ما تزال معركة رئاسة الجمهورية أسيرة محبسين: آليّة مجلس النواب التي تكتفي بجلسة انعقاد واحدة وصار الجميع يعرف أنّها “صورية”. أمّا المحبس الآخر فهو معرفة الجميع وقناعتهم بأنّ الوصول إلى سدّة الرئاسة الأولى بحاجة إلى توافق لم يحصل حتى الآن، والأرجح أنّه لن يحصل في المدى المنظور.
في هذه الأثناء لا تزال تُبذَل محاولات داخلية، وبعضها جدّي، لسدّ الشغور الرئاسي. لكنّ نقطة الضعف السياسي فيها هو تعدّد الأسماء المطروحة التي لم يُشكّل أيٌّ منها عامل جمع. وأمّا الجديد في هذا السياق هو بدء خلق تقاطعات بين بعض الأطراف، وأهمّها على المستوى المسيحي، وتحديداً بين النائب جبران باسيل والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي. والأهمّ في هذه النقطة عودة الحظوظ لاسم جهاد أزعور.
مقرّبون من باسيل لـ”أساس”: أزعور كان منصفاً في عمله مع كلّ القوى يوم كان في وزارة المال على الرغم من أنّ من سمّاه للوزارة هو الرئيس فؤاد السنيورة. ويوم ترك لبنان للعمل في صندوق النقد أبقى على علاقاته الجيّدة مع الجميع
هذا يحصل “تحت الطاولة” منعاً لحرق الاسم. وأزعور الذي يتمتّع بسيرتين سياسية واقتصادية له من يناصره ومن يعارضه عند فريق “8 آذار”. وما رفَع الكلام عن حظوظ الرجل كان التبديل المستجدّ على خطّ “حزب الله” الذي ظهر اندفاعه عبر نائب الأمين العام نعيم قاسم إلى البحث عن “خصائص اقتصادية” في شخص الرئيس المنشود.
صحيح أنّ المرشّحين المعلَنين حتى الساعة هما سليمان فرنجية وميشال معوّض. يرتكز أوّلهما على “بلوك كبير من الأوراق البيضاء”، فيما يقف خلف الثاني “بلوك مرشّح للارتفاع” تبعاً للوقائع الداخلية معطوفةً على تطوّرات الإقليم.
غير أنّ بورصة الأسماء ناشطة جدّاً على خطّين:
ـ الأوّل، خطّ عين التينة ـ بكركي.
ـ الثاني، خطّ بكركي ـ ميرنا الشالوحي، ومعهما معراب لكن بشكل منفصل. وعند هذا الثلاثي عاد اسم وزير المال السابق جهاد أزعور إلى تصدّر النقاش لِما يتمتّع به من مواصفات. لكن يبقى أنّ قدرته على “تقطيع” حارة حريك شبه معدومة حتى الساعة.
أزعور بين بكركي وباسيل
في لوائح الأسماء التي تناقشها بكركي مع زائريها اسم جهاد أزعور موجود دائماً. سبق أن ناقش البطريرك الراعي مع باسيل ترشيح جهاد أزعور للرئاسة. وسبق لرأس الكنيسة المارونية أن بحث الأمر عينه مع المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل في زيارته الأخيرة للصرح.
علاقة باسيل المميّزة بعائلة أزعور
يقول مقرّبون من باسيل لـ”أساس” إنّ أزعور كان منصفاً في عمله مع كلّ القوى يوم كان في وزارة المال على الرغم من أنّ من سمّاه للوزارة هو الرئيس فؤاد السنيورة. ويوم ترك لبنان للعمل في صندوق النقد أبقى على علاقاته الجيّدة مع الجميع. يزور لبنان كلّ ستّة أشهر، فيلتقي البطريرك ورئيسَيْ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على حدّ سواء. ومن أجل ذلك يُعتبر اسمه من أكثر الأسماء تداولاً في السباق الرئاسي، وعلى الأقلّ لدى القوى المارونية.
مع صعود اسم الوزير ازعور، كثر الكلام عن الصداقة القديمة التي تجمع شقيقه انطوان بجبران باسيل. وهو رئيس مجلس إدارة batco للهندسة والمقاولات ورئيس مجلس إدارة lavagete للنفايات. وسبق له أن ربح مناقصات في وزارة الطاقة في مشاريع سدود.
التقدير السياسي الذي يطرحه بري أمام زوّاره يعتبر هؤلاء أنّه ينطوي على شيء “من السلبية” نحو جوزف عون، وأنّ ذلك مردّه إلى وقوفه بجانب حزب الله المتمسّك بترشيح فرنجية حتى الساعة
وفي المعلومات أنّ عدم تبنّي باسيل لجهاد أزعور رسميّاً يعود إلى سببين رئيسيَّين:
ـ أوّلاً، لعدم حرقه والإبقاء عليه مرشّحاً جدّيّاً.
ـ ثانياً، لعدم نضوج الحلّ الرئاسي المتعلّق به بعد، وكذلك لرفض “حزب الله” له على اعتباره مقرّباً من الأميركيين أوّلاً، ولاستمرار تمسّك الحزب بفرنجية للرئاسة.
الالتباسات التي تحيط بأزعور
ما يضير أزعور ويُحسَب عليه عند “حزب الله” على وجه الخصوص، فيما هو ما يجب أن يُحسب للرجل في ظلّ انهيار لبنان، هو أنّهُ مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.
