ثلاثة أحداث تقع على خط الإنتخابات الرئاسية وواقع علاقات لبنان مع العرب. ولا بد لهذه الأحداث أن تتفاعل في المرحلة المقبلة، فتشكّل مداخل وعناوين لاستحقاقات سياسية تحتاج إلى وقت طويل لتتبلور:
– نجيب ميقاتي في المملكة العربية السعودية ويلتقي وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
– قائد الجيش جوزيف عون في قطر ويلتقي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
– جبران باسيل يدخل في خلاف مع حزب الله ويتراجع في سياق البحث عن تصحيح موقفه.
الحدث الأوّل هو الاستقبال السعودي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتناول اللقاء العلاقات السعودية – اللبنانية على أكثر من صعيد:
العلاقات بين دولتين
لا يزال الموقف السعودي على حاله في هذا المجال: حرص المملكة على لبنان الدولة والعلاقات معها وفق منطق مصالح الدولتين، بدون أيّ تراجع. ما يعني أنّ تطبيع العلاقات مرتبط بدفتر الشروط السعودي الواضح: استعادة التوازن في الدولة اللبنانية، التزامها بالموقف العربي، عدم إساءتها لدول الخليج أو الدول العربية، وضبط حدودها ووقف التهريب عبرها.
يدور النقاش حول علاقة المملكة بالطائفة السنيّة، استناداً إلى تحليلات لبنانية كثيرة تتحدّث عن إعادة تعويم نجيب ميقاتي
الاهتمام السعودي بلبنان سياسياً في المرحلة المقبلة
هنا ترد إشارة جديدة على الاهتمام السعودي بالملفّات السياسية اللبنانية والاستحقاقات المقبلة. صحيح أنّ وساطات ومساعي متعدّدة حصلت لبلورة انعقاد لقاء ميقاتي – بن سلمان. لكن اللقاء يندرج في سياق استقبال وليّ العهد السعودي ممثل الدولة اللبنانية في القمّة الصينية – العربية. وهناك إشارة أخرى: جهوزية السعودية للتعامل مع الاستحقاقات اللبنانية، ولكن على قاعدة استعادة الثقة وإعادة تكوين السلطة اللبنانية بشكل يمكن أن يلبّي مصالح الطرفين، وتلبية شروط المجتمع الدولي. وهنا لا بد من استعادة المواقف السعودية السابقة التي أثبتت الأحداث صحتها:
– أولاً: منذ اختيار حزب الله والتيار العوني حسان دياب رئيساً للحكومة وحصول دياب على غطاء فرنسي أمنه السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، كان الموقف السعودي واضحاً: رفض هذا النوع من التسويات، وإحجام السعودية عن التدخل في مثل التفاصيل المرتبطة بالتحاصص أو بالإخلال بالتوازن الوطني. وأثبتت النظرة السعودية صوابيتها لاحقاً، خصوصاً في رفضها المنطق الذي سارت عليه المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون بعيد تفجير مرفأ بيروت. حينذاك تقدّمت باريس بالمبادرة المعروفة، وبدأت بتراجعها التدريجي، فأبلغت السعودية الفرنسيين بموقف واضح: لا تغطية للمبادرة التي أصبحت مبتورة، مادام لن يطبق منها شيء. وهذا ما حصل وفشلت المبادرة.
– ثانياً: انتقل السعي الفرنسي لبنانياً من المطالبة بإصلاحات جذرية إلى الدخول في التفاصيل السياسية ويومياتها على قاعدة تشكيل الحكومة التكنوسياسية. وحصل هذا مع ذهاب نجيب ميقاتي إلى المحاصصة التي تجسدت سياسياً، وكذلك في الاستثمارات من المرفأ إلى النفط، بعيداً عن الإصلاحات الأساسية الجذرية التي يحتاجها لبنان. وهذا ما بقيت السعودية في منأى عنه ولم تقبل الدخول في تفاصيله. وهذا ما أُعيد تكراره على مسامع الفرنسيين وغيرهم من المسؤولين. وما سمعه ميقاتي في لقائه الأخير في السعودية.
– ثالثا: لا غطاء سعودياً لميقاتي، وهذه النقطة الأهم. فإذا كان ما سبق يشير إلى ثبات سعودي على موقف واضح مرتبط بدفتر شروط لم يتغير، فهذا كفيل بالردّ على ما يقال عن قدرة الفرنسيين على تغيير موقف السعودية أو حملها على التدخل في أسماء الأشخاص بعيداً عن البرنامج. ومثل هذا الردّ يأتي سريعاً لدى السؤال عن استقبال ميقاتي وإذا ما كان حصل على غطاء أو مشروعية سعودية تبقيه رئيساً للحكومة في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
يبقى باسيل مكبّلاً في حساباته الرئاسية. فهو لا يريد انتخاب فرنجية لأسباب شخصية ومصلحية
العلاقة بين المملكة والسُنّة
يدور النقاش حول علاقة المملكة بالطائفة السنيّة، استناداً إلى تحليلات لبنانية كثيرة تتحدّث عن إعادة تعويم نجيب ميقاتي. أو أنّ الفرنسيين نجحوا في فرضه مرشحاً أوحد لرئاسة الحكومة عبر مساعيهم في ترتيب موعد له مع الأمير محمد بن سلمان. لكن هذه النقطة تحتاج للكثير من التوضيحات.
