مونديال قطر: فلسطين حرّة واسرائيل منبوذة

مدة القراءة 6 د

كانت فلسطين اللاعب الأكبر في مونديال قطر، إذ كانت أعلامها هي الأكثر حضوراً وبروزاً في المدرّجات وساحات الملاعب، وهتف المشجّعون العرب في كأس العالم باسمها: “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”. وغنّى المشجّعون المغاربة، الذين فاز فريقهم على المنتخب البلجيكي، دعماً لفلسطين أغنية “أجمل البلدان”. وعبّر مشجّعون بريطانيون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني بإطلاقهم عبارة “فلسطين حرّة” أثناء حضورهم مباراة بلدهم مع السنغال.

بدت مباريات كأس العالم في قطر كأنّها تستخرج إجابات بريئة ومباشرة من الجمهور العربي تتّصل بمركزية القضية الفلسطينية، تحت عنوان “لا سلام مع إسرائيل بدون حلّ سلميّ وعادل للفلسطينيين”.

يعود إنشاء أول اتحاد فلسطيني لكرة القدم إلى عام 1928. لكنّ الفلسطينيين يتبرّأون من هذا الاتحاد الذي قام تحت الوصاية اليهودية، والذي أسّسه المهاجر البيلاروسي يوسف يكوتيلي باسم “الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم”

لا شيء اسمه إسرائيل

انتشرت انتشاراً واسعاً مقاطع مصوّرة لمراسلين إسرائيليين حضروا إلى قطر لتغطية المونديال، فحاولوا إجراء مقابلات مع مشجّعين من دول عربية مختلفة، إلا أنّ المشجّعين العرب راحوا ينصرفون عنهم في لحظة معرفتهم أنّهم إسرائيليون، مؤكّدين أنّه “لا يوجد شيء اسمه إسرائيل. وكلّ شيء هو فلسطين. لقد سرقتم الأرض من الفلسطينيين”.

رئيس اتحاد كرة قدم الاحتلال الإسرائيلي أورين حسون تحدّث عن تجربته في أثناء وجوده في قطر لحضور المونديال، قائلاً: “لقد شعرنا بأنّنا مكروهون، محاطون بالعداء، غير مرغوب فينا. في الشوارع يرافقنا فلسطينيون، إيرانيون، قطريون، مغربيون، أردنيون، سوريون، مصريون، ولبنانيون. نظراتهم تشي بالكراهية. لقد ثبت لدينا أنّ الإسرائيليين غير مرغوب فيهم”. وذكر إعلامي إسرائيلي حضر المونديال أنّ سائق تاكسي “أنزلني من سيّارته لأنّني إسرائيلي قائلاً: أنتم تقتلون إخوتي الفلسطينيين”.

تجربة الرفض المرير

اعتبرت صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية أنّ “المونديال في قطر وضع الإسرائيليين أمام واقعٍ وحقيقةٍ مؤلمين جدّاً: شاهدوا للمرّة الأولى المشجّعين من الخليج وتونس ولبنان ومصر والأردن والمغرب..، وعاشوا تجربة الرفض والتجاهل والكراهية وعدم قبولهم في بلد عربي”.

في مقال نشره موقع “مكور ريشون” بعنوان “كراهية إسرائيل في المونديال”، أشار المسؤول في جهاز “الشاباك” دورون ماتسا إلى أنّ “التعامل الفظّ لمشجّعي كرة القدم العرب مع ممثّلي وسائل الإعلام الإسرائيلية، فاجأ الإسرائيليين وفتح عيونهم على الواقع في الشرق الأوسط وعلاقة إسرائيل بالمنطقة”.

غير أنّ الكاتب الفلسطيني حسن خضر حذّر من خداع الذات معلّقاً: “على هامش زيارة الرئيس الإسرائيلي للبحرين والإمارات يوجد كلام يصلح أن يُقال عن مونديال قطر: تناقلت صحف ومواقع مختلفة بقدر مدهش من النوستالجيا القومية أخبار تظاهرات البحرينيين الغاضبة وبياناتهم المندّدة بالإسرائيليين بصفتهم ضيوف قطر. وقد استنتج أشخاص من مشارب شتّى، وبمفردات ساخنة أحياناً، أنّ التظاهرات تدلّ على فشل السلام الإبراهيمي، لأنّ الشعوب العربية، خلافاً لحكّامها، ترفض التطبيع وتقف مع فلسطين. وهذا خداع للذات ربّما نجم عن تفكير رَغْبيّ، وربّما عن وضع الشعوب العربية كلّها في سلّة واحدة، وعن الحنين الرومنسي إلى حضور فلسطين في خطاب القومية العربية. والتفكير الرغبيّ طريقة لمقاومة اليأس، لكنّه غير مضمون النتائج، ومرشّح لخيبات أمل متلاحقة”.

