منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، بدأ البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) إعداد تشريعات جديدة لتقرير مصير الضفّة الغربية خارج إطار مشروع الدولتين الذي كان متداولاً على مدى أكثر من عقدين من الزمن. ويبدو أنّ التوجّه هو لتشريد أهالي الضفّة، وضمّها على طريقة “الاحتلال والاستيطان” في 1948.
تغيّرت الحكومات وبقيت السياسة واحدة. بالنسبة إلى إسرائيل لا توجد ضفّة غربية: هناك “يهودا والسامرة”. من هنا تتعامل التشريعات الإسرائيلية مع الضفّة كلّياً وجزئيّاً وكأنّها أرض إسرائيلية. لكن ماذا عن أهلها من الفلسطينيين العرب، المسلمين والمسيحيّين؟
وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان: “إسرائيل أوّلاً، أي أمن إسرائيل ومشروعها التوراتي، يتقدّمان على أيّ أمن آخر وعلى أيّ مشروع تسوية آخر، وخاصة مشروع حلّ الدولتين”
إسرائيل بين الضمّ والتهجير
تُقسَم الضفة الغربية ديمغرافياً إلى ثلاثة أقسام: القسم “أ” أو A، الذي يضمّ المدن الفلسطينية، والقسم الثاني “ب” أو B، الذي يشمل القرى الفلسطينية والأرياف المحيطة بها، والقسم الثالث “ث” أو C، الذي يحتوي على المستوطنات اليهودية التي تقوم على مساحة 7 في المئة من أراضي هذا القسم.
وضعت إسرائيل عدّة مقترحات للضمّ، أهمّها اقتراح وزير التعليم السابق نفتالي بينيت، الذي يدعو إلى ضمّ 60 في المئة من الضفة الغربية.. أي كلّ القسم الثالث C، حيث يبلغ الآن عدد الفلسطينيين، الذين ما يزالون صامدين منذ عام 1948 على الرغم من انتشار المستوطنات اليهودية، 300 ألف نسمة. فكيف ستتعامل إسرائيل معهم؟ هل تضمّهم أيضاً أو تقوم بإجلائهم بالقوّة إلى القسمين “أ” و”ب” من الضفّة الغربية المحتلّة؟ لا تتحمّل إسرائيل الضمّ الاستيعابي، لكن هل تتحمّل تبعات التهجير الإرهابي؟
تمتدّ حدود هذه المنطقة من الضفّة على مسافة 1,200 ميل مع المنطقتين “أ” و”ب”، حيث الكثافة الفلسطينية الكبرى، وحيث قلّة المستوطنات اليهودية. وهذا يعني امتداد إسرائيل إلى عمق الأرض الفلسطينية في الضفّة أو ما بقي منها، وهو ما يشكّل تحدّياً مستقبليّاً للأمن الإسرائيلي.
لمواجهة هذه التبعات، قامت إسرائيل ببناء الجدار الأمنيّ مع نظام للمراقبة بلغت تكاليفه 10 مليارات دولار. إضافة إلى ذلك، وضعت وزارة الدفاع دراسة عن نفقات إدارة شؤون الفلسطينيين داخل هذا الحاجز الأمنيّ، بيّنت أنّها تبلغ 6 مليارات دولار في العام، وتُضاف إليها 5 مليارات أخرى نفقات الصحّة والتعليم والخدمات الحكومية. ولتوفير كلّ هذه النفقات ترى إسرائيل أنّ الخيار الأفضل هو إجلاء عرب القسم الثالث C إلى القسمين A وB اللذين يكادان يختنقان بأهلهما في الوقت الحاضر.
أمّا المشروع الثاني للتعامل مع الضفّة الغربية فيقول بضمّها كلّها إلى إسرائيل تحت اسمها التوراتي “يهودا والسامرة”، ودَفْع الفلسطينيين إلى ما وراء النهر في عملية تهجير جماعية مماثلة لتلك التي حدثت في عام 1948.