منذ ما قبل انطلاق صندوق المساعدات الفرنسية السعودية للبنان، راجعت جهات متعدّدة السعودية في تقديم دعم ومساعدات للمؤسسات التابعة للطائفة السنيّة، لكن الجواب السعودي كان واضحاً بالتعاطي مع لبنان من دولة لدولة وليس من خلال تخصيص طائفة بحد ذاتها. كذلك استمرت التأكيدات بأنّ المملكة حريصة على تقديم المساعدة لكل اللبنانيين وعدم الإهتمام بطائفة أو بمذهب، وعندما تمّ انشاء الصندق السعودي الفرنسي المشترك كان هناك توجيهات واضحة من ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بأنه حريص على حصول كل فئات المجتمع اللبناني على المساعدات وفي حال كانت هناك جهات على خصومة مع السعودية من حقها الحصول على هذه المساعدات من خلال ما تقدمه فرنسا، وهنا المقصود بوضوح أنّ هناك حرصاً على تقديم المساعدات من الصندوق للطائفة الشيعية. وهذا مؤشر إلى الموقف السعودي الذي يتعاطى بسقف وطني مع لبنان وليس بنزعة طائفية ومذهبية.
احتمال جوزف عون البعيد
الحدث الثاني، هو زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى قطر ولقائه بوزير الخارجية هناك. وقد جاءت الزيارة في توقيتٍ هام ولا تخلو من إشارات سياسية: في مقدم مستقبليه وزير الخارجية وليس وزير الدفاع. وهذا يحمل مؤشراً حول سعي دولة قطر لإبرام تسوية في لبنان تقوم على استعادة عناصر الثقة مع المجتمعين العربي والدولي، انطلاقاً من الدور الذي لعبه قائد الجيش جوزيف عون الذي يحظى بموافقة عدد من القوى الدولية والإقليمية، على ما قالت مصادر مطّلعة لـ “أساس”.
وتحمل الزيارة مؤشراً يرتبط ببحث العواصم المهتمة والمؤثرة بلبنان عن الخيارات المتاحة ووضع سلّة من الاحتمالات ريثما تحين لحظة التسوية. وهنا يمثل قائد الجيش أحد هذه الخيارات كمرشح وسطي يمكن التوافق عليه. وقد وجهت نصيحة إلى جبران باسيل بتبني ترشيحه فرفض. لكن حتى لو كان خيار تبنّي ترشيح عون أبعد من لبنان وأكبر من قدرة القوى اللبنانية على عرقلته، فهو يحتاج إلى تسوية كبرى ترتبط بحسابات إيران والولايات المتحدة. وهذا يعني أنها بحاجة إلى وقت طويل.
طرق باسيل المقفلة
الحدث الثالث الذي لا بدّ من ربطه بهذه التطورات، هو المشكلة بين باسيل وحزب الله، وخلفياتها الأساسية رئاسية. فباسيل رفض السير في ركب حزب الله بتبني خيار سليمان فرنجية للرئاسة. وحزب الله يرفض حتى الآن تبني أي من خيارات باسيل الرئاسية. ويجد باسيل أنه مكبّل بالكثير من الحسابات:
– أولاً، سعيه الدائم لرفع العقوبات عنه بمساعدة قطرية وبتقديم أوراق اعتماد للأميركيين وهذه ستكون مكلفة على صعيد علاقته بحزب الله.
– ثانياً، حساباته مع حزب الله الذي لا يمكنه الخروج من التحالف معه. فحزب الله أرسل لباسيل رسالة مباشرة بعد الخلاف الكبير عنوانها: “شاور حملاتك”. بمعنى أنه في حال ذهاب باسيل في هذا الإتجاه، فلن يحقق أي مردود لا داخلي ولا خارجي. بل هناك عدد من النواب سيعمل الحزب على دفعهم إلى الانشقاق عنه.
إقرأ أيضاً: ميقاتي يخضع للامتحان السعودي
– ثالثاً، يبقى باسيل مكبّلاً في حساباته الرئاسية. فهو لا يريد انتخاب فرنجية لأسباب شخصية ومصلحية. ولا يريد انتخاب جوزيف عون خوفاً من نجاح الأخير في تشكيل حيثية مسيحية تستقطب العونيين من حوله، استناد إلى رمزية البزّة العسكرية في الوجدان المسيحي والعوني.
– رابعاً، باسيل مكبّل في حساباته المسيحية فهو يريد أن يكون صاحب خطاب المسيحيين ومن يمثل وجهتهم وتوجهاتهم. لذا هو غير قادر على الذهاب في اتجاه فرنجية وتبنّي توجهات حزب الله. بل هو يسعى إلى قطع الطريق على فرنجية، ما سبب بجرح عميق في علاقة باسيل بحزب الله. وفي سعيه إلى قطع الطريق على جوزيف عون يقول للحزب مقدماً: جنّبني تجرع كأس جوزيف عون الذي يريده الأميركيون والسعوديون. وفي هذا كله يظن باسيل أنه قادر على تقديم خيار ثالث: شخصية وسطية يمكن أن تحفظ وضعيته ويمرر المرحلة الإنتقالية، أي ولاية رئاسية بحد أدنى من الخسائر في انتظار ترتيب أموره.