الجريمة بين الإرهاب والكراهية!

مدة القراءة 5 د

ما هو الفرق بين جريمة الكراهية والجريمة الإرهابية؟

توصف الجريمة التي يرتكبها مجرمون باسم الإسلام بأنّها عمل إرهابي. والعمل الإرهابي حسب التعريف الذي حدّده القانون البريطاني هو “كلّ اعتداء يهدف إلى التأثير على الدولة وسياستها، أو ترهيب الرأي العامّ بهدف تحقيق هدف سياسي أو ديني أو عنصري أو عقائدي”. ثمّة جهة، مثل داعش أو القاعدة، تدّعي أنّها وراء العمل الإرهابي، سواء كان بدافع شخصي أو محلّي أو كان ردّ فعل وحسب، لكن غالباً ما لا يكون صحيحاً هذا الادّعاء الذي يعطي العمل الإرهابي بعداً سياسياً أو عقائدياً يضعه في إطار التوصيف القانوني للإرهاب. وكانت جرائم فيينّا وقبلها جرائم باريس ونيس دليلاً على ذلك.

بموجب هذا التوصيف يتمّ التعامل مع الجريمة عسكرياً وسياسياً، وقبل ذلك كلّه إعلامياً. أمّا الجريمة التي يرتكبها مجرمون ضدّ مسلمين فتوصف بأنّها عمل كراهية، وتوضع في إطار ردّ الفعل التخفيفي بالمقارنة بالجريمة الإرهابية.

ليس صحيحاً أنّ الجريمة التي تُرتكب باسم الإسلام هي جريمة إرهابية، وأنّ الجريمة التي يكون مسلمون ضحيّتها هي جريمة كراهية

المسلمون إرهابيّون وغيرهم من الكارهين

إنّ العمل الإجرامي الذي يستهدف مسلمين لا تتبنّاه جهة سياسية أو تدّعي أنّه تمّ بإيعاز منها. وبذلك تبقى مسؤولية ارتكابه مسؤولية شخصية محدودة بالمرتكِب وحده أيّاً كانت دوافعه أو الجهات التي تقف وراءه. وهذا يعني تجريد هذا العمل الإجرامي من الأبعاد التي توجب تصنيفه إرهاباً، فيقتصر التعامل معه على أساس وصفه بالكراهية.

غير أنّ الواقع يبيّن أنّ العمليات التي تستهدف المسلمين والتي تأخذ وتيرة تصاعدية في العديد من المجتمعات، من نيوزيلندة حتى الولايات المتحدة، ليست نتيجة ردّات فعل فردية على ما ارتكبه القاعدة ثمّ داعش بحقّ الأبرياء من مسلمين وغير مسلمين في الشرق الأوسط وفي أنحاء مختلفة من العالم. ذلك أنّ بعض هذه العمليات سابق على جريمة 11 أيلول 2001 التي ارتكبها القاعدة وعلى ما قام به داعش فيما بعد.

 

فن تشويه صورة العربيّ والمسلم

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي نشر جاك شاهين، وهو أميركي من أصل لبناني، كتاباً توثيقياً عن فن تشويه صورة العربي والمسلم في السينما الأميركية، عنوانه “العربي القذرThe Ugly Arab “. يبيّن الكتاب كيف تتعمّد هوليوود تصوير العربي بأبشع الصور ووصفه بأبشع الصفات والنعوت: الكذب والاحتيال والسرقة والخيانة والانغماس في الجنس. وهذه الصور البشعة تنغرس في الثقافة العامّة، وتهيّئ الأرضيّة لردّات فعل كارهة للعرب والمسلمين، ثمّ لأعمال “إرهابية” تستهدفهم.

في عام 2013 صدر كتاب لعالِم الاجتماع الأميركي ناثان لين عنوانه: “صناعة الإسلاموفوبيا” تحدّث فيه عن وجود فرق عمل من سياسيين ومثقّفين وإعلاميين ورجال دين وعلماء اجتماع أميركيين، مهمّتها “شيطنة الإسلام To demonize Islam”. والمؤلّف هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون بواشنطن.

ما حدث في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة ونيوزيلندة وسواها ضدّ روّاد المساجد، كان استهدافاً متعمّداً للمدنيين. وكان الهدف السياسي من ورائه واضحاً أيضاً

شيطنة الجرائم التي ارتُكبت باسم الإسلام

لقد وجدت الشيطنة في الجرائم التي ارتُكبت باسم الإسلام زوراً وبهتاناً مادّة خصبة للاستغلال، وكان طبيعياً أن يؤدّي ذلك إلى التحريض على الأعمال الإرهابية التي استهدفت المسلمين، وخاصة لدى خروجهم من المساجد أو دخولها، والتي استهدفت النساء المسلمات لارتدائهنّ حجاب الرأس المحتشم. ذلك أنّ العدوان لم يكن يستهدف الشخص لذاته، بل “الرمز” أوّلاً وأخيراً.

من هنا لم يكن العدوان عمل كراهية وحسب، بل كان عملاً إرهابياً يقع في إطار تعريف الإرهاب الذي نصّ عليه القانون البريطاني نفسه.

مع ذلك جرى التعامل القانوني والإعلامي مع الجرائم التي استهدفت المسلمين باعتبارها أعمال عنف وكراهية. فالعمل العنفيّ هو العمل الذي يستهدف الضحية لذاتها وبشكل محدّد، ولهدف شخصيّ محدّد أيضاً. ويتحوّل عمل العنف إلى عمل إرهابي إذا كان الضحيّة “صندوق بريد” لتوجيه رسالة عبره إلى جهة أخرى وإرهابها. والجهة الأخرى في العمليات التي استهدفت جموع المصلّين المسلمين قرب مساجدهم، هي الإسلام، وجماعة المسلمين عامّة، وهو ما يؤكّد انطباق مواصفات الإرهاب على تلك الجريمة.

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة إيرلندة لويس ريتشاردسون إنّ “الإرهاب يعني الاستهداف المتعمّد بعنف للمدنيين من أجل تحقيق أهداف سياسية”.

 

كراهية ضدّ الهويّة

ما حدث في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة ونيوزيلندة وسواها ضدّ روّاد المساجد، كان استهدافاً متعمّداً للمدنيين. وكان الهدف السياسي من ورائه واضحاً أيضاً، وهو الطعن بانتمائهم إلى أوطانهم الجديدة على خلفيّة دينية. وهو من أسوأ الأهداف السياسية.

إقرأ أيضاً: أوكرانيا: بدء العدّ العكسيّ لوقف الحرب

من هنا ليس صحيحاً أنّ الجريمة التي تُرتكب باسم الإسلام هي جريمة إرهابية، وأنّ الجريمة التي يكون مسلمون ضحيّتها هي جريمة كراهية.

صدق الله العظيم عندما وصف جريمة قتل إنسان بريء، أيّ انسان، وأيّاً كان دينه أو عقيدته، بالجريمة ضدّ الإنسانية: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” (سورة المائدة، الآية 32).

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…