العراق: 90 مليار دولار عرضة لنهب مافيات الفساد

مدة القراءة 3 د

“يتكدّس في البنك المركزي العراقي 90 مليار دولار في انتظار مَن ينفقها”. ينطوي مثل هذا الخبر على الكثير من الجنون. أفليس من غير المعقول أن يعاني بلدٌ خراب بنيته التحتية في ظلّ هذا الفائض المالي الصادم الذي يكفي لبناء دولة حديثة؟

 

سماسرة العملة الصعبة

لكنّ الأرقام تقول حقائق نقيضة. فبعيداً من مشكلات الكهرباء والماء الصالح للشرب والقطاعين الصحّي والتعليمي وشبكة مياه الصرف، هناك مشكلة بؤس الطبقات الفقيرة وانزلاقها إلى ما تحت خطّ الفقر، بعدما أثبتت أجهزة الدولة عجزها عن معالجة مشكلة البطالة التي تكاد تشمل 40% من الشباب الباحثين عن عمل، ولا حلول سوى تلك الملفّقة: الزجّ بشطر منهم في وظائف وهمية تزيد من إنفاق الدولة التي تحتاج إلى الترشيق لتتمكّن من الحركة.

المفجع أيضاً أنّ دولة تمتلك كلّ ذلك الخزين الماليّ لم تتمكّن بعد حوالي 20 سنة من استعادة الخبرات التي كانت تُدير الوضع المالي بنجاح ونزاهة، عندما كانت العملة الصعبة تدخل العراق من خلال عمليات تقطير تمارسها مؤسّسات مصرفية عالمية. كانت تلك المؤسّسات جزءاً من سلطة الحصار الدولي الذي فُرض على العراق بعد احتلال الكويت منتصف عام 1990 في سياق ما سُمّي “نظام النفط مقابل الغذاء والدواء”. وهو نظام مذلّ ومهين انتقل بالعقوبات إلى مستويات أضرّت بكرامة الإنسان العراقي العاديّ. غير أنّ العراقيين استطاعوا أن يقاوموا الجوع ببرنامج محكم وحديدي منع إلى حدّ ما ظهور ظاهرة سوق الصرف الماليّ الموازي، الذي أضعف حركة الراغبين في التلاعب بأسعار البضائع، الغذائية منها بشكل خاص.

“يتكدّس في البنك المركزي العراقي 90 مليار دولار في انتظار مَن ينفقها”. ينطوي مثل هذا الخبر على الكثير من الجنون

شراء الولاء

الآن تعلن الأوساط المالية الرسمية عن توافر مبالغ مالية هائلة، لكنّها عاجزة عن التصرّف بها بطريقة غير ريعية تعوّض العراقيين عمّا عانوه من تدهور في الوضع المعيشي. كلّ ما توصّل إليه المسؤولون حلّاً لذلك التناقض يقتصر على التفكير في كيفيّة توزيع الأموال الفائضة على الطبقات الأكثر تضرّراً التي يمكن أن يشكّل عوزها سبباً لانفجار أمنيّ جديد. تلك هي الطريقة التي سبق لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أن اعتمدها وسيلة لشراء الولاءات، وكانت جزءاً من خطّة استغلّت مقدّرات الدولة من خلال عمليات الفساد والإثراء غير المشروع على حساب المواطنين الذين صار التمييز والمحسوبيات الحزبية والقبلية والطائفية يقفان عقبة أمام قدرتهم على الحصول على الخدمات التي كان العراقيون يحصلون عليها مجّاناً قبل قيام الدولة الجديدة.

ليست هذه المرّة الأولى التي تمتلئ بها خزائن العراق بالأموال الصعبة. وهذا ما لا يُحسد عليه، إذا ما نظرنا بعين نقديّة إلى ما نتج عن الإدارة المالية السيّئة من فساد لم يكتفِ بالتهام ذلك الفائض المالي بتحويله إلى إنفاق يغذّي أسلوباً في التعيّش بل شمل كلّ نواحي عمل الدولة وعطّل التفكير في أيّ نوع من أنواع التنمية، إضافة إلى أنّه أبقى البنية التحتية بكلّ أشكالها سيّئة ومهدّدة بالانهيار.

إقرأ ايضاً: العراق يعتمد الأسلوب الإيراني في رواية “التدخّلات الخارجيّة”

أمّا الـ 90 مليار دولار فمبلغ غير عاديّ. لكنّ غياب الرقابة المالية، وهذا ما كشفت عنه أخيراً التحقيقات المتعلّقة بسرقة مليارين ونصف مليار، يضع إدارة تلك الأموال في مهبّ الريح، ويطيح بكلّ رغبة حقيقية في الترشيد والتنمية، إن وجدت، ويسمح لمافيات الفساد أن تستعيد قوّتها ونفوذها وحرّيتها في الحركة، بعدما انفردت القوى الموالية لإيران بالسلطة المطلقة داخل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 

*كاتب عراقي

مواضيع ذات صلة

3 عبارات قالها لاريجاني ولم تُنشر!

من قال إنّه لا يمكن التعلّم من العدوّ؟ بل على العكس. أهمّ الدروس تكون غالباً مستخلصة من مراقبة العدوّ، خصوصاً بعد معركة، وبالأخصّ بعد ما…

الحزب فتح باب التّغيير: “الدّولة” و”الطّائف” بلا سلاح

يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024 سيكون يوماً استثنائياً، حتّى لو لم يتمّ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار، لأنّ الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم…

7 أعمدة في قمّة الكويت الخليجيّة السّابعة

وسط أمواج مُتلاطمة وتحدّيات ضخمة آنيّة ومستقبلية تواجه المنطقة، تنعقد القمّة الخامسة والأربعون لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بالكويت في أول أيام شهر كانون الثاني…

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….