في الوقت الحاضر يُقدَّر عدد سكّان الضفّة الغربية بحوالي ثلاثة ملايين نسمة. فإمّا أن يكون لهم دولة خاصة ينضمّ إليها قطاع غزّة كما ينصّ على ذلك مشروع حلّ الدولتين، وإمّا أن يُهجّروا إلى ما وراء الحدود بالقوّة الإرهابية وتقوم إسرائيل بضمّ الضفّة كلّها إليها
إسرائيل: المشروع التوراتيّ لا حلّ الدولتين
من هنا السؤال: هل تتحمّل إسرائيل تبعات الإقدام على هذه الخطوة؟ وهل يكفي تأييد الإدارة الأميركية لتغطية هذه العملية؟ وهل يمكن أن تتمّ من دون ارتكاب مجازر جماعية لإرهاب الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة؟ وماذا عن مواقف المجتمع العالمي والأمم المتحدة؟
يجيب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، وهو مهاجر من روسيا، على كلّ هذه التساؤلات بجواب واحد على طريقة الرئيس دونالد ترامب: “إسرائيل أوّلاً، أي أمن إسرائيل ومشروعها التوراتي، يتقدّمان على أيّ أمن آخر وعلى أيّ مشروع تسوية آخر، وخاصة مشروع حلّ الدولتين”.
لكن خلافاً لهذا الموقف هناك مشروع إسرائيلي آخر لتقرير مصير الضفّة الغربية وضعه 275 جنرالاً إسرائيلياً من المتقاعدين.
يقوم هذا المشروع على مبدأ الفصل التامّ بين اليهود والعرب الفلسطينيين. وعلى قاعدة هذا المبدأ يقول المشروع بالدولتين المنفصلتين تماماً. ويؤكّد المشروع استحالة الجمع بين يهودية الدولة وديمقراطيّتها. فاليهودية تعني اليهود أوّلاً وأخيراً، فيما الديمقراطية تعني المساواة بين المواطنين يهوداً وعرباً. ومن شأن اعتماد المساواة في ظلّ ظاهرة التضخّم الديمغرافي العربي السريع أن يؤدّي إلى انقلاب موازين القوى الداخلية رأساً على عقب في المستقبل المنظور.
حذر عسكريّ إسرائيليّ مُطلق
يحذّر الجنرالات في مشروعهم من خطورة ضمّ الفلسطينيين على هويّة إسرائيل اليهودية وعلى أمنها الداخلي.
تضمّ هذه المجموعة الكبيرة من القادة الأمنيّين والعسكريين الجنرال داني ياتون الرئيس السابق للموساد (جهاز الاستخبارات الخارجية) وعضو لجنة الأمن الإسرائيلي، والجنرال أفنون ريشاف الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي.
أسباب مبادرة عبّاس نحو المجتمع الدوليّ
في الوقت الحاضر يُقدَّر عدد سكّان الضفّة الغربية بحوالي ثلاثة ملايين نسمة. فإمّا أن يكون لهم دولة خاصة ينضمّ إليها قطاع غزّة كما ينصّ على ذلك مشروع حلّ الدولتين، وإمّا أن يُهجّروا إلى ما وراء الحدود بالقوّة الإرهابية وتقوم إسرائيل بضمّ الضفّة كلّها إليها مجرّدة من أهلها، كما ينصّ على ذلك مشروع ليبرمان، وإمّا أن تتولّى إسرائيل قضم قسم بعد قسم من الضفّة بعد التخلّص من جزء من أهلها، كما ينصّ على ذلك مشروع وزير التعليم الإسرائيلي.
إقرأ أيضاً: حماس لـ”رفيق صفقاتها” نتانياهو: تبادل أسرى الآن..
لكن أمام هذه الصيغ الثلاث تبرز صيغة رابعة من خارج كلّ الحسابات تتمثّل في احتمال انهيار السلطة الفلسطينية بعد الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، وهو ما من شأنه أن يلقي على الاحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربية مسؤولية مباشرة في إدارة شؤونها، الأمر الذي يضع إسرائيل والشعب الفلسطيني في حالة صدام مباشر دموي يائس سيتجاوز كلّ جدران الفصل العنصري التي أُقيمت أو تلك التي يُخطَّط لإقامتها.
من هنا أهمية مبادرة الرئيس الفلسطيني إلى حثّ المجتمع الدولي على ملء الفراغ الناتج عن تخلّي الولايات المتحدة عن دورها وسيطةً بعد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكن لا يبدو حتى الآن على الأقلّ أنّ مبادرته تلقى آذاناً صاغية.