ميقاتي يخضع للامتحان السعودي

مدة القراءة 7 د

زار الرئيس ميشال عون المملكة العربية السعودية عام 2017، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية كأول زيارة خارجية له حيث التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. بطريق العودة في الطائرة، سأل الرئيس عون الوزير نهاد المشنوق الذي كان ضمن الوفد المرافق، عن رأيه بالزيارة. فقال له: “فخامة الرئيس، هذه ليست زيارة بقدر ما هي امتحان لنا. إما أن ننجح أو أن نفشل”. بعد سنة من تاريخه خرج الوزير المشنوق مصرحاً: “لقد فشل العهد بالامتحان مع الأشقاء في الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية”. ثم كان ما كان.

الرئيس نجيب ميقاتي وبعد انتظار طويل، زار المملكة العربية السعودية والتقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقاء غير مصوّر لنصف ساعة من الزمن. هو امتحان جديد للبنان، هل ننجح به أم نستنسخ الفشل مجدداً؟!

حقّق الرئيس نجيب ميقاتي أمنيته بلقاء الأمير محمد بن سلمان وليّ عهد المملكة ورئيس مجلس الوزراء السعودي. وهو ما لم يستطع تحقيقه من قبل. وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس)، أكّد الرئيس نجيب ميقاتي خلال اللقاء “التزام الحكومة اللبنانية اتّخاذ كلّ الخطوات التي تمنع الإساءة إلى السعودية وكلّ الدول العربية، ولا سيّما منها ?دول مجلس التعاون? لدول الخليج العربية”. وبحسب الوكالة نفسها، أكّد وليّ العهد السعودي “حرص السعودية على أمن لبنان واستقراره، واستمرار الدعم الإنساني الذي تقدّمه السعودية وفرنسا للشعب اللبناني”.

حقّق الرئيس نجيب ميقاتي من مصافحة الأمير محمد بن سلمان ولقائه سلسلة من النقاط الشخصية التي تُحسَب له:

1- كسر حالة الرفض السعودي له التي تجلّت في أكثر من مناسبة، وآخِرتها موسم الحجّ السابق حين واجه الرئيس ميقاتي صعوبات في الحصول على تأشيرة الحجّ.

2- نجح الرئيس ميقاتي في العودة من بعيد وفي أن يصبح شخصاً قادراً أو أقلّه مقبولاً من العالم العربي، وتحديداً الخليجي، للحوار معه ومناقشته، أو للعب دور الوسيط بين الدولة اللبنانية ودول الخليج العربي.

3- قلّل الرئيس ميقاتي من أهمية أحلام الساعين من وزراء وغير وزراء إلى كرسي رئاسة مجلس الوزراء، وإن لم تكن حاسمة أقلّه في المدى المنظور.

حقّق الرئيس نجيب ميقاتي أمنيته بلقاء الأمير محمد بن سلمان وليّ عهد المملكة ورئيس مجلس الوزراء السعودي. وهو ما لم يستطع تحقيقه من قبل

الموقف السعوديّ لم يتغيّر

ما حقّقه الرئيس نجيب ميقاتي يمكن إحصاء نتائجه على المستوى الفردي. في المقابل يبقى السؤال: كيف يمكن استثمار المصافحة واللقاء على المستوى الوطني اللبناني في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها البلاد؟

كان الأمير محمد بن سلمان واضحاً في التعبير عن الموقف السعودي تجاه لبنان، وهو موقف لم يتغيّر قبل استقبال النجيب أو بعد استقباله، وحدّد فيه وليّ العهد موقف المملكة بجملة واحدة، ودائماً وفق وكالة الأنباء السعودية، تنصّ على حصر الدعم السعودي للبنان في هذه المرحلة، وبانتظار انتخاب رئيس والبدء بالإصلاحات ومحاربة الفساد، بالجانب الإنساني، وتحديداً في سياق التعاون المشترك بين المملكة العربية السعودية وفرنسا في هذا المجال، الذي بدأ بالمستشفى الحكومي في طرابلس، مسقط رأس الرئيس ميقاتي، وسيتواصل في أكثر من مجال طبّي وتعليمي وإغاثي في كلّ المناطق اللبنانية.

