغاز للتدفئة يعني تقنين أو حتى الامتناع القسري عن استخدامه للتدفئة، وبالتالي مواجهة مضاعفات الامتناع الذي يفرض ارتفاع أسعار المحروقات (وخاصة الغاز الروسي) عن السعر الأدنى الذي كان بين عامَيْ 2000 و2019. بدوره يفرض هذا الارتفاع الإحجام عن استخدامه ولو جزئياً، ويؤدّي بالتالي إلى رفع نسبة الوفيات 12 في المئة.

الثاني: تنتشر عادة في فصل الصيف أمراض موسمية مثل الإنفلونزا، ومن المتوقّع أن تتضاعف نسبة وخطورة الإصابة بهذه الأمراض خلال الشتاء الذي يخلو من التدفئة، أو تكون فيه التدفئة جزئية. ويعني هذا الأمر بصورة خاصة الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. تقول دراسة أجراها الاتحاد في هذا الموضوع إنّ ارتفاع نفقات التدفئة عشرة في المئة فقط يعني ارتفاع نسبة الوفيات إلى أكثر من نصف في المئة في المناطق الأقلّ برودة (جنوب أوروبا)، وترتفع هذه النسبة إذا اتّجهنا شمالاً، حيث تزداد البرودة حدّة.

اليوم يراهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على “الجنرال ثلج” لليّ ذراع الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي

إيطاليا: الخطر الأكبر

ارتفعت أسعار الكهرباء في إيطاليا مثلاً بنسبة 200 في المئة عمّا كانت عليه في عام 2020، وهو ارتفاع تعجز عنه طبقة واسعة من الإيطاليين. وهذا يعني في ضوء الواقع الاجتماعي لإيطاليا ارتفاعاً حادّاً في مستوى الوفيات نظراً إلى ارتفاع نسبة المسنّين في إيطاليا، وإلى انخفاض نسبة التعويضات الاجتماعية.

تؤكّد الدراسات أنّه في ضوء الأسعار الحالية للمحروقات، وخاصة غاز التدفئة، يتوقّع أن يرتفع عدد الوفيات بنسبة 6 في المئة، أي إلى حوالي 147 ألفاً، وأنّ هذا الرقم الكبير قد يرتفع إلى 185 ألفاً، أي إلى نسبة 4.8 في المئة.

يعني ذلك أنّ عدد ضحايا البرد المترتّب عن انقطاع الغاز الروسي للتدفئة، وارتفاع أسعار المحروقات المستوردة من مصادر أخرى، قد يزيد عن عدد ضحايا الحرب.

مسرح الحرب يؤدّي إلى مقتل الجنود من الشباب، فيما يفتك البرد بالمسنّين وهم في بيوتهم. لقد قُتل حتى الآن في أوكرانيا 6,500 مدني، أكثريّتهم الساحقة من الأوكرانيين أنفسهم، لكنّ الجنرال ثلج الذي يقود معركة البرد في أوروبا قد ينجح في قتل أضعاف هذا العدد. ولذلك يحاول الاتحاد الأوروبي إيجاد بدائل للطاقة، لكن حتى الآن على الأقلّ لم يتمكّن من إيجاد بديل بسعر الغاز الروسي الذي كانت تعتمد عليه دول الاتحاد.

إقرأ أيضاً: الجريمة بين الإرهاب والكراهية!

من هنا قد يساعد “الجنرال ثلج” على حسم المعركة بدفع الاتحاد الأوروبي إلى تسهيل شروط التفاوض مع الكرملين لوقف الحرب في أوكرانيا وفتح طريق التفاوض من أجل التوصّل إلى تسوية سياسية، فهل ينجح “الجنرال ثلج” حيث فشل الجنرالات الآخرون؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…