شقيقه أنطوان أزعور مقرّب من الصرح البطريركي بشكل لصيق. وهو منسّق بين المؤسّسات المارونية ومقرّب من المؤسسة البطريركية المارونية العالمية للإنماء الشامل التي ينوب عن البطريرك في رئاستها سليم صفير. ويُعتبر من المتموّلين الذين يحيطون “الكنيسة” باهتمامهم.
بعد ازدحام الكواليس السياسية بكلام عن علاقة باسيل والراعي بأنطوان أزعور، أصدر الأخير بياناً نفى فيه وجود “أيّ وساطة مع النائب جبران باسيل ولا مع البطريركية المارونية، بشأن الاستحقاق الرئاسي أو أيّ ملف آخر. فالكلام عن ضمانات وصفقات لا يمتّ إلى الحقيقة بصِلة، فشركة batco لم تتعهّد أيّ مشاريع من وزارة الطاقة والمياه أو من الوزراء المتعاقبين، ومن ضمنهم الوزير جبران باسيل، ويمكن مراجعة ملفّات وزارة الطاقة والمياه، وهي تعمل في الخارج منذ تأسيسها، ونقلت أعمالها إلى خارج لبنان، ولم تشارك في أيّ مناقصات أو مشاريع خاصة بالدولة اللبنانية منذ أكثر من خمس سنوات”. على الرغم من صدور بيان النفي هذا يقول مصدر مطّلع: “طوني اشتغل في مشاريع وزارة الطاقة وربّما بيان النفي محصور في الخمس سنوات الماضية فقط.”
رئيس من خارج فريق 8 آذار
صحيح أنّ أزعور قد يشكّل تقاطعاً ما بين صندوق النقد وبكركي، ويسمح، أقلّه على الورق، بتشكيل ركيزة انطلاق لعودة الثقة المالية الخارجية بلبنان، إلا أنّه يحتاج أيضاً إلى ثقة خارجية وداخلية غير متوافرة بعد كما هي الحال بالنسبة إلى قائد الجيش جوزف عون المطروح في الدوحة على الأقلّ.
مع عجز فريق الثامن من آذار عن فرض مرشّحه سليمان فرنجية حتى الساعة، يؤكّد بروز اسمَيْ أزعور وعون، بما لا يقبل الشكّ، أنّ المعركة الرئاسية التي دخلها باسيل أيضاً تدور حول انتخاب رئيس من خارج فريق الثامن من آذار ومن خارج محور الممانعة.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لجهاد أزعور تحديداً قيمة مضافة بالنسبة إلى باسيل الذي يحمل اسمه في كلّ مفاوضاته الرئاسية في لبنان والدوحة. وهي قيمة الموقع الذي يشغله أزعور دولياً، بالإضافة إلى أنّ أزعور يحظى بدعم من قوى سياسية عديدة في البلاد قد لا يكون الرئيس نبيه بري بعيداً عنها. لكنّ باسيل يدرك جيّداً من دون أن يستسلم أو يتراجع عن طرحه أنّ اسم جهاد أزعور يسقط في حارة حريك ولا يمكن الكلام جدّياً عن ترشيحه بعد.
تغريدات نعيم قاسم والرئيس “الاقتصاديّ“
ينقل مرجع سياسي جدّي عن الرئيس بري تعليقه على ترشيح قائد الجيش بالقول إنّ الأخير يحتاج إلى تعديل دستوري غير متوافر حالياً. فالحكومة مستقيلة ولا يمكن أن تقدّم مشروع قانون للتعديل، ولا يوجد حتى الساعة استعدادٌ عند ما لا يقلّ عن عشرة نواب لاقتراح تعديل دستوري في البرلمان يخدم وصول قائد الجيش. وحين يجابه بأنّ مجلس النواب انتخب العماد ميشال سليمان دون تعديل دستوري، يجيب بأنّ البلد كان في حالة حرب وذهبنا إلى الدوحة حيث أبرم الاتفاق على رئيسي الجمهورية والحكومة برعاية عربية ودولية.
التقدير السياسي الذي يطرحه بري أمام زوّاره يعتبر هؤلاء أنّه ينطوي على شيء “من السلبية” نحو جوزف عون، وأنّ ذلك مردّه إلى وقوفه بجانب حزب الله المتمسّك بترشيح فرنجية حتى الساعة.
إقرأ أيضاً: التيّار والقوّات يرفضان حوار برّي.. السيناريو الأمنيّ يتقدّم
أمّا التغريدات التي تكرّر بثّها على حساب نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن أنّ المطلوب رئيسٌ صاحب رؤية اقتصادية، ورئيسٌ يطبّق الطائف، وغيرهما من العناوين التي قرأ فيها البعض تراجعاً من الحزب عن ترشيح فرنجية، ما هي إلا مواقف قرّر الحزب أن يردّ من خلالها على منتقديه، وتحديداً حلفاءه في التيار الوطني الحر الذين ملأوا المنابر بالقول “لا يكفي أن يكون الرئيس حامي ظهر المقاومة فقط”.
وتشير مصادر مقرّبة من الحزب في حديث إلى “أساس” إلى أنّ مواقف قاسم “لا تعني التراجع عن مقاربة الحزب الرئاسية، بل محاولة للإضافة إلى مواصفات الاسم الذي يتمسّكون به منذ البداية”، وهو فرنجية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@