لكن على مقلب آخر، من الواضح أنّ النوستالجيا تحرّض على شطب تفاصيل أساسية من حين إلى آخر. فجمعية الوفاق البحرينية هي محرّك التظاهرات، ومصدر البيانات المعادية للرئيس الإسرائيلي. وعيسى قاسم الذي ذكرت الأنباء تنديده بزيارة الرئيس الإسرائيلي البحرين، هو زعيم شيعي بحريني معارض قريب من إيران (يذكر المصابون بالنوستالجيا القومية اسمه بلا لقب آية الله على سبيل التمويه). وقد سبق تجريدة من الجنسية البحرينية قبل ستّ سنوات.

 

رياضة الحداثة

في مناسبة المونديال، نشرت “مؤسّسة الدراسات الفلسطينية” صورةً نادرةً للعبة كرة القدم في ساحةٍ عموميةٍ في باب الساهرة في القدس، التقطها مصوّرٌ مجهولٌ في عام 1902. وذكرت أنّها ربّما تكون الصورة الأولى من نوعها في فلسطين أو في بلاد الشام. يظهر اللاعبون الفلسطينيون في الصورة وهم يرتدون الشورت الرياضي، فيما يلبس المشاهدون المتفرّجون أنماطاً متفاوتةً من اللباس الأوروبي الوافد، واللباس التقليدي المؤلّف من القبّعة والطربوش والعمامة للرجال والفستان والملاية والعباءة للنساء.

تنبع أهميّة هذه الصورة من إظهارها بدايات الحداثة المشهديّة في حواضر فلسطين العثمانية، التي خرجت من القدس القديمة إلى عالم جديد رحب يبشّر بالانعتاق النفسي والاجتماعي، وذلك  من خلال مشهد رياضي في فلسطين بدايات القرن الماضي.

حسب تقرير “مؤسّسة الدراسات الفلسطينية”، ظهرت الصورة للمرّة الأولى في كتاب “قبل الشتات” للمؤرّخ الفلسطيني وليد الخالدي. وهي من مجموعة المؤسسة المأخوذة من جامعة أوكسفورد. وتُظهر الصورة تجمُّع رجال ونساء خارج أسوار القدس يحضر مشهداً رياضياً، وتختلط فيه النساء والرجال والأطفال بحرّيّة. وقد أُقيمت المباراة في الساحة العمومية في باب الساهرة مقابل ال?يلات الحديثة للبورجوازيين المقدسيّين الذين خرجت مساكنهم من البلدة القديمة إلى امتدادات المدينة الحديثة خارج السور. والساحة تحوطها قصور آل الحسيني وقليبو وجارالله والعلمي والنشاشيبي.

القدس وكرة القدم

ترى “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” أنّ “الفرجة” ظاهرة قديمة في ثقافات الشعوب، وتجمهرات كرة القدم هي فُرجة تعتمد على تنفيس الاحتقان الشعبي من خلال تماثل جمهور المتفرّجين مع أحد الفريقين المتصارعين على الاستحواذ على كرة القدم وتحقيق أهداف في مرمى الخصم. وهي أشبه بالملهاة التي انتشرت في بدايات ألعاب الدولة الرومانية، والتي عُرفت بمفهوم “الخبز والسيرك” وتهدف إلى تخليص النخبة الحاكمة من غضب المحرومين من خلال إلهائهم بالألعاب المشهديّة.

لكن بعيداً عن هذه التفسيرات تظلّ صورة باب الساهرة في حيّز ذاكرة الفرجة المبهجة للجماهير المقدسيّة التي خرجت من قيود البلدة القديمة إلى عالم جديد رحب يبشّر بالانعتاق النفسي والاجتماعي.

إقرأ أيضاً: الفلسطينيّون والمسجد الأقصى: كابوس بن غفير

يعود إنشاء أول اتحاد فلسطيني لكرة القدم إلى عام 1928. لكنّ الفلسطينيين يتبرّأون من هذا الاتحاد الذي قام تحت الوصاية اليهودية، والذي أسّسه المهاجر البيلاروسي يوسف يكوتيلي باسم “الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم”، بهدف جمع الأندية العربية واليهودية وتلك التابعة للانتداب البريطاني ضمن مظلّة واحدة. لكن بعد عام واحد فقط على تأسيس هذا الاتحاد، ومع حصوله على عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، بدأ التمييز بين الفرق الفلسطينية وبين نظيرتها اليهودية والبريطانية، وبدأت تظهر معالم تهويد اللعبة من خلال الاعتماد على العناصر اليهودية والبريطانية وتهميش الفلسطينيين.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…