سبق كلامَ الأمير محمد بن سلمان عن لبنان خلال استقباله الرئيس ميقاتي بيانٌ لمجلس التعاون الخليجي في الاجتماع الذي رأسه الأمير محمد بنفسه على هامش القمم الثلاث التي استضافتها الرياض. تناول البيان لبنان في بندين منه، وهو ما لم تحصل عليه أيّ دولة أخرى في هذا البيان الذي جاء فيه: أكّد المجلس الأعلى على مواقف مجلس التعاون الثابتة مع الشعب اللبناني الشقيق ودعمه المستمرّ لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوّات المسلّحة اللبنانية التي تحمي حدوده وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرّفة والإرهابية”، وشدّد البيان على “أهميّة تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلُّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وعدم تحوُّله إلى نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدّرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدّد أمن واستقرار المنطقة”، ولفت إلى “أهميّة بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها”.

إلى ذلك دعا المجلس الأعلى جميع الأطراف اللبنانية إلى “احترام الدستور والمواعيد الدستورية، والعمل على كلّ ما من شأنه تحقيق تطلّعات الشعب اللبناني الشقيق في الاستقرار والتقدّم والازدهار”، وأشاد “بجهود أصدقاء وشركاء لبنان في استعادة وتعزيز الثقة والتعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون، ودعمهم لدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان”.

كان الأمير محمد بن سلمان واضحاً في التعبير عن الموقف السعودي تجاه لبنان، وهو موقف لم يتغيّر قبل استقبال النجيب أو بعد استقباله

ما لا يقدر عليه الرئيس ميقاتي

يقدر الرئيس نجيب ميقاتي أن يقول ويتعهّد بما يريد للأمير محمد بن سلمان في أثناء اللقاء، لكنّ التجارب معه ومع غيره من رؤساء الحكومات توضح أنّ كلّ ما حمله كلام الأمير محمد ثمّ بيان مجلس التعاون من متطلّبات من لبنان أطول ممّا يطوله وأعمق ممّا يمكنه أن يحقّقه ويفعله. هو بيان يؤكّد المؤكّد الذي جاء في ما يزيد على 10 بيانات كانت المملكة طرفاً أساسيّاً فيها، ومنها ما صدر إثر جولة الأمير محمد العربية الرباعية التي شملت مصر والأردن والبحرين والإمارات، ولقاء وزراء خارجية الدول الثلاث السعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على هامش اجتماع الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك.

ما هو مطلوب من لبنان بالنسبة إلى الدول الخليجية ومعها العالم، فوق طاقة وقدرة الرئيس ميقاتي كي لا نظلمه أو يظلم نفسه لأسباب نحن والرئيس ميقاتي ندركها:

1- حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي وعقدت جلستها الأولى عبر الإخراج الذي تمّ بعد الفراغ الرئاسي، أكّدت أنّها حكومة حزب الله بالقرار والحركة، وما كان لنصاب الحكومة أن يكتمل لولا المساعي والضغوط التي مارسها حزب الله على أكثر من طرف ووزير.

2- ممّا لا شكّ فيه أنّ نيّة الرئيس نجيب ميقاتي حسنة تجاه المملكة ودول الخليج. لكن أيضاً ممّا لا لبس فيه أنّ النيّات وحدها لا تبني سياسات. حزب الله ومن معه يبحثون عن تسوية على صعيد المنطقة تبدأ من طهران وشوارعها الملتهبة وتصل إلى لبنان وكهربائه المقطوعة.

3- المواجهة التي يخوضها الرئيس نجيب ميقاتي في الداخل مع الوزير جبران باسيل يعتمد فيها على مساندة الثنائي الشيعي، وتحديداً حزب الله، فكيف يمكن لمواجهة يدعمها حزب الله أن يسخّرها الرئيس ميقاتي لمصلحة المملكة العربية السعودية ودول الخليج؟

إقرأ أيضاً: باسيل ربح على ميقاتي بأمين سلام

عاد الرئيس نجيب ميقاتي إلى بيروت دون صورة تحفظ ذكرى اجتماعه بالأمير محمد بن سلمان، وستتجاهل المنظومة السياسية كلّ البيانات، وسيبقى لبنان يراوح في أزمته ومأزقه عند كلّ خميس. يشبه تماماً تلك الورقة البيضاء التي تختبئ خلفها كلّ المنظومة العاجزة عن انتخاب رئيس للجمهورية والمنتظِرة تسويةً لا يبدو أنّها آتية في المقبل من الأيام.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…